الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنت يا محمدي إذا رجعْتَ إليه أفتراه لا يُنجيك من غمِّ الدنيا، وعند
النّزعْ، وفي القبر، وفي أهوال القيامة.
وقد قال لك: (إن الله مع المؤمنين) .
إن الله مع الصابرين) .
(إن الله مع الذين اتَّقَوْا) .
(وإن الله لَمَعَ المحسنين) .
موسى كانت في يمينه العصا، فضرب البحر بها فانفلق حتى جاوزَه هو
وقومه، والمؤمن الذي بيده كتاب ربِّه أتراه لا يضرب به بحرَ الموت فينفلق له، ويقول له: كن عليَّ رحمةً (1) فتنزع روحه نوماً برفْق كالقطر من الصفا، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لملك الموت: " ارفق بأمتي.
فقال له: أبشر، فإني بكل مؤمن رفيق ".
(فاقذفيه في الْيَمِّ) :
اليم: هو البحر، وأمْر الله في هذه الآية لأمّ موسى أن ترميه في بَحر النيل، لأن فرعون لما ذكر له أن هلاكَه على يد رجل من بني إسرائيل أمر بذبح كلّ ذكر يولد لهم، فألقَتْه في تابوت، وألقت التابوتَ في البحر، وكان فرعون في موضع يُشْرف على النيل، فلما رأى التابوتَ أمر به
فسِيق إليه، وامرأتُه معه، ففتحه فأشفقت عليه امرأته، وطلبت أن تتخذه ولداً، لأنها لم يكن لها ولد، فأباح لها ذلك، فذلك قوله:(وألقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبّةً مني) .
فهذه المحبةُ نفعت امرأة فرعون، وكذلك صَفُورا نفعت محبتها لموسى، وزُليخا ليوسف، وخديجة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
فالمؤمن الذي يحبُّ الله ويحبُّه الله أفتراه لا تنفعه محبته، وهو يقول:
(يحبُّهم ويحبُّونَه) ، ولم تكن هذه المحبة إلا لأمّة الحبيب، لأنه كان حبيباً، وحبيبا كحبيب حبيب، ألا ترى آدم كان صفيًّا، فلم يجد أحد من قومه الصفوة، وإبراهيم كان خليلاً فلم يجد أحدٌ من قومه الخلة، وهكذا سائر الأنبياء، لكن من علامة المحبة أولها الإفلاس، وآخرها الوَسواس، ومن فَرّ منه دعاهُ بكثرة الإحسان حتى يستحيي من الله، فيرجع إليه.
(فتقول هل أدُلّكم على مَنْ يَكفُلُه) :
يعني أنَّ فرعون لما أخذه من التابوت، وأسلمه لآسية صارت ترْضعه في المراضع، فلم يَقْبَل ثَدْيَ مرْضعة.
(1) قياسٌ مع الفارق، فأين نحن من سيدنا موسى عليه السلام اللهم احشرنا في زمرة حبيبك ومصطفاك صلى الله عليه وسلم.
حتى شاع خبره، فذهبت أخته إليهم، وقالت:(هل أدلكم على من يكفُله) .
(فرَدَدْناه إلى أمِّه) :
وهذا مِنْ مِنَنِ الله عليه لما قالت لهم: أنا أدُلكمْ على أهْلِ بيت يكْفلونه لكم وهم له ناصِحون، وحَرَّضَتْهم بهذا الكلام قالوا لها: أنْت تعرفين هذا الغلام، قالت: لا، غير أني أعلم من هذا البيت الحرصَ على التقرب إلى الملكة والجدّ في خدمتها ورضاها، فتركوها وسألوها الدلالة، فجاءت بامّ موسى، فلما أخذته التْقَمَ ثَدْيهَا، ففرحت آسية لذلك، وقالت لها: تكونين معي في القصر.
فقالت لها: ما كنْتُ لأدعَ بيتي وولدي - تعني هارون.
ولكنه يكون عندي.
فأحسنت آسية إليها غايةَ الإحسان، واعتَز بنو إسرائيل بهذا الوليد السعيد، فهذا معنى رجوعه إلى أمّه، وإقرار عينها، وذهاب الحزن عنها.
وهذا كله من ثقتها بربها، وتسليم الأمْرِ إليه
بعد امتثال أمره، ولولا أن الله رَبَط على قَلْبها بالصَّبْر لكادت تُبدي به، لكن
رجعت إلى ربها، فجمع الله شَمْلَها به.
ويعقوب لما رجع في حِفْظِ يوسف إلى أولاده وقولهم له: (وإنا له لحافظون) ، واطمأن إلى حفظهم ابتلاه الله بمفارقته.
ولما زال عن حفظ إخوته ردّه الله إلى حفظه، فقهر له العبادَ والبلاد، وردّ عليه والده.
وأنْتَ يا محمدي لو رجعْتَ إلى الله وتوكلْتَ عليه لحفظك في أهلك ومالك
وولدك، وجمع بينك وبين أحبتك يوم القيامة، ولكنك أسأتَ الأدب.
واطمأنَنْتَ إلى المخلوقين، فكيف تطمع بنيل مركوبك وقد أعرضت عنه؟!
فإن قلت: أي فرق بين الرجوع في هذه الآية وفي آية القصص بالرد؟
والجواب هما بمعنى واحد ولما كان لفظ الرجوع ألطف خُصَّت به هذه الآية.
وعبَّر في القصص بالرد لمناسبة قوله: (إنا رَادُّوه إليكَ) .
(فنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغَمِّ) : لما خاف مِن قَتْلِ القبطي أمَّنه الله بقوله: (لا تخف نَجَوْت من القوم الظالمين) .