الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الطول وعِدَّة الكلم كالمحكي في سورة براءة، ألا ترى أنَّ الواقع في براءة ست كلمات، وفي الصف ثلاث كلمات، والقائِل طائفةٌ واحدة.
وهذا مراعى.
(يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) :
ضمير الجماعة يعود على المنافقين الذين يحلفون: (لو استَطَعْنَا لخَرَجْنَا معكم) ، فأخبر الله رسولَه بكذبهم، وأنهم كانوا يستطيعون الخروج، ولكن تركوه كفرا ونفاقاً، وهذا كلّه في الجملة لا بتعيّن شخص، ولو عُيِّن لقُتِل بالشرع.
وانظر كيف عَبَّر هنا بالعلم بخلاف الآية بعدها.
وفي الحشر والمنافقين لأنَّ الاستطاعةَ وعدمها حكم لا يطَّلع عليه في الغالب، بل ينفرد كلّ بحاله في ذلك، إلا أنْ يعلم ذلك بقرينة، فقول المنافقين في إخبار الله تعالى عنهم:(لو استَطَعْنَا لخرَجْنَا معكم) ، غير مشاهد من ظاهرهم، فقد كان يمكن صدقهم أو صدق بعضهم لوْلا أنّه سبحانه أعلم بحالهم، فناسب التعين بالعلم.
(يَرْكُمَهُ جميعاً) .
أى يضمّه ويجعل بعضه فوق بعض.
(يوم يُحْمَى عليها) :
الضمير يعود على ما يعود عليه ضمير (ينفقونها) ، والعامل في الظرف (ألِيم) ، أو محذوف.
فانظر ما أوعد الله للمُمْسك مالَه ولا ينفقه.
وقد أخبرنا اللهُ بعذابه في آياتٍ من كتابه كقوله تعالى: (وَيْل لكلِّ هُمَزَةٍ لمَزَةٍ) .
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ)
…
إلى قوله: (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) .
(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) .
(كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى) .
وأكرم الله الْمُنْفق بخمس كرامات:
جعل الصدقَة تقَعُ في يده قبل وقوعها في يد السَّائل، فيربيها له كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ، وتكون وقايته من المكاره، كما صحَّ أن الصدقة
لتدفع سبعين باباً من السوء، يعني في الدنيا والآخرة، لقوله عليه السلام: دَاوُوا مرضاكم بالصدقة.
وتحرس المال، للحديث:" حَصِّنُوا أموالكم بالزكاة ".
وتطهره لقوله سبحانه: (خُذْ من أمْوالِهم صدَقَة تطهِّرُهم وتُزَكيهم) .
هذا مع ما فيها من الخلف والبركة، والكلام عليها طويل جداً.
(يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا) .
أي تارة يحلون وتارة يحرمون ولم يُرِد العامَ حقيقة، إذ كانت أحوالُهُم مختلفة.
(يُهْلِكون أنْفسهم) :
الضمير يعود على المنافقين، لأنهم كانوا يستعذرون بالأعذار الكاذبة والأيمان الباطلة.
(يَفْرَقونَ) :
من الفَرق وهو الخوف.
(يَجِدُون مَلْجَا) .
أي يلجئون إلى موضع من المواضع التي تمنعهم من رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
(يَكْنِزُونَ الذّهَبَ والفِضَّةَ) .
ورد في الحديث: " كل ما أدِّيت زكاته فليس بكنز، وما لم تؤدَّ زكاته فهو كنز ".
وقال أبو ذر وجماعة من الزهاد: كلّ ما فضَلَ عن حاجةِ الإنسان فهو كنز.
وقوله هذا أفضى به إلى الخروج من الشام ومن المدينة حتى لحق بالرَّبذة، فمات بها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:
" من أراد أن ينظر إلى زُهد عيسى فلينظر إلى أبي ذَر رضي الله عنه ".
(يضَاهِئُونَ قَوْلَ الذين كفرُوا من قَبْل) ، أى يشابهون.
فإنْ كان الضمير لليهود والنصارى فالإشارة بقوله: (الذين كفروا من قَبْل)
للمشركين من العرب، إذ قالوا: الملائكة بنات الله، وهم أول كافر.
وإن كان الضمير للمعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى فالذين كفروا من قبل هم أسلافهم المتقدمون.
(يَلْمِزكَ في الصّدقَاتِ) .
أي يَعِيبك على قسمتها، وذلك أنَّ المنافقين كانوا يقولون: يعْطِي مَنْ أحبَّ من أصحابه، ويمنعنا.
وقيل هي في الذي قال: اعدل يا محمد، فإنكَ لم تعدل.
(يُؤْمِنُ بالله ويؤْمِن للمؤمنين) .
هذا من أوصافه صلى الله عليه وسلم -
يقال: أمنت لك إذا صدقتك، ولذلك تعدَّى هذا الفعل بإلى، وتعدّى يؤمن
بالله بالباء.
(يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ) :
الضمير في (عَلَيْهِمْ) و (تُنَبِّئُهُمْ) و (قُلُوبِهِمْ) عائد على المنافقين، يعني أنهم كانوا يخافون أن ينزَّل في شأنهم سورةٌ على النبي صلى الله عليه وسلم) تُخْبره بما في ضمائرهم من النقص لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، وذلك على جهة الاستهزاء والسخرية.
وقال الزمخشري: إن الضمائر في عليهم وتنبئهم للمؤمنين، وفي قلوبهم للمنافقين، والأول أظهر.
