الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(سيَقول السفهاءُ) :
ظاهره الإعلام بقولهم قبل وقوعه.
وقال ابن عباس: نزلَتْ بعد قولهم، والمراد بهم اليهود أو المشركون أو المنافقون.
وأما: (ولا تُؤْتوا السفهاءَ أموالَكم) .
فالمراد بهم أولاد الرجل ونساؤه لأنهم يبذَرون.
وقيل السفهاء المحجورون، وأموالكم، أي أموال المحجورين، وأضافها إلى المخاطبين لأنهم ناظرون عليها وهي تحتَ ولايتهم.
(سِرًّا) ، وسروراً بمعنى واحد.
(تسليما) : ملاطفة وقَصْداً.
(سلَف) الأمر، أي تقدم، وأسلفت الرجل أي قدمته، ومنه: (بما
أسْلَفْتم في الأَيام الخالية) .
(سَلم) - بفتح السين: ال
سلام
ة، والمراد به عقد الذمة بالجزية.
وقرئ بكسر السين بمعنى الدخول في الإسلام.
وأما السَّلَم بغير ألف فهو الانقياد.
ومنه: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم) ، وقرئ بالألف بمعنى
التحية.
(سارعوا) :
بغير واو استئناف، وبالواو عطف على ما تقدم، ومعناه المبادرة إلى الأمر.
(سَعِيراً) :
اتقادا، وهو اسْم من أسماء جهنم.
(سلام) :
اسم من أسماء الله، وهو بمعنى الخير، (فاصْفَحْ عنهم وقل سلام) .
وبمعنى الثناء: (سلام على نوح في العالَمِين)
وبمعنى السلامة: (اهْبِط بسلام منَّا) .
(لهم دار السلام عند رَبهم) .
وبمعنى الشجر العظام، واحدتها سَلَمَة.
(أسلم) :
له ثلاثة معان:
الدخول في الإسلام، والإخلاص للهِ، والانقياد.
ومنه: (أسلمت لرب العالمين) .
(فلما أسْلَما وَتَلَّه للْجَبِين) .
سكينة) : وقار وطمائينة.
وقال الراغب في مفرداته قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) الفتح: 4،: إنه ملك يسكن قَلْب المؤمن ويؤمنه، كما روي: إن السكينة تنطِقُ على لسان عمَر.
وقيل في سكينة
تابوت بني إسرائيل: إن لها وجهاً مثل وَجه الإنسان، ثم هي بعد
ريح هفَّافة.
وقيل: رأس مثل رأس الهرّ وجناحان، وهي من أمر الله.
(سكن)
يسكن: له معنيان، من السكون ضد الحركة.
ومن السكنى في الموضع، ومنه:(اسكنْ أنْتَ وزَوْجك الجنَّةَ) .
فإن قلت: إذا كان من السكون الذي معناه الإقامة، فما معنى عطف الأكل في البقرة بالواو بخلاف آية الأعراف؟
والجواب أنَّ مورد الآيتين مختلف في الموضعين، لأن الواردَ.
في البقرة قُصد به مجرد الإخبار والإعلام به لرسوله صلى الله عليه وسلم بما جرى في قصة آدم عليه السلام
وابتداء خلقه، وأمر الملائكة له بالسجود، وما جرى من إبايَة إبليس عن
السجود، ثم ما أمر به آدم من سكنى الجنة والأكل منها، ولم يقصد غير التعريف بذلك من غير ترتيب زمانيّ أو تحديد غايةٍ، فناسبَهُ الواو، وليس موضع الفاء.
وأما آية الأعراف، فمقصودُها تعدادُ نِعَم الله تعالى على آدم وذُرّيته، ألا
ما تقدَّمها من قوله تعالى: (ولقد خلَقْنَاكم ثم صوَّرْنَاكم) .
وأمر الملائكة بالسجود لآدم ثم قوله مفْرِداً لإبليس: (اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا)، مفرداً بذلك أمر آدم عليه السلام بالهبوط متبعا بالتأنيس له ووصية الذرية في قوله:(يا بني آدمَ لا يفتنَنَّكم الشيطانُ) ، فناسب هذا القصد العطف بالفاء الْمُحْرِزة معنى الترتيب.
