الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وأكْثَرُ جَمْعاً) : معطوف على الهلاك.
يعني مَنْ يرى إهلاك من كان أشدّ منه قوهْ وأكثر جمعاً للمال كيف يغتَرُّ بالدنيا وهذا حالها!
نشاهد إهلاك قوم بعد قوم، ولا نَرْعَوِي عن قبيح، "ولا نَزْدَجر من رذيلة.
(ولا يُسْألُ عن ذُنوبهم المجرمون) :
يحتمل أن يكونَ متصلا بما قبله، والضمير في ذنوبهم يعود على الأمم المتقدمة، والمجرمون من بعدهم، أي لا يسألُ المجرمون عن ذنوب مَنْ تقدمهم مِنَ الأمم الهالكة، لأن كل أحد إنما يسألُ عن ذنوبه خاصة.
ويحتمل أن يكون إخباراً عن حال المجرمين في الآخرة، وأنهم لا يسألون
فيها عن ذنوبهم، لأنهم يدخلون النار من غير حساب.
ورُدَّ بقوله تعالى: (فوَرَبِّكَ لنسألَنّهم أجمعين) .
وأجاب بعضُهم عن هذا بأن السؤال النفي على وَجْه الاستخبار وطلب التعريف، لأنه لا يحتاج إلى سؤالهم على هذا الوَجه، ولكن يسألون على وَجْه التوبيخ، وحيثما ورد في القرآن إثبات القول في الآخرة فهو على معنى المحاسبة والتوبيخ، وحيثما ورد نَفْيه فهو على وَجْه الاستخبار والتعريف، ومنه قوله:(فيومئذٍ لا يُسأل عن ذنبه إنْسٌ ولا جانٌّ) .
(وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ) :
يحتمل أن يكون من الدُّعاء بمعنى الرغبة، أو من دعوة الناس إلى الإيمان باللهِ، فالمفعول محذوف على هذا، تقديره ادعُ الناسَ.
فانظر كيف أمر اللَّهُ رسولَه بدعاء الناس إليه، وخصص الهداية
لإجابته، فالدعوة عامة، والهدى خاص.
وقد دعا الله عباده في الدنيا بقوله: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ) .
(يدعوكم ليَغْفِرَ لكم من ذنوبكم) .
وفي الآخرة بقوله: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) .
(يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) .
فما هذا التقاعس بعد هذا الدعاء إلا من العمى، وأعظم من العمى.
وأعظم من المخالفة والاستجابة غَفْلَتنا عن الاستغفار، والضحك والاغترار
والتهاون والاستكبار، قال تعالى:(وكنْتُم منهم تضْحكون) .
(وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) .
(وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) .
وقد أخبر اللَه عن نوح أنه قال: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) .
وهذه كلها موجودة فينا، وما خفي عن الخلق أكثر، اللهم لا تؤاخذنا
بذنوبنا.
(وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا) :
هذا الضمير لكفار قريش، لأنهم كانوا يفخرون بالأموال والأولاد على الضعفاء من المؤمنين، ويسخرون منهم لقلة ما أعطوا من الدنيا، فأخبرهم اللهُ أنَّ ما أعطوا منها إنما هو متَاع قليل وزينة وتفاخر يشغل بها كالصي تُعْطيه أمّه خشاشة تَشغله عنها، ولو علم الله فيهم خيراً لتَنبهوا لِمآلها، لكن الله طمس بصائرهم، وأكبّوا عليها، وليس العجب منهم، وإنما العَجَبُ منكم، حَضً الله رسوله على الفرار منها، والإعراض عنها، فلم تزيدوا إلا طغيانا وكفراً، ولو لم يقع الحض على الفرار منها لكان الواجب عدم الالتفات إليها لما نرى من سرعة تقلبها، يقول الله تعالى في بعض الكتب المنزلة: " طلبتُ من خَلْقي الطاعةَ لي، والزهادة في أعدائي، فلم يفعلوا، ثم طلبت منهم إعانةَ الزهاد من أهل طاعتي فلم يفعلوا، فقلت لهم: ارضوا عنهم فلم يفعلوا، فقلت لهم: لا تمنعوهم منها إذاً، فمنعوهم.
