الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى) .
أي من تمادَى على الكفر قتله، وهو معنى قوله:(فسوف نُعَذِّبُه) .
ومَنْ أسلم أحسن إليه.
(فما اسْطَاعُوا) :
أصلُه استطاعوا، وحذفت التاء في هذا تخفيفا.
(فأوْحى إليهم) : أي أشار.
وقيل: كتب في التراب، إذ كان لا يقدر على الكلام، مع أنه سليم من الخرس، وإنما جعل الله له ذلك علامةً على حَمْل امرأته.
(فحمَلَتْهُ) : يعني في بطنها.
(فأجَاءهَا) ، معناه ألجأها، وهو منقول من جاء بهمزة التعدية.
(فإمَّا تَرَيِنَّ) :
هي إن الشرطية دخلت عليها ما الزائدة للتأكيد.
وترين فعل خوطبت به مريم، دخلَتْ عليه النون الثقيلة للتأكيد.
(فأتَتْ به قَوْمَها تَحْمِلُه) :
لما رأت الآيات ِ علمت أن الله سيبيِّنُ عذرها، قالوا لها:(يا مريم لقد جئْتِ شيئاً فَرِيًّا) .
من الفرْية، وهي الشنعة.
(فأشارَتْ إليه) ، أي إلى ولدها ليتكلَّم، وصمتت هي كما أمِرت.
فتولى الله تبرئتها، كذلك يعقوب بلغ به البلاء حتى ضاق به الأمر.
فأظهر الله له الفرج ببشارة القميص.
وكذلك موسى وعيسى، وكذلك عائشة لما ضاق بها الأمر حتى تركت العلائق، ورفعت قَلْبها عن الخلائق، فأنزل الله طهارتها، فقال لها أبوها: قومي فقبِّلي رأسَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: بحمد الله
لا بحمدكما، لأن الله طهَّرني بالآيات (1) .
كذلك أنْتَ يا محمدى، إذا ضاق بك الأمر، وتركت العلائق إلا من الله فتح
عليك باب البشارة، وأدخلك دار كرامته.
(1) لفظه عند أبي داوود:
13963-
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِىٍّ الرُّوذْبَارِىُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ فِى قِصَّةِ الإِفْكِ ثُمَّ قَالَ تَعْنِى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم: «أَبْشِرِى يَا عَائِشَةُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عُذْرَكِ» . وَقَرَأَ عَلَيْهَا الْقُرْآنَ فَقَالَ أَبَوَاىَ: قُومِى فَقَبِّلِى رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: أَحْمَدُ اللَّهَ لَا إِيَّاكُمَا.
(فاختلف الأحزبُ مِنْ بَيْنهم) ، أي من تلقائهم، ومن أنفسهم وأن الاختلاف لم يخرج عنهم.
والأحزاب: اليهود والنصارى، والحق خلاف أقوالهم كلِّها.
(فوَيْلٌ للذين كفروا) : قد قدمنا أنَّ الويل هو الحزن والثّبور.
ورُوي هذا الكفر الذي كفروا عن قتادة أن بني إسرائيل جمعوا من
أنفسهم أربعةَ أحبار غايةً في المكانة والجلالة عندهم، وطلبوا أن يبينوا أمر
عيسى، فقال أحدهم: هو الله نزل إلى الأرض، فأخيا من أَحيا وأَماتَ من
أمات.
تم صعد فقال له الثلاثة: ليس الأمر كذلك.
واتبعه اليعقوبية.
ثم قال أحد الثلاثة: عيسى ابن الله، فقال له الاثنان: كذبت، واتبعه
النسطورية.
ثم قال أحدهما: عيسى أحد ثلاثة: عيسى إله، وأمه إله، والله إله.
فقال له الرابع: كذبْتَ واتبعه الإسرائيلية.
فقال الرابع: عيسى عبد الله وكلمتُه ألقاها إلى مريم، فاتبع كلَّ واحد من الأربعة فريقٌ من بني إسرائيل، ثم اقتتلوا، وغلب المؤمنون، وقتلوا، وظهرت اليعقوبية على الجميع.
وروي أنه في ذلك نزلت: (إنَّ الذين يكفُرون بآيات الله) .
فإن قلت: ما الفرق بين وصفهم هنا بالكفر، وفي الزخرف بالظلم؟
فالجواب أنً الكفر أبلغ من الظلم.
