الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب ما قاله أبو الفضل ابن الخطيب: إنما قال ذلك في قوله تعالى: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ)، وفيما قبلها: (ول@كن لا
يشعرون) ، لوجهين:
أحدهما: أن الوفق على أن المؤمنين على الحق، وهم على الحقّ أمر عقلي
نظري، وأما أنَّ النفاق وما فيه من البغي يفْضي إلى الفساد في الأرض
فضروري، جار مجرى المحسوس.
والثاني: أنه لما ذكر السفَه، وهو جهل، كان ذِكْرُ العلم أحسن طبافاً.
والله أعلم.
(شَكور) :
من أسماء الله، لأنه المجازِي للعباد على أعمالهم بجزيل الثواب.
وقيل: الْمُثْني على العباد.
وأما الشكور من عباده فهو المصرِّفُ جوارِحَه فيما أمَر الله به عبادَه من الطاعة، وهو موجب للزيادة كما قدمنا.
وقام صلى الله عليه وسلم حتىْ تفطَّرَتْ قدماه، وقال: أفلا أكونُ عبداً شَكوراً، فالشكرُ إذاً طاعة الله في كل نعمة بما هو الأولى مع رؤية مِنَّةِ الله تعالى! والحياء من تتَابع نِعمه واستعظام صغيرها، واعترافه بعجزه عن شكرها، وأنها وشكرها نعمة منه تعالى، وعدم ركونه إلى غير المنعم، وأعظم النعم حسن خلق، لأنه ما ضرّ أبداً كسوء خلق، ويجب العلم بما قَبّحه الشرع وبما حسَّنَه، وكل نِعَمِه فإنها منه تعالى إجماعاً، فالشّكْرُ بما يجب حَتْمٌ، وبما يستحبّ ندب، ولما كانت نِعَم الله تعالى مبذولة لم يشكر الجاهل إلا ما خصّه بقوله الحمد للهِ، ولو عمي مثلاً لتسخَّط
وشكى، ولو عاد بصَره شكر.
(شَرَوْا) :
بمعنى باعوا، كقوله تعالى:(وشَرَوْه بِثَمن بَخْسٍ) .
(شَطْرَ الْمَسْجِدِ الحرام) :
تلقاءه، بلسان الحبشة،
وكان صلى الله عليه وسلم يرفع رَأسه إلى السماء رجاء أن يُؤْمَر بالصلاة إلى الكعبة، لأنها قِبْلَة إبراهيم، أو كان يحِبُّ ذلك من أجل أنَّ اليهود كانوا يقولون: يخالفنا محمد في ديننا ويتبعنا في قبلتنا، فقال لجبريل: وَدِدْتُ أن يُحوِّلَني الله إلى الكعبة، فإنها قِبْلة إبراهيم، فقال جبريل: إنما أنا عَبْد مثلك، وأنتَ كريم على ربك، فاسأل أنْتَ ربَّك، فَعرج جبريل إلى السماء، فأنزل الله الآية، فهي متأخرة تلاوة مقدمة معنى، لأنها رَأس القصة، وأوَّل ما نُسخ من أمور الشرع أمْرُ القبلة.
فإن قلت: ما فائدة تكريرها ثلاث مرات من سورة البقر ة؟
فالجواب أنَّ الأولى لنسخ القبلة، والثانية للسبب، وهو قوله: (وإنَّهُ لَلْحقّ
من ربك) ، والثالثة لعلة، وهو قوله:(لئلا يكونَ للناسِ عليكم حجةٌ) .
وقيل الأولى في مسجد المدينة، والثانية خارج المسجد، والثالثة خارج البلد.
وقيل في الآية خروجان: خروج إلى مكان ترى فيه الكعبة، وخروج إلى مكان لا ترى أيّ الحالتين فيه سواء.
وقيل في الجواب غير هذا حذفناه لطوله.
(شَهيدَيْنِ مِنْ رِجَالكم) :
نَصّ في رفض شهادة الكفار والصبيان والنساء، وأما العبيد فاللفظُ يتناولهم، ولذلك أجاز ابن حنبل شهادَتهم، ومنعها مالكٌ والشافعيّ لنَقص الرِّق، وإنما أمر الله بالإشهاد في البياعات حفْظاً للأموال، فشهادة الرجلين أو رجل وامرأتين جائزة في الأموال لا في غيرها بشرط العدالة، ومعناها اجتنابُ الذنوب الكبائر وتوقّي الصغائر مع المحافظة على المروءة.
وروي أن آدم - صلى الله على نبينا وعليه وسلم - لما رأى ذريته عند خروجها من ظهره، فسأل الله عنهم، فقال له: هم الأنبياء من أولادك، فقال: يا رب، كم أعمارهم، فأخبره بِعُمْر كلِّ واحد، فوجد عمر داود أربعين، فقال: يا رب، قد وهبتُ له من عمري أربعين أخرى، فلما بقي من عمره هذه الأربعون أتَى ملَكُ الْمَوتِ ليقبِضَ رُوحه، فقال: إني لمْ أهب شيْئاً.