والواو لا تقتضي ذلك، وإنما بابُها الْجَمع حيث لا يُراد ترتيب، وليس موضع شرط وجزاء، فيكون ذلك مسوغاً لدخول الفاء، وإنما ورد ها هنا لما ذكرتُه من قصد تجريد التفضيل المحصّل لتعديد النعم.
ولما اختلف القَصْدَان اختلفت العبارة فيهما.
(سعى) يسعى: له ثلاثة معان، عمل عملاً، ومنه: (وأن ليس للإنسان
إلاّ ما سعى) .
ومشى، ومنه:(فاسعَوْا إلى ذِكْر الله) .
وأسرع في مشيه، ومنه:(وجاء رجلٌ من أقْصَا المدينة يسْعَى) .
فإن قلت: ما وَجْه تقديم الرجل في هذه الآية وتأخيره في آية يس؟
والجواب إنما أخره في يس لأوجه، منها: أنه كان يعبد الله في جَبَل، فلما
أسمع خبر الرجل سعى مستعجلا.
وقيل: حيث قدّم الظرف على رجل أراد أن ينبه أن الرجل من المدينة
نَفْسها، وحيث أخَّر الظرف لم يرد أن يُنَبّه على المعنى المذكور.
وقيل: لما كانت مقالة الرجل في سورة يس تقتضي الإِرشادَ أخر ذكْرَه ليكون موالياً لإسناد قوله إليه، وليعلم القائل أنَّ مقالته تقتضي الإنذار قدم ذكره وفصَل بينه وبين مقالته ليبعد إسنادها إليه، إذ المقالة تقتضي الإخفاء، وهو أيضاً كذلك، فكان بعد إسناد المقالة إليه فيه ضربٌ من إخفائه.
وقيل غير هذا من الوجوه حذفناه لطوله
(سَوْءَةَ أخيه) ، أي عورته، وخصها بالذكر لأنها أحق
بالستر من سائر البدن، والضميرُ في (أخيه) عائد على ابن آدم، وأما قوله:
(فبَدَتْ لهما سَوْءاتُهما) ، فقد قدمنا أنه زال عنهما اللباسُ الذي
كان عليهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر.
(سَمَّاعونَ للكذبِ سَمَّاعُون لقوم آخَرِين) ، أي لقوم
آخرين من اليهود الذين لا يأتُون النبي صلى الله عليه وسلم لإفراط البغْضَةْ والمهاجرة.
فإن قلت: ما فائدة تكرير هذا السماع هنا؟
فالجواب أنه إن كان سمّاعون الأول استنئاف إخبار عن المنافقين والذين
هادُوا فيكون الثاني في اليهود خاصة، وإن كان من الذين هادوا استئنافاً منقطعاً
عما قبله فيكون سمّاعون الأول راجِعاً إليهم خاصة، فكرّر الثانية تأكيداً.
وبالجملة - فالآيةُ خطابٌ للنبى صلى الله عليه وسلم على وجه التسلية.
وأما قوله في براءة:
(فيكم سمّاعون لهم) ، فمعناه خطاب للصحابة بأنهم يسمعون
كلامَ المنافقين في إخبارهم بابتغائهم فتنتكم، وتنقلونها لإخوانكم المؤمنين، وهم معْ لك طالبون فسادكم.
وقيل سمّاعون، أي يتجسسون لهم الأخبار.
(سأرِيكم دارَ الفاسقين) ، أي دار فرعون وقومه، وهو مصر، فالمعنى أريكم كيف أقفرت منهم لما هلَكُوا.
وقيل: منازل عاد وثمود ومن هلك من الأمم المتقدمة ليعتبروا بها.
وقيل جهنم.
وقرأ ابن عباس بالثاء المثلثة -: " سأورثكم " من الوراثة، وهي على هذا مصر كما قدمنا.
(سأصْرِف عن آياتي الذين يتكبَّرُون في الأرض بغير الحقّ) :
يحتمل أن يريد بها آيات القرآن وغيره من الكتب فيطمس الله فَهْمَها.
