الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشيطان) :
أي فيُبْطِله، كقولك: نسخت الشمس الظلَّ.
(فلا ينَازِعنّكَ في الأمر) ، أي في الدين والشريعة، وضمير
الفاعل للكفار.
والمعنى أنهم لا ينبغي لهم منازعة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الحق قد ظهر بحيث لا يسَعُ النزاع فيه، فجاء الفعل بلفظ النهي، والمراد غير النهي.
وقيل المعنى: لا تنازعْهم فينَازِعوك، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه.
ويحتمل أن يكون نهياً لهم عن المنازعة على ظاهر اللفظ.
(فأَقِيموا الصلاة) :
الظاهر أنها المكتوبة، لاقترانها مع الزكاة، وإقامتها بإتيانها بالخضوع والحضور، إذ ما كل مصَلٍّ مقيم، ولا يكتب للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، الصلاة طهرة القلوب، واستفتاحٌ لباب الغيوب.
(فاسْلكْ فيها من كلً زَوْجين اثنين) :
لما صنع نوحٌ السفينة، وجعل الله علامةَ خروج الماء إفارةْ التنور أَمر جبريل أنواعَ الحيوان أن تأتيه فيضع يمينه على الذَّكَر ويساره على الأنثى.
وروي أن أول من دخل السفينة الذّر، وآخر من دخلها الحمار، فتمسك
الشيطان بذَنَبه، فزجره نوح، فلم ينبعث، فقال له: ادخل، ولو كان معك
الشيطان.
قال ابن عباس: زَلَّت هذه الكلمة عن لسانه، فدخل الشيطان حينئذ.
وكان في مؤخرة السفينة (1) .
وروي أن نوحاً عليه السلام ومَنْ في السفينة شم نتن الزبل والعذرة فأوحى
اللَه إليه أن امسح على ذنب الفيل، ففعل، فخرج من الفيل، وقيل من أنفه
خنزير، فكفى نوحاً وأهله ذلك الأذى، فيؤخذ من هذا أن نوع الخنزير لم يكن قبل ذلك.
وروي أن الفأر آذى الناسَ في السفينة بقَرْض حوائجهم، فأمر الله نوحاً أن
يمسح على جبهة الأسد، ففعل، فعطس فخرجت منه هِرّة وهِرّ فكفَيَاهم الفأر.
(1) لا يخفي ما فيه من البعد وإبليس عليه لعنة الله لا يحتاج إلى ركوب السفينة خوفا من الغرق، فهو من المنظرين كما أخبر القرآن، ومرد هذا الخبر وما شاكله إلى أساطير بني إسرائيل. والله أعلم.
وروي أيضاً أن الفأر خرج من أنف الخنزير، وهذا كله ليس له مستند.
وروي أن إبليس لما دخل في السفينة طمع في إغواء أهلها، فشَكَا نوح إلى
اللَه، فأمره أن يحمل معه تابوت آدم في السفينة حتى ينظر إليه إبليس، فيذوب حسرة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: الشدّ بالقَيْد أهوَن من النظر إلى الضد، وإذا كانت مشاهدة العدو تمنع الاشتغال بالنفس وتمنع عن الطعام والشراب، فكيف لا تذوب أنْتَ يا محمدي والمحبة في قلبك، كما ذاب إبليس حين نظر إلى عدوه.
لو صدقَتْ محبتُك في صحبة معبودك لمنعك مشاهدته عن الشهوات وطلبِ
الفضول والتلذذِ بالزلات، ولا يقدر إبليس على وَسوَستك وإغوائك في جميع
الأوقات، ألا ترى أنه لم يقدر على دخول السفينة إلا بإذن صاحبه، فكيف
يدخل قَلْبَك وفيه مولاك، أما سمعته يقول: (وإذا ذَكَرْتَ ربَّك في القرآن
وَحْدَه وَلَّوْا على أدبارهم نُفُورا) .
وفي الحديث: إن له صفتين: وسواس، وخَنّاس، فإذا خنس على ابن آدم وشَمّه ووجد فيه الغَفْلة وسوس، وإذا وجده متيقظًا خنس، فانظر بأيّ شيء تعمره، إن عمرته بذكره سبحانه والتفكرِ في عجائبه - طردَهُ عنك، ووصلْتَ إلى حضرته، ألا تراه سبحانه أمر نوحاً بحَمْله معه الحيوان الذي لا معرفةَ له، ولم يفرق بينه وبين محبوبه، فكيف يذيق عَبْدَه المؤمن أليمَ فُرْقته بعد طول خدمته، وقديم معرفته!
كأنه سبحانه يقول: يا نوح، احمل ما هو مفارِق لك، وهارب عنك، لتُرِيَ
الْخَلْقَ حُسْنَ خُلقك، فيستدلون بحسن خلقك على لطيف صُنعي، أنا لما ذَكَرني الموفون الملازمون ببابي، والخواصّ من عبادي - هديتُهم، وأنعمت عليهم، هذه معاملتي معهم في دار الْمِحْنة، فكيف معاملتي معهم في دار النعمة، إنك أدخلْتَ الخلائق في سفينتك ولكَ إليها حاجة، فأي عجب لو أدخلْتُ جميع العصاة في الجنة ولا حاجة لي فيها!
