الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنَّ الوصف في الفارقات أليق بهم من الرياح، ولأن الْمُلْقيات المذكورة بعدها هي الملائكة، ولم يقل أحَدٌ إنها الرياح، ولذلك عطف المتجانسين بالفاء، فقال، والمرسلات، فالعاصفات، ثم عطف على ما ليس مِنْ جنسها بالواو، فقال: والناشرات، ثم عطف عليه المتجانسين بالفاء.
وقيل في الْمُرْسلَات والْمُلْقِيات إنهم الأنبياء عليهم السلام.
فإن قلت: هل يصحُّ قولُ القائل إن الْمرْسلات الرياح لمعنى قوله: عُرْفاً؟
والجواب أنَّ معنى عُرْفاً على كلّ قَوْل -: فَضْلا وإنعاماً، وانتصابُه على أنه
مفعول من أجله، وقيل معناه متتابعة، وهو مصدرٌ في موضع الحال.
وأما عَصْفاً ونَشْراً وفَرْقاً فمصادِر.
وأما ذِكْراً فمفعول به.
(فإنْ كانَ لكمْ كَيْدٌ فَكِيدون) :
تعجيز وتعريض بكَيْدِهم بالدنيا، وتقْريع عليهم، كَقول نوح:(فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) .
وكقول موسى: (فأجْمِعوا كَيْدَكم ثم ائْتوا صَفًّا) .
(فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) :
قيل إنها الملائكة، سمّاهم اللَه نازعات، لأنهم ينزعون نفوسَ بني آدم من أجسادها، وناشطات، لأنهم ينشطونها، أي يخرجونها، فهو من قولك: نشطت الدّلْوَ من البئر، إذا أخرجتَها.
وسابحات، لأنهم يسبحون في سيرهم، أي يسرعون فيسبقون فيدبّرون
أمورَ العباد والرياح والمطر وغير ذلك حسبما يأمُرهم الله.
وقيل: إنها النجوم، وسماها نازعات، لأنها تنزع من المشرق إلى المغرب.
وناشطات لأنها تنشط من بُرج إلى برج، وسابحات لأنها تسبَح في الفلك، ومنه:(كلّ في فَلَكٍ يَسْبَحون) ، فتسْبق في جَرْيها، فتدبِّر أمْراً من علم الحساب.
(فالْمُدَبرَاتِ أمرًا) :
قال ابن عطية: لا أعلم خلافًا أنها ْ الملائكة، وحُكي فيها القولانِ، كما تقدم.
فإن قلت: ما معنى (غَرْقاً) على القولين، وأين جواب القسم؟
فالجواب إنْ قلنا إن النازعات الملائكةُ ففي معنى غَرْقاً وجهان:
أحدهما أنه من الغرق، أي تُغْرِق الكفَّار في جهنم.
والآخر أنه من الإغراق بمعنى المبالغة فيه، أي تُبالغ في نَزْعِ النفوس حتى تُخْرِجها من أقاصي الأجساد.
وإن قلنا إن النازعات النجوم فهو من الإغراق بمعنى المبالغة، أي تبالغ في نُزوعها، فتقطع الفَلَكَ كله.
وإن قلنا إنها النفوس فهو أيضاً من الإغراق، أي تُغْرِق في الخروج
من الجسد.
وإعراب (غَرْقا) المصدر في موضع الحال.
ونَشْطاً وَسبْقاً وسبْحاً مصادر، و (أمرًا) مفعول به.
وجواب القسم محذوف، وهو بَعْثُ الموتى بدلالة ما بعده عليه من ذِكْر
القيامة.
وقيل الجواب: (يوم تَرْجُفُ الراجفةُ. تَتْبَعُها الرادِفَةُ) .
على تقدير حَذْف لام التوكيد.
وقيل: هو: (إن في ذلك لعبْرَةً لمَنْ يَخْشَى) ، وهذا بعيد لبُعْدِه من القسم، ولأنه إشارة إلى قصةِ فرعون لا لمعنى القسم.
(فإنَّما هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة) :
هذا من كلام الله ردًّا على الذين أنكروا البَعْث، كأنه يقول: لا تظنّوا أنه صعب على الله، َ بل هو عليه يسير.
(فإذا هُمْ بالساهرة) .
أي وجه الأرض، والباء ظرفية، وإذا فجائية، والمعنى إذا نفخ في الصُّور حصلوا بالأرض أسرع شيء.
(فحَشر فنَادَى. فقال أنا رَتكُم الأعْلَى) .
يعني أن فرعون جمعَ جنُودَه، ونادى قومه، وقال لهم ما قال.
ويحتمل أنه أمر مَن يُنَاديهم.
والأول أظهر، لأنه روي أنه قام فيهم خطيباً.
(فَسَوَّاها) :
الضمير يعود على السماء، أي أتقَن خلقتها.
وقيل: جعلها مستويةً، ليس فيها مرتفع ولا منخفض.
(فإذا جاءت الطامّة الكبرَى) .، هذا أحد أسماء يوم القيامة، وقد سماه الله في كتابه بثلاثين اسما لعظمه:
يوم الآزِفَة.
ويوم التلاق.
ويوم التناد.
ويوم التغَابن.
ويوم الثبور.
ويوم الْجَمع.
ويوم الحق.
ويوم الخصومة.
ويوم الدين.
ويوم الراجفة.
ويوم الزلزلة.
ويوم الشفاعة.
ويوم الصاخَّة.
