الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما: (فريقاً هَدى) الآية.
فالفريقُ مذكّر، ولو قال: فريقاً ضلّوا لكان بغير تاء، وقوله:(حَق عليهم الضلالةُ) في معناه، فجاء بغير تاء، وهذا أسلوب لطيف من أساليب العرب أن يَدَعُوا حُكْمَ اللفظِ الواجب في قياس لغتهم إذا كان في مرتبةِ كلمةٍ لا يجب لها ذلك الحكم.
قاعدة في التَّعريف والتَّنكير
اعلم أنَّ لكل منهما مقاماً لا يليقُ بالآخر.
أما التنكير فله أسباب:
أحدها: إرادةُ الوحدة، نحو:(وجاء رَجُل مِنْ أقصا المدينة يسْعَى) ، أي رجل واحد.
و (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ) .
الثاني: إرادة النوع، نحو:(هذا ذكْر) ، أي نوع من الذكر.
(وعلى أبصارِهم غشاوَة) ، أى نوع غريب من الغِشَاوة لا يتعارفه
الناس، بحيث غطّى ما لا يُغَطيه شيء من الغشاوات.
(ولتَجِدَنَّهُمْ أحْرَصَ الناسِ على حياةٍ) ، أي نوع منها، وهو الازدياد في المستقبل، لأن الحِرْص لا يكون على الماضي ولا على الحاضر.
ويحتمل الوحدة والنوعية معاً قَوْلُه تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) ، أي كل نوع من أنواع الدواب من نوع من أنواع الماء، وكلّ فردٍ من أفراد الدواب من فرد من أفراد النّطف.
الثالث: التعظيم، بمعنى أنه أعظم من أنْ يعينَ ويُعرف، نحو: (فأذَنُوا
بحَرْب من الله) ، (ولهم عَذَاب أليم) .
(وَسَلاًم علَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) .
(سلام على إبراهيم) .
(أنَّ لَهمْ جَنَّاتٍ) .
الرابع: التكثير، نحو:(أئنَّ لَنَا لأجْراً) ، أى وافراً جزيلاً.
ويحتمل التعظيم والتكثير معاً: (وإنْ يكذِّبوكَ فقد كُذبَتْ رُسل من قبلكَ) ، أي رسل عظام ذَوو عدَد كثير.
الخامس: التحقير، بمعنى انحطاط شأنه إلى حَدٍّ لا يمكن أن يعرف، نحو:
(إنْ نَظنُّ إلَاّ ظَنًّا) ، أي ظنًّا حقيراً لا يُعبَأ به، وإلا اتبعوه.
لأن ذلك دَيْدَنهم، بدليل:(إنْ يتّبِعونَ إلا الظَّنَّ) .
(مِنْ أَيِّ شيءٍ خَلَقه) ، أي من شيء حقير مهين، ثم بيّنَه بقوله: (مِنْ
نطْفَةٍ خَلَقه) .
السادس: التقليل، نحو (ورِضْوان من الله أكبر) ، أى رضوان قليل منه أكبر من الجنّات، لأنه رأس كل سعادة:
قليل منك يكفيني ولكن
…
قَلِيلُك لا يُقالُ له قليل
وجعل منه الزمخشري: (سبحان الذي أسْرَى بعَبْدِه ليلاً) ، أي بعض ليل.
وأُورِد عليه أنَّ التقليل رد الجنس إلى فردٍ من أفراده، لا تنقيص فرد إلى
جزء من أجزائه.
وأجاب في عروس الأفراح بأنَّا لا نُسلّم أن الليلَ حقيقة في جميع الليلة، بل كل جزء من أجزائها يسمّى ليلاً.
وعدّ السكاكي من الأسباب ألا يعرف من حقيقته إلا ذلك، وجعل منه أنْ
تقصدَ التجاهلَ وأنكَ لا تعرف شخصه، كقوله: هل لكم في حيوان على صورة إنسان يعمل كذا، وعليه من تجاهل الكفار:(هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ، كأنهم لا يعرفونه.