والتدبّر في معانيها على المتكبرين، وهذا كقوله:(واتَّقُوا اللهَ ويعلِّمُكم الله) .
وفي الحديث: العلم نور يضَعُه الله في قلْبِ الخائف.
وفيه: " مَن عمل بما علم أورثه الله عِلْمَ ما لم يعْلم ".
مَنْ لم يتّق الله يصرفه عن فَهْم آياته، ويصده عن الإيمان عقوبة له على تكبّره.
وقيل: الصرف منعهم عن إبطالها.
(سكتَ عَنْ موسى الغَضَب) ، أي سكن، وبذلك قرأ بعضهم
والغضب: شعلة نار، وهو مذموم، مَنْ وجده فليستعِذْ بالله منه، وإن
كان قائما جلس، وإن كان جالساً فليَضْطَجع، وغضبُ موسى إنما كان لله في غضبه ِعلى اتخاذ العِجْل في غيبته إلى الطور، فلما رجع ألْقَى الألواحَ التي كانت عنده لما لحقه من الدهش، وأخذ برأس أخيه هارون يجرُّه، لأنه ظن أنه فرَّط في كفِّ الذين عبَدُوا العجل، فقال:(ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) ، الآية، فسكن حينئذ موسى.
وإنما دعاه هارن بأمِّهِ، لأنه أدْعَى إلى العطف والحنوّ.
وقرئ ابن أمِّ بالكسر على الإضافة
إلى ياء المتكلم وحذفت الياء، وبالفتح تشبيهاً بخمسة عشر، جعل الاسمان اسماً واحداً.
وفي الآية تنبيه على أنَّ الغضبَ للَه من النصرة لدين الله، فلا يغفل المرء عن
الحبِّ في الله والبغْض في الله.
وإنما غضب موسى على مَنْ ظنّ منه الإفادة والانتهاء عما هو فيه.
وأما مَن ظن عدم ذلك فلا ينبغي إلا هجرانُه وطرْدة.
ولعمري هل فيك نفحة من هذه النفحات فتغضب على أهلك ووَلَدك وما
ملكت يمينك إذا رأيتهم خالفوا أَمْرَ ربهم، كَلاّ لو فهموا منك تغضباً لتَرْكِ
دينهم كما تغضب عليهم إذا ضيعوا دنياك لانْتَهَوا، ولكنك لا تغضب عليهم
لعدم صِدْقك مع الله فلم يزيدوا إلا طغياناً كبيراً.
(سَيَّارة) :
قوم مسافرون.
ورُوي أنَّ السيارة التي أخرجت يوسف كانت من مَدْين.
وقيل أعراب السيارة طلبوا الماءَ فوجدوا يوسف.
وسليمان طلبَ السمكةَ فوجد الخاتم، وموسى طلب النارَ فوجد الجبّار.
وأنْتَ يا عبدَ الله، هَلَاّ ترمي شبكةَ الندامة في بَحْر
الاستغفار وتَصطاد لنفسك الضعيفةِ حوتَ السلامة من الفرقة والقطيعة، فإن
كنت أحذق فعليكَ بالأوفق، لا يشغلك شاغل عن الطاعة بجهد الاستطاعة، فإن وقعتَ في ظلمة أو وَحلة يخرجك كما أخرج يوسف، وإن صيّره ملكاً فيصيّرك ملكا كريماً في دارِ ضيافته، ويكشف لك عن كمال ذاته، فتنظر إلى جماله.
(سيِّدَها) :
قد قدمنا أن السيد يراد به الرئيس والذي يفوق في الخير قومَه.
والسيد في الحقيقة هو المالك.
ولذا أضاف امرأةَ العزيزِ إليه، لأنه مالكها، فلما رأته خجلَت واستحيت وقالت:(مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ، قتلًا أو ضرباً وَجيعاً.
قالت ذلك ضجَرًا لِمَا فاتها منه، ولما ظنت أن يَنْسب إليها من ذلك.
وأنتَ يا عبد الله، تفوتك من مولاك اغتنام الطاعات، ولا تبكي على فَقْدها،
ولا تهتم من عقوبة معصيته.