ويوم عظيم.
ويوم عَبوس.
ويوم العُسْر.
ويوم الفارقة.
ويوم القَمْطَرِير.
ويوم الفَصْل.
ويوم القيامة.
ويوم النّفخ.
ويوم الوَعيد.
واليوم الموعود.
ويوم القارعة.
ويوم الواقِعة.
واليوم المشهود.
ويوم الحاقة.
ويوم النُّشور.
يخرجون من الأجداث كأنهم جَراد منْتشر، يكشف للمرء ما أخفاه، ويتذكر حينئذ غَفْلته وهواه، فإنا للَه وإنا إليه راجعون على غفلتنا على ما يراد بنا! يقول الله تعالى في بعض كتبه:
" عَبْدي أعطيتُك منية المرضى، وأهل السجون، وأهل القبور، وأهل
النشور، وأهل الجِنَان، وأهل النيران، فما لك لا تغتنم ساعتَكَ التي أنْتَ فيها، ألم تعلم أنَّ مَنْ أحبَّ شيئاً طلبه، ومَنْ طلب شيئاً وجده، ومَن خاف من شيء هرب منه، ومَنْ أراد سفرًا اهتمّ له، ومنْ أحبَّ اللحوق بقوم اقتدى بفعالهم وسلك سبيلهم، ومَنْ فضل قوماً بالعلم يحق أن يفضلهم بالعمل، فليكن الغالب مِن همومك هَمَّ المَعَاد والتزوّد له، والغالب مِنْ كلامك ذكر الموت والاستعداد له، فهو أشدُّ شيء نزل بك قط، وأهونُ شيء فيما بعده، لأن بعده سبعين هَوْلاً، كلّ هَوْل أشدّ من الموت، فلا يستتبعك الشيطان في الدنيا، والمنافقون في الآخرة.
فإن قلت: لِمَ خُصَّت النازعات باسم الطامَّة، وعبس باسم الصاخَّة، مع أنهما شيء واحد؟
فالجواب أن اسمَ الطامّة أرهب وأنْبَأ بأهوال القيامة، لأنها من قولهم: طَمَّ
السيل، إذا علا وغلب.
وأما الصاخَّة فالصيحة الشديدة، من قولهم صخَّ بأذنيْه
مثل أصاخ، فاستُعير على أسماء القيامة مجازاً، لأن الناس يصيخون لها، فلما كانت الطامّة أبلغ في الإشارة إلى أهوالها خصّ بها أبلغُ السورتين في التخويف والإنذار.
وعلى ذلك بنيت سورة " النازعات "، ألا ترى قوله: (يوم تَرْجف الراجفة.
تتبعها الرادفة) .
ووصف الطامة الكبرى، وما أتْبع به بَعْدُ.
وابتداء السورة وختامها قَبْلها تخويف وترهيب، فناسبها أشدّ العبارتين موقعاً، وأرهبها.
وأما سورة عبس فلم تبْن على ذلك الغرض، وإنما ئنيت على قصة عبد اللَه ابن أم مكتوم الأعمى.
وذلك مشهور، ثم ورد قوله:(فإذا جاءت الصاخّة) عَقِب التذكير
بقوله: (إنها تَذْكِرَة)، والتذكير للاعتبار بقوله:(فلْيَنْظُر الإنسان إلى طعامه)، إلى قوله:(مَتَاعاً لكم ولأنعامكم) .
ثم أتبع بعد ذكر الصاخة بقوله: (وجوه يَوْمَئِذ مسْفِرَةٌ. ضاحكةٌ مستبْشرة) .
فسورةُ النازعات على الجملة أشدّ في التخويف والترهيب، فناسبَها أبلغ العبارتين من أسماء القيامة.
وقيل: إنما خُصَّت النازعات بالطامّة، لأن الطمَّ قبل الصخ، وهو الصوت
الشديد والفَزع قَبْل الصوت، فكانت هي السابقة.
وخصَّت سورة " عبس " بالصاخّة، لأنها بعده وهي اللاحقة.
(فليَنْظر الإنسانُ إلى طَعَامه) :
أمر بالاعتبار في الطعام، كيف خلقه اللَّهُ بقدرته، ويَسَّرَه برحمته، فوجب على العبد طاعته وشكره.
وتقبح معصيته والكفر به.
وقيل: فلْيَنْظر الإنسان إلى طعامه كيف يَصير، فيَزْهَد في دنْيا هذه حالها، ولا يرغب في لذّاتها، كما قال صلى الله عليه وسلم للأعرابي: ما طعامك.
قال: اللحم واللبن.
قال: فإلى ماذا يَصِير، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم لا يشبع من خُبز الشعير زُهْداً فيها.
قال يحيى بن سلام: بعد أن ذكر اللَّهُ زواجرَ الكفَّار استأنف
ضَرْبَ المثل لأهل الإيمان، ليزدادوا اعتباراً بقوله:(فلينظر الإنسانُ إلى طعامه) الذي يحيا به ويأكله، من أي شيء كان "، ثم صار بعد حفظه ابن آدم، وهو الجسد.
قال الحسن: ملك يميل رقبة ابن آدم حين يجلس.
وقيل: فلينظر الإنسان إلى طعامه ويفكّر فيما هيّأه من سماءٍ وأرض، وماء وحَرّ وبرد ونحْوها، وآلة عديدة، وأسنان، منها كاسرة وطاحنة، بريق حُلو لذَوْقِه وَصَوْغه وقوة