(فبُعْداً) :
مصدر وُضِع موضع الفعل، بمعنى بَعُدُوا، أي هلكوا، والعامل فيه مضمر لا يظهر.
(فارَ التّنُّور) :
يعني بالماء، ولمّا أخبرته امرأتُه بوجود الماء فيه ركب هو وأهلُه السفينة، وكان هذا التّنور لآدم، فخلص إلى نوح.
واختلف في موضعه، والصحيح أنه كان في مسجد الكوفة، وقيل بدمشق.
(فكان من الْمُغْرَقين) :
الضمير يعود على ابن نوح، لمّا لم يسمع قولَ أبيه أغرقه الله ببوله، وذلك أنه اتخذ قارورة وأدخل فيها نفسه لظنّه أنه يَنْجو (1) ، فأظهر الله مَوْجَ القدرة، وحال بينه وبين ولده، وكذلك الكافر في خروجه من الدنيا يظهر له موج الشقاوة، فيحول بينه وبين ما يشتهيه من قبول العذر والإقرار بالوحدانية، كما قال تعالى:(وحِيلَ بينهم وبين ما يَشْتَهُون) ، كذلك العبد العاصي يدعو ربَّه بالندامة، فيظهر له موج الرحمة، فيحول بين صرفته ومعصيته، وتَبْقى صرفته، وذلك قوله تعالى:(يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءَ وقَلْبه) .
وفي الخبر أن نوحاً قال: يا رب، أنت وعدتَني بنجاةِ أهلي وإنَّ ابني من
أهلي، فأوحى الله إليه: إنه ليس من أهلك الذين وعدتُكَ بنجاتهم، وقد
وافقتك في دعائك على الكفار، أفلا تُوافقني أنْتَ في واحد هو ابنك بعد أن
قلْتُ لك: إنه ليس من أهلك! كأنه سبحانه يقول: عبدي، أسلمت إليكَ الدنيا بأسرها عاجلاً، والعُقْبى آجلاً موافقة لسؤالك وإجابة لدعائك، أفلا تسلم لي واحداً من أعضائك، وهو القلب، فأكون لك نعم الرب!
(فلا أنسابَ بَيْنَهم) ، يعني في الآخرة، لأن كلً واحد
منهم مشغول بنفسه، وكل منهم يفرُّ من أبناء جنسه، مخافةَ أن يتعلق بشخصه، قال تعالى:(يوم يَفِر الْمَرءُ من أخيه) .
(فَرضْنَاها) ، أي فرضنا الأحكامَ التي فيها.
وقرئ بالتشديد مبالغة.
(فاجْلِدوا كلَّ واحدٍ منهما مائةَ جَلْدَةٍ) ، ليس على عمومه.
(1) كلام يفتقر إلى دليل، وظاهر القرآن يفيد أنه كان من المغرقين في الطوفان. والله أعلم.
يخص منه الْمحصن والمحصنات والعبد والأمة، وصِفَتُه عند الشافعي أن يفرّق
على جميع الأعضاء والمجلود قائم.
وعند مالك في الظهر والمجلود جالس، وتُستر المرأة بثوبِ لا يقيها الضرْبَ، ويجرَّد الرجل عند مالك، وقال يجلد على قميص ويؤخرُ المريض والحامل للبُرْء.
واختلف هل يجوز أن يجمع مائة سوط ويضرب بها ضربة واحدة، وأجازه
الشافعي للمريض، لورود ذلك في الحديث، ومنعه مالك، وأجازه أبو حنيفة لما في قصة أيوب.
فإن قلت: ما الحكمة ُ في سقوط الحدِّ عن المريض؟
فالجواب أن المقصود به التأديب لا القتل، ولذلك أمر بالتخفيف عنه في
الحرّ الشديد والبرد الشديد.
كذلك العاصى من هذه الأمة إذا دخل النارَ يقول الله لمالك: لا تُقَربه إلى النار العظمى، ولا تعذِّبه عذاب الكفرة، لأن القصد في
إدخاله التأديب لا التعذيب، هذا حدُّ العاصي في الدنيا، وهذا حد الجاني في
العقبى.
(فشهادَة أحدِهم أرْبَعُ شهادات) :
بالنصب على المصدرية، والعامل فيه شهادة أحدهم.
وقرئ بالرفع، وهو خبر (شهادة أحدهم) .
وقوله: (بالله) ، وإنه لمن الصادقين - من صلة أربع شهادات، أو مِنْ صلة:
" شهادة أحدهم "، أي يقول الزوج أربع مرات: أشهد بالله، لقد رأيْتُ هذه المرأة تزني، أو أشهد بالله ما هذا الحمل مني، ولقد زَنت، وإني لمن الصادقين، ثم يقول في الخامسة: لعنة اللَهِ عليَّ إنْ كنْتُ من الكاذبين.
(فارِهين) ، بألف وعدمها، منصوب على الحال من المفعول في (تَنْحِتُون) ، وهو مشتق من الفَرَاهَة، وهي النشاط والكيس.
وقيل: أشِرين بَطرِين.
(فأصْبَحوا نادِمين) :
الضمير يعود على قوم صالح، لما تغيرت أَمْوَالُهم كما ذكرناه - ندِموا.