فقلت لهم: لا تدعوهم إلى ما لا يُرضيني، ولا تعادوهم عليها، إن لم يتابعوكم، ففعلوا وصاروا عندهم أنْتن من جيفة حمار، فكيف أقدّس أمة هذه أفعالهم! "
اللهم اعف عنّا بفضلك.
فإن قلت: ما وَجْه زيادة الزينة في هذه الآية على آية الشّورى؟
والجواب لتقدم ذكرها في قوله تعالى: (فخرج على قومه في زِينته) ، فالتحمت الآية بتلك القصة، ولم يرد في سورة الشورى من
أولها إلى آخرها ذكر حال دنيوي لأحد، بل تضمَّنت حقارةَ الدنيا ونزارة
رزقها، وأنه مقدور غير مبسوط، وتلك حال الأكثر.
وقيل في الجواب غير هذا حذفناه لطوله.
(ويوم يناديهم فيقول أيْن شركائي الذين كنْتم تَزْعمُون) :
قد قدمنا أن هذا النداء من الله تعالى قديم متعلق بالذات القديمة، وإنما
يسمعهم اللَّهُ ذلكَ الخطابَ من غير واسطة مبالغةً في توبيخهمِ وتعذيبهم، ولذلك أدخل فيه همزة الاستفهام ونَسب الشُّرَكاء تعالى إلى نفْسه على زَعْمهم.
والمجيبون بقولهم: (قال الّذين حَقَّ عليهم القَوْلُ) ، هو كل مقولٍ داعٍ إلى الكفر من الجن والإنس، والنداء إنما وقع للتابعين والمتبوعين، لكن لما كان السؤال مسكتا لهم مبْهتاً فكأنه لا تعلّق لجمهور الكفرة إلا بالمغوين
لهم والرؤوس والأعيان منهم، فلذلك سارعوا إلى الجواب طمعاً في التبري من متبعيهم، وفي هذا الموطن صدر منهم الإقرار بربوبيته تعالى، إذ هو موطن
ظهورِ الحق وانكشافه.
فإن قلت: قد قلتم إنَّ دعاء الشركاءَ على جهة التعجيز، والمشركون يعلمون أنَّ الشركاء لا يجيبون، لأن الموطن ظهورُ الحق وانكشافُ الأمورِ فلم دَعَوا شركاءهم؟
والجواب: ليظهر عَجْرهم عن إجابة الدعوة على رؤوسِ الأشهاد، وتقوم
عليهم بذلك الحجة، فسبحانه ما أعظمه من لطيف يحبّ المعاذير وإظهار الحق، ينطق الجمادات والجوارح على المخلوقات حتى لا يجد الإنسان فراراً من قضائه وقيام الحجة عليه.
فإن قلت: كيف الجمع بين قولهم: (أغْوَيْنَاهم)، وبين قولهم:(تبرَّأنا إليك) ، فإنهم اعترفوا بإغوائِهم وتبرَّأوا مع ذلك منهم؟
والجواب أنَّ إغواءهم لهم هو أَمْرهم لهم بالشرك.
والمعنى أنا حملناهم على
الشرك كما حملنا أنفسنا عليه، ولكن لم يكونوا يعبدوننا، وإنما كانوا يعبدون
الأصنام وغيرها، فتبرَّأنا إليك من عبادتهم لنا، فتَحصَّل من كلام هؤلاء
الرؤساء أنهم اعترفوا أنهم أغْوَوا الضعفاء وتبرءُوا من أن يكونوا هم آلهتهم، فلا تناقض في الكلام.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) .
اختلف في سبب نزول هذه الآية على أقوال، والظاهر منها عمومها فيمن
كان بمكة من المؤمنين يشْقَى بجهاد أبويه في شأن الإسلام أو الهجرة، فكان
القصد بهذه الآية النهي عن طاعة الأبوين في مِثْلِ هذا لعظم الأمْر، وكثرة
الخطر فيه، مع الله تعالى، ثم إنه لما كان بِرّ الوالدين وطاعتهما من الأمر الذي
قَررَتْه الشريعة، وأكدت فيه، وكان من القوي عندهم الملتزم قدَّم الله تعالى
النهي عن طاعتهما في قوله تعالى: (ووصينا) على معنى أنا لا نخلُّ ببر الوالدين، لكنا لا نسَلط على طاعة الله تعالى، لا سيما في معنى الإيمان والكفر.
