الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما كان مقصود الآيتين الأخيرتين إنما هو ذِكرُ الامتنان عليهم بهدايتهم
بعد الضلال الذي كان وُجِد منهم والتعريف بإجابة دعوة إبراهيم عليه السلام أخر ذِكزَ تعليمهم الكتاب والحكمة المزيلين لضلالهم، ليكونَ تلوهم ذِكْر الضلال الذي أنقذهم الله منه بما علمهم وأعطاهم وامْتَن عليهم، وهو ثاني المسببين، فكان الكلام في قوةِ أن لو قيل: ويعلمهم ما به زوَالُ ضَلَالِهم.
وأخَّر في هاتين الآيتين ذكرَ السبب ليوصل بذكر مسببه الأكيد هنا الذي
قد كان وقع، وهو رفع ضلالهم وانقيادهم من عظم مِحْنته، ولو أخَّر ذِكْرَ
التزكية لما أحرز هذا المعنى المقصود هنا، فاختلافُ الترتيب إنما هو بحسب
اختلافِ القصدين ودَفْع ما ذكر، فورد على ما يجب.
(يَلْحَقوا بهم) :
معطوف على آخرين، أي لم يلحقوا بهم.
واختلف مَنْ هم الآخرون، والصحيح الذي ورد في الصحاح أنهم أهلُ فارس، لأنه صلى الله عليه وسلم سُئل عنهم، فأخذ بيدِ سلمان، وقال: لو كان العلم بالثريا لناله رجال من هؤلاء، يعني فارس.
وقيل: هم الروم، و (منهم) على هذين القولين يريد في البشرية وفي الدين لا في النسب.
وقيل: هم أهلُ اليمن وقيل هم التابعون وقيل هم سائر المسلمين.
(يحْسَبُون كُلَّ صَيْحةٍ عليهم هم العَدُوُّ) .
عبارة عن شدة خوفهم من المسلمين، وذلك أنهم كانوا إذا سمعوا صياحاً ظنوا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتلهم، وفي هذا دليل على أنه كان يعلمهم.
(يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ) :
الضمير يعود على المنافقين، يعني أنهم يميلونها إعراضاً واستكباراً.
وسببُ نزول هذه السورةِ ما جرى في غَزْوَة بني الْمُصْطلق بين جَهْجاه بن
سعيد أجير عمر بن الخطاب وبين سنان الجُهني حليف لعبد اللَه بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين على الماء الذي وقع الزحام فيه، فلطم جَهْجَاه سناناً فغضب سنان، ودعا بالأنصار، ودعا الجَهْجَاه بالمهاجرين، فقال عبد الله بن أبَيّ: والله ما مثلنا
ومثل المهاجرين إلا كما قال الأول: سمِّنْ كلبك يأكلك.
ثم قال: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) ، يعني بالأعزّ نفسه وأتباعه، ويعني بالأذَلّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لقومه: إنما يقيم هؤلاء بالمدينة بسبب مَعُونتكم وإنفاقكم عليهم، ولو قطعْتُم عنهم ذلك لفَرّوا عن مدينتكم، فسمعه زيد بن أرقم، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك عبْدَ الله بن أبيّ، فحلف لرسول الله أنه ما قال شيئاً من ذلك وكذَّب زيداً، فنزلت السورة عند ذلك، فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لزيد، وقال له: صدَّقك الله يا زيد، فخزي عبد الله بن أبَيّ ومقَتَهُ الناس، فقيل له امْضِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فإنه رحيم بالأمة، فلوَى رأسه استكباراً، وقال: أمَرْتموني بالإسلام فأسلمْتُ، وبأداء الزكاة ففعلت، ولم يبق لكم إلا أنْ تأمروني بالسجود لمحمد، فعاش قليلاً ومات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
لا حيلة في القدر: جمع الحبس والتعذيبُ بين بلال وعمار على نبذ الدين.