وقصة عيسى في سورة مريم مشروحة فيها، ذكر نسبهم فيها إلى الله تعالى، حتى قال:(ما كان للهِ أن يتخذ مِنْ وَلَدٍ سبحانه) ، فذكر بلفظ الكفر.
وقصته في الزخرف جملة فوصفهم بلفظٍ دونه وهو الظلم.
وقيل غير هذا من الأجوبة حذفناه اختصاراً.
(فلا تَعْجَلْ عليهم) ، أي لا تستبطىء عذابهم وتطلب تعجيله، إنما نعُدّ مدة بقائهم في الدنيا.
(فلما أتاها نُودِيَ يا موسى) .
ضمير الإتيان راجع إلى النار، ولم يناده من الشجرة، وإنما ناداه عند وصوله إليها، وإنما أمره بخلع نعْليْه، لأنهما
كانتا من جلد حمار ميِّت، فأمر بخلع النجاسة.
واختار ابن عطية أنه إنما أمِر بخلعهما ليتأدب، ويعظّم البقعة المباركة، ويتواضع في المناجاة مع خالقه (1) .
وأين هذا المقام من مقام سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم لما زُجَّ به في عالم العزَّة!
أراد أن يخلع نعلية، فإذا النداء: يا محمد، لا تخلع نعليك.
فقال: يا ربِّ سمعتك تقول لموسى: (فاخلع نعليك) .
فقال: يا محمد، لئن أمرت موسى بنزع نعليه على جبل الطور فقد أبحنا لك أن تطأ بنعليك على بساط النور، لأنك المكرَّم عندنا، والعزيز لدينا (2) .
اللهم بحرمته لديك اعف عنا واغفر لنا.
قيل أصحاب الشجرة في القرآن أربعة: آدم: (ولا تَقرَبا هذه الشجرة)
، وموسى:(نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقْعَةِ المباركة من الشجرة) .
ومريم: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ) .
ومحمد صلى الله عليه وسلم: (إذ يبَايعونك تَحْتَ الشجرة) .
فآدم دَنا من شجرته باختيار نفسه، فصارت عليه محنة، حتى خرج منها
بسببها.
وموسى دنا من شجرته بالأمر، فصارت عليه بركة، وأوْصله بالوادي
المقدس، ونودي (إني أنا رَبُّك) .
ومريم دَتتْ من شجرتها باخْتِيار نَفْسها، فصارت عليها محنة، حتى قالوا ما قالوا، ونالها من الألم ما نالها، ولم تَصِلْ إلى رزقها إلا بالعناء.
والنبي صلى الله عليه وسلم دنا من شَجَرته من حيث الأمر، فعادت عليه رحمةً، وبايعوه تحتها، وظهر الإسلام، واستقام الشرع.
وكذلك مثَّل الله الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة.
وقيمة الشجرة بالثمار والأنوار، وقيمة المؤمن بمعرفة الجبَّار، كأنه تعالى يقول: قلبك بموضع شجرة إنباتها معرفتي، وثمرها شهادتي، ونورها حديثي ومنها تصير يا عبدي موحِّدي.. .
آدم قصد شجرةً وفيها للعدو نصيب، - فأصابه من الذلِّ والمِحَن
والخروج من الجوار ما أصابه (3) .
والشجرة التي هي في موضع نظري ومقام معرفتي إذا قصدها الشيطان أتراني أسلمها له، وأنا أنظر إليها كل يوم ثلاثمائة وستين
(1) اختيار العلامة ابن عطية رحمه الله أقرب إلى الصواب. والله أعلم.
(2)
المعنى صحيح لكنه يحتاج إلى سند صحيح.
(3)
أكثر هذا الكلام فيه نظر، ولا يخفى على أولى البصائر. والله أعلم
نظرة لحُرمتها، أفتراني أسلمها للشيطان إذا قصدها! بل أطرده وأكافئه كما
كافَأت آدم، حين قصد شجرة فيها للعدو نصيب أخرجته منها لنصيبه.
والشجرة التي هي نصيبى أكافئه بأن أضع ذنوبك على عنقه، وأدخلك الجنة
لنصيي فيك.