و (حُسناً) : يحتمل أن ينتصب على المفعول، وفي ذلك تجوُّز، ويسهِّلُه كونه عامّا لمعان، كما تقول: وصيتك خيراً، ووصيتك شرًّا، عَبّر بذلك عن جملة ما قلت له، ويحسن ذلك "دون حرف الجر في قوله: بوالديه، لأن المعنى: ووصينا الإنسان بالحسنى في فِعله مع والديه.
والجمهور على ضَمِّ الحاء وسكون السين.
وقرئ "إحساناً"، ويحتمل أنْ يكونَ مصدرا من معنى وصَّيْنَا، أي وصينا وصية حسنة، وعَبّر عن أمر الوالدين بالجهاد مبالغة، فمن أمره أحَدُ أبويه بفعل شيء فيه رضا الله، فيقدم أمرهما إذا لم يخل بشيء من طاعة الله، فإن أخَلَّ فأمْرُ الله مقدم، إذ لا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق.
وإنما قال في هذه السورة: (لتشْرِكَ) ، لأنه وافَق ما قبله
لفظاً، وهو قوله:(ومَنْ جاهد فإنما يجَاهِد لنفسه) .
وفي لقمان محمول على المعنى، لأن التقدير وإن حملاك على أنْ تشرك.
وقيل: إن هذه الآية مبنية على الإيجاز، فناسب ذلك الاكتفاء باللام، وآية
لقمان مبنية على الإطالة، فناسب ذلك التعدية بعلى، وإنما أمره بالرفق في آية لقمان بقوله:(وصَاحِبْهما في الدنيا مَعْروفا) ، لأن مبنى الآية
على الأمر بما يفعل بهما ومعهما من غير تقدّم مطلبٍ لهما، ووَجْه ختم هذه الآية بالرجوع إلى الله تحذير مِن طاعتهما في الشرك، وإبلاغٌ في النهي عن الصغْو إليهما في ذلك إلى الغاية لئلا يظَنّ أَن ذلك كآية الإكراه كما تقدم، ولما لم يقع في آية الأحقاف ذكر الشرك وكانت فيمن كان على الإيمان، وقد علم المؤمن رجوعه إلى ربّه، لم يَرِدْ فيها ذكر ذلك.
(وما يجْحَد بآياتِنَا إلا الكافرون) .
أي الجاحدون من كلّ أمة قد أمن سلفها في القديم والحادث، وأسند الجَحْد في هذه إلى الكافرين وفيما بعدها إلى الظالمين، فقيل، ليعمَّ لفطهما كلَّ مكذب بمحمد عليه الصلاة والسلام، ولكن عظم الإشارة بهما إلى كفار قريش، لأنهم الأهم.
فإن قلت: الظلم يصح إطلاقه على ما دون الكفر فلو ورد وَسْمهم أولاً
بالظلم، ثم ثانياً بالكفر لكان أنسب؟
والجواب: أنَّ الظلم وإن كان يطلق على الكفر وعلى ما دونه، قال تعالى:
(والكافِرونَ هم الظالمون) ، فإنه إذا ذكر بعد الكفر وصف به مَنْ وصف بالكفر لفَهْم زيادة تترتب على الكفر، قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) .
وعلى هذا ورد في القرآن، فقد وضح ما وردت عليه هاتان الآيتان، وليس من المشكل في شيء.
(ولئن سأَلتهم مَنْ خلق السماواتِ والأرض) .
الضمير في الموضعين لأهل مكة والسؤال لإقامة الحجة على الكفار، لأنهم أقرّوا بأنه سبحانه هو الخالق لهذه المخلوقات العظيمة كما قدمناه في غير ما موضع، ولذلك أنكر الله عليهم جَحْد عبادته بقوله:(فأنَّى يؤفكون) .
أي يُصرَفون عن توحيده ومعرفته.
ووَجْه تعقيب هذه الآية بالإفك، والثانية بعدها