فزوّر على عمار على خط قلبه، فلم يعرف التزوير، وأسر بلال على دعوى
الإبلاس فسلموه إلى صبيانهم في حديدة يصرونه في حَرِّ مكة، ويضعون على
صدره وقت الرمضاء صخْرَةً، ولسانُ محبته يقول:
بعينك ما يلقى الفؤاد وما لقي
…
وللشوق ما لم يبْقَ مني وما بقي
وجيء بأبي جَنْدَل يجرَّ قيودَه، فردّه صلى الله عليه وسلم إليهم ودموعُه تسيل على صدره، وأنشد أبياتاً آخرها:
وعلى ما صفحوا أو نقموا
…
لأرَى يا طيبة منك يدا
وكذلك أبو سهيل وغيره حبسوهم عنه صلى الله عليه وسلم، فجرى القَدَر بِلقْياه، والإيمان به، وهؤلاء لم تسبق لهم سابقة سَبْق.
من أنْتَ يا بلال حتى عرج بك على براق العناية إلى حضرة القرب للقرب.
وخلف عن نيْل المطالب أبو طالب، جئتَ يا سلمان من فارس حق نظمتك يدُ
العناية في سِلْكِ سلمان مِنا أهْل البيت.
يا صهيب، ما الذي سمعتَ من الأخبار
حتى تنعلت، ولبسْتَ سربالَ الهموم حتى سبقْت.
يا ابْنَ أدهم، مَنْ أنت حتى طرَّزْت حلَل المنابر برقوم مدحتك.
يا عتبة، مَنْ أنْتَ حق تزينَت مجالِس الأذكار بحديثك.
يا رابعة، مَنْ أنْتِ حتى لبيت المنادي، وحلَلْتِ من القرب في
النادي، وقيل لك: مِن أجلك قبلت مَنْ أتى إليك، اللهم إنك نبَّهْتَ قلوباً
نائمة، وأيقظت أسماعاً ساهية، وأقمتَ بالمواعظ إلى بابك قلوباً ناسية حتى سمعوا الإشارةَ، فأسرعوا وصفَتْ قلوبهم لمحبتك فيهم، فإنهم لم يحبوك حتى أحبَبْتَهم، ولم يقربوا منك حتى أوصلْتَهم، ارحمنا بذكرهم واقْبَلْنَا كما قبِلْتَهم، فإنه لا مانعَ لما أعطيْتَ، ولا مُعْطِيَ لما منَعْتَ، ولا تحرم مَنْ نظر في كتابي هذا وقال: اللهم ارْحَم المحرومَ برحمتك، وإن كان غَيْرَ مستأهل القبول، فضلك الكريم لا يرد الطفيليَّ والمتعلق.
فإن قلت: ما فائدة الجمع في قوله: (وإذا قيل لهم تعالَوْا يستغْفِر لكمْ
رسولُ الله) ، مع أن الخطاب لواحد؟
والجواب: أن الإسناد للتحقير وإبقاء الستر على العُصَاة حيث لم يعيّن القائِل.
وقد كان له أتباع من المنافقين يوافقونه على ما قال، فالخطابُ لهم.
(يأتِينَ بفاحشَة مُبَيِّنَة) :
ضمير الإناثِ يرجعُ إلى المطلقات.
والمعنى أن الله نهى عن أن يُخْرج الرجلُ المطلقةَ من المسكن الذي طلَّقها فيه.
ونهاها هي أنْ تخرجَ باختيارها إلا أن تأتي بفاحشة.
واختلف في هذه الفاحشة التي أباحَتْ خروجَ المعتدَّة على خمسة أقوال:
الأول أنها الزنى، فتخرج لإقامة الحدّ! قاله الليث بن سعد، والشعبي.
والثاني أنه سؤال وكلام مع الأصهار، فتخرج ويسقط حقها من السكنى.
ويلزمها الإقامة في مسكن تتخذه حفظاً للنسب، قاله ابن عباس.
ويؤيّده قراءة أبيّ بن كعب: " إلا أنْ يفحشن عليكم ".