فقال الله له: أمرًا أحدثته بين أولادك، فمَنْ كان عليه حق أنكره، فلذلك
أمره الله بالإشهاد، فقال:(واستَشْهدوا شهيْدَيْنِ مِنْ رِجالكم) .
ولذلك وَكل على كل أحَدٍ من الآدميين مَلَكين شاهدين حتى لا يجدَ
إلى الإنكار سبيلاً.
فانطرْ هذا التَّأنيسَ العظيم لأمة هذا النبي الكريم.
وقيل: إنه كان نور المصطفى في وَجْه آدم ينظر إليه، فقال: يا رب، هل بقي في ظهري من هذا النور شيء، قال: نور أصحابه.
قال: يا رب، اجعله في بقية أصابعي، فجعل نور أبي بكر في الوسْطى، ونور عمر في البنصر، ونور عثمان في الخنصر، ونور عليٍّ في الإبهام (1) ، فكان آدم، صلى الله عليه وسلم، ينظر إلى تلك الأنوار ويعجبُ منها إلى أن أهْبَطه الله من الجنة، ومارَسَ أعمالَ الدنيا، فعادت الأنوارُ إلى ظهره.
وأنْتَ يا عاصي، تمَارِسُ المعاصي والفواحش، ولا تخاف مِنْ زوال نورِ
الإيمان من قَلْبك! ألم تسمع إلى قول ربك: (كلا بَلْ رَانَ على قلوبهم ما كانوا
يكْسِبون) .
فإن قلت: ما بال آدم لم يرد الرجوع إلى الجنة، بل رجع فيما وهب لداود.
وكان قد بكى عليه بعد خروجه منها حتى لو أجْرِيت السفن في دموعه لجرت؟
والجواب أن آدم عليه السلام لما ذاق حلاوةَ النعمة في الجنة بكى على فِرَاقها، فلما خرج إلى الدنيا وكلفه الله فيها بالعبادة، لأنها محلُّ تكليف، وذاق حلاوته، اختار ما فيه رضَا الله على حظ النفس.
وقيل: كَرِه الخروجَ من الجنة لطلب الراحة وخوف الموت، لأنَّ الله أخبره أنه لا موت فيها، ولما خرج إلى الدنيا، وعلم بمرارة الموت فيها لم يرِد الخروجَ منها، فإذا أبو بكر المطهر من الذنوب يخاف من هذه الأهوال، فكيف بكَ أيها الغريق لا تخاف من الفراق، وقَطْع حَبْل التلاق.
(1) كلام يفتقر إلى دليل.
(شاوِرهم في الأمر) :
أمَر الله رسولَه بمشاورة أصحابه في الحروب وغيرها لا في أحكام الشريعة.
وقال ابن عباس: وشاوِرْهم في بعض الأمر، وقد كان صلى الله عليه وسلم يشاوِرهم في مواطن كثيرة، كيوم بَدْر، ويوم الأحزاب، والطائف، وغير ذلك.
وينبغي للإنسان أن يشاوِرَ في أموره مَنْ يثِق منه بعقل صحيح وودٍّ صريح.
ولا يستغني برأيه، فإن استغنى برأيه زلَّ.
قال صلى الله عليه وسلم: " المشاورة تزيد الرجل ذَكاءً ".
وقد ورد في هذا المعنى من الأحاديث والأخبار ما لا نطيل بذكره.
والله الموفق.
(شَجَر بَينَهم) ، أي اختلط.
واختلفوا فيه، ومعنى الآية أنهم لا يؤمنون حتى يَرَضوا بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، ونزلت الآية والتي قبلها في المحاكمة بين المنافقين.
فإن قلت: كثيراً ما يذكر المفسرون لنزول الآية أسباباً متعددة فبأي السبب
نأخذ؟
والجواب أن الاعتمادَ في ذلك أن تنظر إلى العبارة الواقعة، فإن عَبَّر أحدهم
بقوله: نزلت في كذا، والآخر نزلت في كذا، وذكر أمراً آخر، فهذا يرَاد به التفسير لا ذِكر سببِ النزول، فلا منافاةَ بيبن قولهما إذا كان اللّفظ يتناولهما، وإن عبَّر واحذ بقوله نزلت في كذا، وصرح الآخر بذكر سببِ خلافه فهو المعتمد.
وقد يكون للآية أسباب، وقد أفرد أسباب النزول بالتَّصنيفَ جماعة ٌ أقدمهم علي ابن المديني شيخ البخاري، وألَّف فيه شيخ الإسلام أبو الفضل بن جعفر كتاباً مات عليه مسوّدة فلم يقف عليه كاملاً.
وقد ألَّفتُ فيه كتاب النقول في أسباب النزول، فقِف عليه لعل قلبكَ يَميل.
(شَنَآنُ قَوْمٍ) ، أي بغضهم وحِقْدهم.
ومعنى الآية: لا يحملنَّكم عَدَاوة قوم على أن تعتَدوا عليهم مِنْ أجْل أنْ يَصدّوكم عن المسجد الحرام.