الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الآخرة يأتيك الملكُ بكتابِ منه: أمّا بعد السلام عليك فزرنا، لأنا اشتقنا لكَ، لا رَاعَى الله مَن لا يرَاعي الذَمم.
(فَسبِّحْ باسْمِ رَبِّك العَظيم) :
لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم.
فلما نزلت: (سَبّح اسْمَ رَبِّكَ الأعلى) قال: اجعلوها في سجودكم.
فلذلك استحبَّ مالك وغيره في السجود سبحان ربي الأعلى، وفي الركوع سبحان ربي العظيم، وأوجبها الظاهرية.
ويحتمل أن يكون المعنى سبَح اللهَ بذكر أسمائه، والاسم هنا جنس الأسماء.
والعظيم صفةٌ للرب، أو يكون الاسم هنا واحداً، والعظيم صفة له، وكأنه أمره أن يسبِّحَ باسمه الأعظم، ويؤيِّد هذا ويشير إليه اتصالُ سورةِ الحديد بها، وفي أولها التسبيح، وجعله من صفات اللهِ وأسمائه.
وقد قال ابن عباس: اسْم الله الأعظم موجودٌ في ست آيات من أول سورة الحديد.
ورُوي أنَّ الدعاءَ بعد قراءتها مستجاب.
(فالذِين آمَنوا منكم وأنْفَقوا لهُمْ أجْرٌ كَبِير) :
نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه، فإنه جهَّز جَيْش العُسْرة يومئذ.
ولفْظ الآيةِ مع ذلك عامّ، وحكمها باق لكل من أنفق في سبيل الله وطاعته، ويدخل فيه النفقة على العِيال بنيَّة تعفُّفهم وإعانتهم، بل هي من أعظم النفقات للحديث:" دِرْهم يُنفقه أحدُكم على أهله خير من ألْف ينفقها في سبيل الله ".
(فطَالَ عليهم الأمَدُ) :
أي مدة الحياة وقيل انتظار القيامة.
وقيل انتظار الفتح.
والأول أظهر.
(فمنهم مهْتَدٍ) :
قد قدمنا أن الضمير راجع لذرية نوح وإبراهيم لتقدم ذكرهها، ولأن منهم اليهود والنصارى وغيرهم.
(فافْسَحُوا) :
هو التوسع دون القيام، لأنه منهيٌّ عنه للحديث:" لا يقم أحدكم من مجلسه ثم يجلس الرجل فيه، ولكن توسَّعوا وتفَسَّحوا ".
واختلف: هل هذا النهي محول على التحريم أو الكراهية،
ْ (فَانْشزوا) ، أي ارتفعوا.
واختلف في هذا النشوز المأمور به، فقيل: إذا دعوا إلى قتال أو صلاة أو فعل طاعة.
وقيل: إذا أمروا بالقيام مِنْ مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يحبُّ الانفرادَ أحياناً، وربما جلس قوم حتى يُؤْمَروا بالقيام، ولهذا أخبر اللَّهُ أنَّ جلوسهم (كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) .
(فَبَايعْهُنَّ) :
الضمير يعود على النساء اللواتي بايَعْنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثاني يوم الفتح على جبل الصَّفَا، وبايعهنَّ بالكلام، ولا تمس يده يدَ
امرأة.
وقيل: إنه غمس يَدَه في الماء ودفعه إلى النساء، وغمس أيديهن فيه.
وروي أنه لما بايعهنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذه المبايعة فقرَّرَهنَ على ألَاّ يسرِقْنَ، قالت هند بنت عتبة، وهي امرأة أبي سفيان بن حرب: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ شَحِيح، فهل عليَّ إن أخذتُ من ماله بغير إذنه، قال: خُذِي ما يكفيك ووَلدك بالمعروف، فلما قَرَّرهن على ألا يَزْنين قالت هند: يا رسول الله، أتزني الحرة، فقال عليه السلام: لا تزني الحرة - يعني في غالب الأمر، وذلك أن الزني في قريش إنما كان في الإمَاء.
