الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن قلت: هَلَاّ قال: لست نبيئاً، فينتفي الأعَم! لأن نَفْيَ الأعم يستلزم نَفْيَ
الأخَص؟
والجواب أنَّ نفي الأخص هنا يستلزم نَفْيَ الأعم، لأنه قال لهم: (يا أيها
الناس إنِّي رسول الله إليكم جميعاً) ، فكذَّبوه في هذه المقالة، فإذا كذّبوه فيها فهم لا يصدِّقونه في نبوءته! لأن النبي لا يَكذِب.
(وما أرْسلْنَا من رسولٍ إلا بلسان قَوْمِه) :
فيها دليل على أنَّ واضعَ اللغة هو الله تعاَلى.
واختلف هل الكتب المنَزَّلة نزلت بلغاتهم أو بالعربية، وكلّ رسول يعبِّر لهم بلغتهم.
وقد قدمنا ذلك.
وفي قوله: (فيُضِلُّ اللَه مَنْ يشاء ويَهْدِي مَنْ يشاء) ، دليلٌ على أنَّ حصولَ العلم عقيب النظر عاديّ، وليس بعقلي، إذ لو كان عَقْليّاً للزم من البيان الهداية.
ويحتمل أن يقال لا يلزم ذلك، لأن المخاطب قد لا ينظر النَّظَر الموصِّل للعلم.
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ من الظلماتِ إلى النُّور) .
الظاهر أن (أنْ) هنا تفسيرية.
وقال بعض النحاة: إن النحويين يمنعون وصلَ (أن) بالجملة غير الخبرية.
وذكر ابن العطار في شرح الجزولية جوازَ ذلك.
فإن قلت: هلا قال: أن أخْرح قومك من الظلمات إلى النور بإذن الله، كما
قال أوَّلاً: (لتُخْرجَ الناسَ من الظّلُمات إلى النور بإذْن رَبِّهم) ؟
والجواب أنَّ الأول خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وشَرِيعَتُه من أسهل الشرائع، فناسب فيها ذِكر الإذْن لئفِيد معنى السهولة واللين المأذون فيها، وهذه الآية الثانية خطابٌ لموسى، وقد كانت شريعته صعبةً، ألا ترى إلى قوله تعالى:(فتُوبُوا إلى بارئكم فاقْتلُوا أنْفُسكم) .
وأيضاً " أخْرج " فعل أمر! فهو بنفسه دليل على الإذن، فلم يحتج إلى ذكره معه، بخلاف قوله:(لتُخْرج الناسَ) ، فإنه جملة خبرية لا تدل على الإذْن، فلذلك قيدت به.
(وذَكِّرْهُم بأيَّام الله) :
التذكير لقوم موسى سببٌ في إخراجهم من الظلماتَ إلى النور، واللفظُ يعمّ النعمَ والنقَم، فإذا علموا عقوبتَه تعالى للأمم المتقدمة حرَّكوا أنفسهم للإخراج من الكفر.
فإن قلت: كان حقه أنْ يقدم السببَ على المسبب، فَلِمَ أخَّرَه عنه، وما
الفائدة في تعبيره عنه بالأيام؟
والجواب: أن التذكير هو الموعظة، والدعاء إلى الإسلام متقدِّم عليها.
والموعظة إنما تكون بعد ذلك، لأنه يريهم المعجزةَ ابتداء، فإذا آمنوا وعظهم
ليدوموا على إيمانهم.
وعبَّرَ عنه بالأيام، لأن العقوبةَ كانت في أيام، وذلك تعظيم
لها، كقولهم: يوم كذا.
(ويَسْتَحْيون نساءكم) :
لما أخبر فرعون أنه يولد من بني إسرائيل مولود يكون سببَ هلاكه صار يَذْبَحُ المذكور، ويَسْتَحْيي النساء كما قدمنا.
فإن قلت: هَلَاّ قال: يستحيون بناتكم، ليوافق أبناءكم؟
والجواب: أن البنات في حالِ صغرهنَّ لا مؤونة منهنَّ ولا مشقة، وإنما يلحق
آباءهم المؤونة والمشقة إذا كبرن وصِرْنَ نساء، وفيها إشارةٌ إلى الوصف الذي لأجله أحيوا البنات وهو بقاؤهن حتى يكبرن فيحتقروهن ويذلّوهن لبقائهن بغير رجال.
فإن قلت: هذا العطف بـ يذَبحون ويستحيون على يسومونكم مشكل، لأن
العطفَ يقتضي المغايرة، فإن كان السوم هو الذبح لزم عطْفُ الشيء على نفسه، وإن كان غيره لزم تفسير الشيء بغيره؟
والجواب: أنه غيره.
لكنه أعَمّ منه، فالسَّوْمُ هو أوائل العذاب ومقدماته، والذبح أخصُّ منه.
فإن قلت: ما الفرق بين هذه الآية وآية البقرة في عطفه هنا بالواو؟