وعدّ غيره منها قَصْد العموم بأن كانت في سياق النفي، نحو: (لا رَيْبَ
فيه) .
(فلا رَفَثَ) . الآية.
أو الشرط، نحو:(وإنْ أحد مِنَ المشركين استجارَكَ) .
والامتنان، نحو:(وأنْزَلْنَا مِنَ السماءَ ماءً طَهوراً) .
وأما التَّعريف فله أسباب، فبالإضمار، لأنَّ المقام مقام التكلم أو الخطاب أو
الغيبة.
وبالعَلمية لإحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداءً باسم مختصّ به، نحو: (قل
هو الله أحد) .
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) .
أو لتعظيم أو إهانة حيث علمه يقتضي ذلك، فمن التعظيم ذكر يعقوب بلقبه إسرائيل لما فيه من المدح والتعظيم، ولكونه صفوة الله، أوْ سريّ الله، كما قدمنا في حرف الألف.
ومن الإهانة قوله: (تَبتْ يَدَا أبي لَهَب) ، وفيه أيضاً نكتة أخرى، وهي الكناية به عن كونه جهنمياً.
وبالإشارة لتمييزه أكملَ تمييزٍ بإحضارِه في ذهن السامع حسًّا، نحو: (هذا
خَلْق الله فأَرونِي ماذا خلَق الذين مِنْ دونه) .
وللتعريض بغباوة السامع، حتى إنه لا يتميز له الشيء إلا بإشارة الحسِّ.
وهذه الآية تصلح لذلك.
ولبيان حاله في القرب والبعد، فيؤْتَى بالأول بنحو هذا، وفي الثاني بنحو
ذلك وأولئك.
ولقَصْد تحقيره بالقرب: (أهَذَا الذِي يَذْكرُ آلِهَتَكم) .
(أهذَا الذي بعَثَ الله رسولاً) .
(ماذا أَرادَ الله بهذَا مَثَلاً)، وكقوله تعالى:(وما هَذِهِ الحياة الدّنْيَا إلا لَهْو ولعِب) .
ولقصد تعظيمه بالبُعْد، نحو:(ذلك الكتاب لا رَيْبَ فيه) ، ذهاباً إلى بُعْدِ دَرجته.
وللتنبيه بعد ذِكْر المشارِ إليه بأوصافٍ قبله على أنه جدير بما يرد بعده من
أجلها، نحو:(أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
وبالموصولة لكراهةِ ذِكْرِه بخاصّ اسمه، إمّا سَتْراً عليه، أو إهانة، أو لغير
ذلك، فيؤْتَى بالذي ونحوها موصولة بما صدر منه من فعل أو قول، نحو:
(وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا) .
(وراوَدَتْه التي هو في بيتها) .
وقد تكون لإرادةِ العموم، نحو:(إنَّ اتَذِينَ يَسْتَكبِرون عن عبادتي) الآية.
وللاختصار، نحو:(لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا) ، أي قولهم إنه آدر، إذ لو عدّد أسماء القائلين لطال، وليس للعموم، لأن بني إسرائيل كلهم لم يقولوا في حقه ذلك.
وبالألف واللام إشارة إلى معهودٍ خارجيّ أو ذِهني أو حضوريّ.
وللاستغراق حقيقة أو مجازًا، أو لتعريف الماهية.
وقد مرَّتْ أمثلتها في حروف المعجم.
وبالإضافة لكلونها أخصر طريق.
ولتعظيم المضافِ، نحو:(إن عِبَادِي ليس لكَ عليهم سلْطان) .
(ولا يَرْضَى لعِبَادِه الكفْرَ) ، أي الأصفياء في الآيتين، كما قال ابن عباس وغيره.
ولقصد العموم نحو: (فلْيَحْذَرِ الذين يُخَالفون عن أمْرِه) .
أي كل أمر لله.