(فإنْ يتُوبوا يكُ خَيْرًا لهم) :
فتح الله في هذه الآية بابَ التوبة للمنافقين، فتاب منهم الجُلَاس.
وحَسُنَ إسلامه بفَضْل الله عليه.
(يسْخَرُون منهم) :
الضمير للمنافقين، وذلك أنهم كانوا يستخفُّون بالمسلمين الذين يتصدَّقون بما يجدون ويقولون: إن الله كنيّ عن صدقةِ هذا.
(يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) :
يعني أنهم كانوا يؤذون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بقولهم: إنه يسمعُ فيهم أصحابه إذا أخبروه بعداوتهم لهم.
فردَّ الله بقوله: (قل أُذُنُ خَيْرٍ لكم) ، لأنه يصفح عنكم ولا يؤاخذكم بأقوالكم، ولو لم يسمع فيكم لأستأصلكم.
وقد كان بعض الصحابة يستأذن في قَتْل بعضهم، فيقول: أو يتحدث أنَّ محمداً يقتلُ أصحابه.
(يَقْبِضُونَ أيديهم) :
كناية عن بخْلهم وعدم إنفاقهم، في، طاعةِ الله ورسوله.
(يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) .
أي يُمْتَحنون بالأمراض والجوع.
وقيل بالأمر بالجهاد.
واختار ابنُ عطية أن يكون المعنى: يفضحون بما يكشف من سَرَائرهم.
(يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ) :
كان سبب خوفهم أنْ ينقل عنهم كذبُهم، فكان ينظر بعضُهم إلى بعض، ويقول: إياكم أن يُنْقَل عنكم هذا الاستخفَافُ.
وقيل: كان ينظر بعضهم إلى بعض على وجه التعجّب ومِمَّا ينزل
في القرآن مِنْ كشْف أسرارهم.
(ويهْدي مَنْ يشاء) .
قد قدمنا أنَّ الله تعالى عَمَّ الدعوة وخَصَّ الهداية، إذ ما كلُّ مدعوّ داخلٌ، ولا كل مُضِل مقيم، واحد قاعد عند الباب ينتظر الدخول ولم يدخل، وآخر وجد الباب مفتوحاً فدخل.
(يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) : في هذه الآية احتجاج على الكفار
بأنَّ شركاءهم لا يقدرون على بدء الخَلْق ولا عَوْده.
فإن قلت: كيف يحتجّ عليهم بإعادة الخَلْق وهم غير معترفين به؟
فالجواب أنهم معترفون أن شركاءهم لا يقدرون على الابتداء ولا على
الإعادة، ففي ذلك إبطال لهم ولربوبيّتهم، فوضعت الإعادة عليه موضع المتفق عليه لوضوح برْهانها.
(يَهِدِّي) .
بتشديد الدال: معناه لا يهتدي في نفسه، فكيف يهدي غيره.
وقرئ بالتخفيف بمعنى يهدي غيره.
والقراءةُ الأولى أبْلَغ في الاحتجاج.
(يَأتهم تأويلُه) :
الوعيد الذي في القرآن لهم.
(يلبثوا إلا ساعة من النهَار) :
تقليل لمدة بقائهم في الدنيا أو في القبور.
(يتعارَفُون بينهم) :
يعني يوم الحشر، فهو على هذا حالٌ من الضمير في (يلبثوا) .
(يستَنْبِئُونك) .
أي يسألونك عن الوعيد والدين والشرع:
أحق هو، فأمره الله بأن يقول:(إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) .
(يرْهَق) : يغشى.
(يوم القيامة) ، ظرف منصوب بالظرف.
والمعنى أي شيء يظنون أن يُفعل بهم في ذلك اليوم.
(يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) ، أي لا يغيب عن علم الله مثقَال ذرة.
وقد قدمنا أن الذرة صغار النمل أو بيضها.
فإن قلت: ما فائدة تقديم الأرض على السماء في آية يونس بخلاف سبأ؟
والجواب لأن الشهادة على أهل الأرض، وقُدمت السماء في سبأ لأنَّ حقَّها
التقديم، لأنها مصعد الأمر، ومحلّ العلو، ومسكن الملائكة، وهي مشاهدة لهم، ومستقبل الداعين، ومنها ينزل الأمر، ورزق العباد، وفيها الخزَنَة من الملائِكة، وإليها يُصعد بأرواح المؤمنين، وتعرج الملائكة السياحون في الأرض المسؤولون عن أعمال العباد، فكان العلمُ بما فيها أجلى وأظهر، وكان العلم بما في الأرض أخفى، وهذا بالنظر إلينا، وبحسب متعارَفِ أحوالنا، وإلا فعِلْم بارئنا سبحانه بما في الأرض وما في السماء على حدٍّ سواء، كما أن علمه بالسر والجهر مستوٍ:(سواءٌ منكم مَنْ أسَرَّ القوْلَ ومَنْ جَهَر به) .
(يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) ، أي ينفعكم في الدنيا بالأرزاق والنعم والخيرات.
وقيل: هو طيب عيش المؤمن برجائه في الله ورضاه بقضائِه، لأن الكافر يمتَّعُ في الدنيا بالأرزاق، والضمير في " فَضْله " يحتمل أن يعود على الله تعالى أو على ذِي فَضل.
(يثْنُون صدُورَهم ليستَخْفوا منه ألَا حين) .