أما علمْتَ أنَّ عقوبةَ غيبة الحبيب أشدّ من عقوبة الغضب.
غضبت زليخا ساعةً فأورثها خزْناً طويلاً، كانت تقوم الليل وتقول: يا
يوْسف، هل أنتَ نائم أو ساهر، أما أنا فأنا ساهرة من حبك، ليتني لم أمر بك إلى ما ترى! وأنت لا تخاف من غضب مَنْ لا يقوم لغضبه شيء.
فلا تحسبنَّ إمهاله لكَ إهمالاً، أما سمعتَه يقول:(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) ، أي نؤاخذُهم قليلاً ولا نباغتهم كما يرتقي الراقي الدرجةَ
ْفيتدرّجِ شيئاً بعد شيء حتى يصلَ إلى العلوّ، قال بعضهم: معناه كلما جدَّدوا
ْخطيئة جدّدنا لهم نعمةً حتى نأخذهم بغتة.
(سَبعٌ شِدَاد) : يعني ذات شدة وجوع سَبْعَ سنين.
هذا تعبير الرؤيا، وذلك أنه عبَّر البقرات السمان بسبع سنين مجْدبة، وكذلك السنبلات الخضر واليابسة.
فإن قلت: ما وجه اختلافِ العددَيْن في هذه الآية وآية البقرة في قوله:
(سبع سنابل) ؟
فالجواب أن بابَ ما يجمع بالألف والتاء أن يكون للقليل ما لم ينص عليه أو
يعرض عارض، لأن آية البقرة مبنية على ما أعدَّ الله تعالى للمنفق في سبيله وما يضاعف له من أخر إنفاقه، وأن ذلك ينتهي إلى سبعمائة ضعف، وقوله:(وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) ، قد يفهم الزيادة على ما نص عليه من
ذلك، كما أشارت إليه آياتٌ وأحاديث، فمَبْنى هذه الآية التكثير، فناسب
ذ ر ورود المفسّر على ما هو مِنْ أبنية الجموع للتكثير لحظاً للغاية المقصودة.
ولم يكن ما وَضْعه للقليل في الغالب لينَاسب ما لحظ فيه الغاية من التكثير.
أما آية يوسف فإنما بناؤها على إخبار الملك عن رؤياه: (سبع سنْبلات)
: فلا طريقَ هنا للَحْظِ قِلّة ولا كثرة، لأنه إخبار برؤيا، موَجْفه الإتيان
من أبنية الجموع بما يناسب المراد وهو قليلٌ، لأن ما دون العشرة قليل، فلحظ في آية البقرة وما بعدها مما يتضاعف إليه هذا العدد، وليس في آية يوسف ما يلحظ، فافترق القَصْدَان وجاء كلّ على ما يجب.
(سارِب) :
قد قدمنا أن (سَارِبٌ) عطف على (مُسْتَخْفٍ)
بالليل، لا على (مُسْتَخْفٍ) وحْدَه، وأما قوله:(فاتخذ سبيله في البحر سَرَبا)
، فمعناه أنَّ الحوتَ سار في البحر، فقيل: إن الحوتَ كان ميتاً
مملوْحاً ثم صار حيّا بإذن الله، ووقع في الماء، فسار فيه.
وقال ابن عباس: بل صار موضع سلوكه ماءً جامداً.
قال ابن عطية: وهؤلاء يتأوّلون سَرَباً بمعنى جَولاناً، من قولهم مَحَل سارب، أي مهمل يرْعَى فيه حيث شاء.
وقالت فرقة: اتخذ سَرَبا في التراب من المِكْتَل إلى البحر، وصادفَ في طريقه بَحْراً فثقبه.
وظاهر الأمر أن السرَب إنما كان في الماء.
ومن غريب ما رُوي في البخاري في قصص هذه الآيات أنَّ الحوت إنما حي
لأنه مستَه عَين هناك تَدْعى كين الحياة ما مستَتْ قطّ شيئاً إلا حيي.
ومن غريبه أيضاً أن بعضَ المفسرين ذكر أنَّ موضع سلوك الحوت عاد
حجرًا طريقاً، وأن موسى مشى عليه متبعاً للحوت حتى أفْضى به ذلك الطريق إلى جزيرة في البحر، وفيها وجد الخضر.