فلما قال: (ولا يَقْتُلْنَ أولادهن) قالت: رَبّيْناهم صغاراً وقتَلْتَهم أنت ببَدْر كباراً، فتبسم صلى الله عليه وسلم، فلما وقفهن على ألَاّ يعصينه في
معروف قالت: ما جلسنا هذا المجلس وفي أنفسنا أنْ نعصيك.
وهذه المبايعة للنساء إنما كانت في ذلك اليوم، ولا يعمل بها اليوم، لإجماع العلماء على أنه ليس على الإمام انْ يشترط عليهن هذا.
فإمَّا أنْ تكون منسوخة ولم يذكر الناسخ، أو يكون ترك هذه الشروط، لأنها قد تقررت وعُلمت من الشريعة فلا حاجة إلى اشتراطها.
(فلما جاءَهُم بالبَينَاتِ) :
يحتمل أن يريد عيسى أو محمد - صلى الله عليهما وسلم.
ويؤيدُ الأولَ اتصاله بما قبله.
ويؤيد الثاني: (وهو يُدْعَى إلى الإسلام) ، لأن الداعي إلى الإسلام هو محمد صلى الله عليه وسلم.
(فأصبَحُوا ظَاهِرين) :
قيل إنهم ظهروا بالحجة.
وقيل غلبوا الكفار بالقَتْل بعد رَفع عيسى عليه السلام.
وقيل: إنَّ ظهور المؤمنين منهم هو بمحمد صلى الله عليه وسلم
(فقالوا أبَشَر يَهْدونَنا) :
استبعدوا أن يرْسل الله بشراً، أو تكبَروا عن اتباع بَشر.
والبشر يقع على الواحد والجماعة.
(فإذَا بلَغْنَ أَجلَهنَّ فأمْسكوهنَّ بمعروف أو فَارِقوهنَّ بمعروف) :
يعني في أداء الصدَاق والإتباع حين الطلاق.
وبلوغ الأجل خطابٌ بآخر العدة.
والإمساك بمعروف هو تحسين العشرة وتَوْفِية النفقة.
فإن قلت: ما الحكمة في تعبيره في آية البقرة بالسراح في مكان الفراق هنا؟
والجواب لاكتناف آية البقرة النهي عن مضارَّة النساء وتحريم أخْذ شيء منهن
ما لم يكن منهن ما يسوغ ذلك من ألَاّ يقما حدودَ الله، فلما اكتنفها ما ذُكر
واتْبع ذلك بالمنع عن عَضْلِهنَّ، وتكرر أثناء ذلك ما يفهم الأمر بمجاملتهن
والإحسان إليهن حالَي الاتصال والانفصال لم يكن لينَاسِبها - قصد من هذا أن يعبّر بلفظ: (أو فارقوهن) ، لأن لفظ الفراق أقرب إلى الإساءة منه إلى
الإحسان، فعوَّل إلى ما يحصل منه المقصود مع تحسين العبارة، وهو لفظ
التسريح.
فقال تعالى: (فأمْسِكوهنَّ بمعروفٍ أوْ سرحوهن بمعروف)، وليجري مع ما تقدم من قوله تعالى:(الطلاق مرَّتَان فإمساكٌ بمعروف أو تسريح بإحسان) .
وقيل هنا: بإحسان، ليناسب به تعالى المذكور من قوله:(أو تسريح) .
وقد رُوعي في هذه الآي كلِّها مقصد التلطّف، وتحسين الحال في الصحبة والافتراق، ولما لم يكن في سورة الطلاق تعرّض لعَضْل، ولا ذِكْر مضارة - لم يذكر، وورد التعبير بلفظ:(أو فارقوهنَّ) ، على الانفصال، ووقع الاكتفاء فما يراد من المجاملة في الحالين بقوله: معروف، وبانَ افتراق القِصتين في السورتين، وورود كل من العبارتين على ما يجب.
(فأنْفِقوا عليهنَّ حتى يضَعْنَ حَمْلهن) :
اتفق العلماء على وجوب النفقة للمطلقة الحامل، عملاً بهذه الآية، إذَا كان الطلاق رجْعِيًّا.