فإن قلت: قد اختلفت الألفاظ في قصة موسى، ففي موضع قال: آتاها، وفي موضع: جاءها، وفي آية:(إني أنا ربُّك)، وفي آية:(إني أنا الله) ؟
فالجواب أن لفظ جاء وأتى بمعنى واحد، لكن كثُر هنا لفظ الإتيان، نحو:
فأتِيَاه، فلنأتينّك، ثم أتى، ثم ائْتُوا صفا.
وكثُر في النمل لفظ جاء، نحو:(فلما جاءهم) .
(وجئتك من سبَأ) .
(فلما جاء سليمان) .
وإنما أبرز الضمير في هذه الآية بقوله: ربك، لأنه خاطبه مرّتين، كل مرة
بما يليق به، ففي الأولى أظهر له النعمة في إنجائه من فرعون، وتحنّن شعيب له، وإكرامه بالكلام.
فلما تأنّس وزالت عنه الدهشة خاطبه بالألوهية الْمشْعرة
بالخوف من هذا الاسم العظيم.
فسبحان اللطيف بعباده، الْمُنْعم عليهم بنعمه: خلقهم بلا مثل، وصورهم بلا مشاورة، ورباهم بلا قوة، وهداهم بلا شفاعة، ورزقهم بلا دعوة، وأمرضهم بلا واسطة، وشفاهم بلا دَوَاء، وأماتهم بالعدل، وأحياهم بالقدرة، وغفر لهم بالرحمة.
وقد قدمنا أنَّ موسى خرج لطلب النار، فوجد الجبَّار.
ويوسف خرج للنزهة فوجد العبودية.
وبلقيس خرجت للنظر فوجدت المعرفة.
وطالوت خرج لطلب حماره فوجد الملك.
وأنت يا محمديُّ إذا خرجتَ من الدنيا لِطَلَب مَوْلاك أفتراك لا تجده وقد
خرجت لأجله! كلا، بل تجده، وينيلُك ما انتهت عيْنُك، ولذَّت نفسك.
ألا تراه قال لموسى لا توجّه تِلْقَاء مدين وجاع وعَيي ورفع رأسه فقال: أنا الغريب الفقير المريض - فأجابه: الغريب الذي ليس له مثلي حبيب، والفقير الذي ليس له مثلي نصيب، والمريض الذي ليس له مثلي طبيب.
فرضي بهذه الكلمات.
(فلا يَصدّنَّكَ عنها) :
الضمير للساعة، أي لا يصدنَّكَ عن الإيمان بها والاستعداد لها.
والخطاب لموسى.
وقيل لنبينا ومولانا محمد، وهو بعيد، لأنه قد استعدَّ لها.
وقيل الضمير للصلاة، وهو بعيد.
(فتَرْدَى) ، أي تهلك.
وهذا الفعل منصوب في جواب (لا يصدنَّك) .
(فألْقَاهَا فإذا هي حيَّةٌ) :
لما ذكر موسى عليه السلام المنافع التي كانت في عصاه بسؤال الله له أمره أنْ يُلْقيها ليَرَى فيها عجائب غير التي كانت فيها، ويعلمَ أن الله يؤيده وينصره ويعزّه، فألقاها امتثالاً لأمْرِ ربه، فقلب الله أوصافَها وأعراضها، فصارت حيّةً تسعى، أي تنتقل من مكان إلى مكان.
والحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، والصغير والكبير.
وقد قدمنا أنَّ الله سمّاها بأسماء مختلفة: بالحية، والثعبان، والجان، فأراد
بالحية أول أمرها صغيرة رقيقة، ثم تتزايد وتصير كالثعبان في سرعة حركة
الجان.
وقيل: كان لها عرْف كعرف الفرس، وكان بين لَحْيَيْها أربعون ذراعاً (1) .
قال ابن عباس: انقلبت ثعباناً ذكراً يبتلعُ الحجرَ والشجر، لها كلام كالرعد
القاصف.
فلما رآها موسى كذلك خاف.
وقد قدمنا أن خوفه إنما كان ممن أجل عِلْمه أنها كانت من الشجرة التي أكل منها آدم، وقيل: لأنها كانت معجزة بالخوف منها، فخاف منها كل أحد.
فقال الله له: يا موسى، اذهب بها إلى فرعون، وخُذْها، ولا تَخَفْ، سنُعيدها سيرتها الأولى.
وموسى أمّنه الله من أربع مخاوف: من إلقاء العصا، وفرعون، وقومه، ومن
قَتْل القبطي، فأمنه الله منها جميعا.
(1) من الإسرائيليات المنكرة.