وظاهر الروايات والكتاب أنه إنما وجد الخضر في ضَفة البحر يدلُّ عليه قوله: (فارْتَدَّا عَلَى آثارِهما قَصَصاً) .
وإنما ذَكر بعده: (واتَّخذ سبيله في البحر عَجَبا) - بالواو: لأنه يحتمل أن يكون من كلام يوشعَ لموسى، أي اتخذ الحوت سبيله عجباً للناس.
ويحتمل أن يكون قوله تمام الخبر، تم استأنف التعجب، فقال
من قبل نفسه: عجباً لهذا الأمر.
وموضع العجب أن يكون حوت قد مات وأُكل شقّه الأيسر تم حيي بعد ذلك.
قال أبو شجاع في كتاب الطبري: رأيته فإذا هو شقه حوت وعين واحدة
وشق آخر ليس فيه شيء.
قال ابن عطية: وأنا رأيته والشق الذي ليس فيه شيء
قشر له قشرة رقيقة تشفّ تحتها شوكة، وشقه الآخر.
ويحتمل أن يكون قوله: (واتخذَ سَبِيلَه) . الآية إخباراً من الله تعالى، وذلك على وجهين: إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذَ سبيلَ الحوتِ من البحر عجباً، أي تعجَّب منه، وإما أن يخبر عن الحوت أنه اتخذَ سبيلَه عجباً للناس.
وقرئ: واتخاذ سبيله، فهذا مصدر معطوف على الضمير في (أن أذْكرَه)
(سَرَابِيلهم مِنْ قَطِران) ، بفتح القاف وكسر الطاء.
وبفتحهما وبسكون الطاء، وإنما جعل قُمص أهلِ النار من القَطران، وهو الذي تهنأ به الإبل، لأن للنار اشتعالاً شديداً.
فإن قلت: ما فائدة الإتيان بِمنْ، وقد كان يستغنى عنها؟
فالجواب أن فائدة الإتيالن بها نَفْيُ توهّم مجاز التشبيه، نحو زيد أسد.
وكقوله عليه السلام في صحيح مسلم: "إنَّ أحدَكم لا يزال راكباً ما انتعل".
ففرْق بين خاتم فضة ومِنْ فضة، فإن الأول يحتمل أنه تشبيه محذوف الأداة، والثاني نص لا يتطرق إليه احتمالٌ ألبتَّة.
وقد يقال: إن الإتيانَ بها هو الأصل، لأن الإضافةَ في مثله على معنى مِن.
نحو ثوب خز، وإنما يُستغنى بذكرها مع الإضافة، ولما تعذرَت الإضافة هنا
بإضافة السرابيل إلى ضمير المحدّث عنهم تعين الإتيان بها رجوعاً للأصل.
لتدل على التبعيض المقصود مِن هذا التركيب.
وفائدة قصْدِه هنا الإعلام بأن هناك قَطراناً غَيرَ ما جعل من السرابيل، ليصبّ عليه، فيزداد اشتعال النار - بذلك، أَو تجدد منه السرابيل إن ذهبت الأولى بذهاب الجلودِ التي طليت بما شبّه منه بالسرابيل:(كلما نَضِجَتْ جلودهم بدَّلْناهم جلوداً غيرها) .
أو يسوقونه فتحترق أفئدتهم كلما أَحرقَت جلودَهم (نار الله الموقدة التي تطَّلِع على الأفئدة) ، أو لغير ذلك، ولو لم تذكر (مِن) لما غم أنَ هناك منه غير ما جعلت السرابيل إلا بدليل آخر.
نَظير ما ذكرناه من فائدة قصد التبعيض هنا قوله صلى الله عليه وسلم في حكاية عن قول
إبراهيم: (فاجعَلْ أفئدةً من الناس تَهْوِي إليهم وارْزقْهم من الثمرات) ، ولا يتأتى السربال حقيقة من القَطران إلا بأنْ تبدّل صفته من
المائعية إلى التجمد، وحينئذ يكون إخباراً، بخلاف الْمَعْهود منه.
ويشبه على هذا