الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليعقوب، (سوفَ أستغْفِرُ لكم رَبّي) .
وليلة المعرفة للخليل:
(فلما جَنَّ عليهِ الليلُ)، وليلة المؤانسة والمحبة: ليلة الإسراء:
(سبحان الذي أسْرَى بعَبْدِه) ، أكرمك الله يا محمديّ بسحر
كلِّ ليلة تنَاجِي فيها ربَّك، فقمْ على قدَم الاعتذار كاشفَ رأس الافتقار.
مخاطبا بلسان الفقر والاضطرار، ملقياً عن ظهَرك حمل السيئات والأوزار، مقنَّعاً بقناع الرجاء والندم والاستففار: إن لم تغفر لي فمَنْ يغفر لي!
إن لم تتبْ عليَّ فمن يتوب علي، إن لم ترحمني فمن يرحمني إذا غضبتَ عليَّ؟ ومَنْ يأويني إذا أعرضتَ عني، أنتَ العزيز، وأنا الذليل، أنتَ الغنيّ وأنا الفقير، وأنْتَ القويُّ وأنا الضعيف، وعزتِك ما يزيد في خزانتك ما منعتني، ولا ينقص منها ما أَعطيتني، إن تعف عني فأنْتَ أهل لذلك، وإن تعاقِبْني فبِمَا قدمت يدايَ، وما أنت بظالم للعبيد.
فيا أكرم مَنْ أقرَّ له بذنب، ويا أعزّ مَنْ خضِع له بذلٍّ.
بكرمك أقررتُ لكَ بذنبي، بعزّتك خضعْت لك بذلّي، فلك الْمنَّة عليَّ يا مَنْ قلَّ له شكري فلم يحرمني، ويا مَنْ قل له صَبْري فلم يَخْذلني، ويا من تقويت بنعمته على المعاصي فلم يعاقبني، ويا مَنْ رآني على الخطايا فلم يفْضَحْني، أقِلْ عثرتي بِجَاهِ نبيك الكريم عليك صلى الله عليه وسلم.
(وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ) :
هذا الضمير عائد عليه صلى الله عليه وسلم.
وقرئ بالمحفض والنصب في السبع، فأما الخفض فهو معطوف
على لفظ (الساعة) ، ويحتمل أن يكون معطوفاً على قوله (بالحق) .
وأما النصب فهو معطوف على: (سرَّهم ونجْوَاهم) .
وقيل هو معطوف على موضع الساعة، لأنها مفعول أضيف إلى المصدر.
وقيل معطوف على مفعول: (يكتبون) .
وهو محذوف تقديره يكتبون أقوالهم، وقيله.
وقرئ في غير السبع بالرفع على أنه مبتدأ: وخبره ما، بعده.
وضَعّفَ الزمخشري ذلك كلَّه، وقال: إنه من باب القسم، فالنصب والخفض على إضمار حرف القسم، كقولك: الله لأضربنَّ زيداً.
أو الرفع كقولهم: أيم الله، ولعمْرك، وجواب القسم - قوله (إنَّ هؤلاء قوْمٌ لا يؤمنون)
كأنه قال: أقسم بقيله يارب إنَّ هؤلاء قوم لا يؤمنون.
(وفي السماءِ رِزْقكم وما توعَدون) .
أي من الوعد أو الوعيد، أو الجنة أو النار.
أو الخير أو الشر.
قال ابن عباس: لا أعلم في السماء رِزْقاً غير المطر، وهو كذلك، لأن المطر أصلٌ للرزق، والماء الذي في الأرض منه، فلو انقطع المطر انقطع الرزْق.
(وفي أموالهم) :
معطوف على قوله: (في جنات) ، أو على (آتاهمْ رَبُّهم) ، أو تكون الواو للحال.
(وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) .
بالبناء للمفعول، فعلى هذا يراه الْخَلْقُ يوم القيامة، أو يراه صاحبه الذي فعله، وهو الأصح، لأن الله يضَع ستره عليه حين قراءته، لقوله بعد ذلك:(ثم يُجْزَاهُ الجزاءَ الأوْفى) .
(وَرْدَةً كالدِّهَان) .
ذكر الجواليقي أنها غير عربية.
ومعناه أحمر كالوردة، وقيلَ هو من الفرس الورد.
(ولِمَنْ خافَ مقامَ رَبِّه جنَّتَان) .
أي القيام بين يديه للحساب.
ومنه: (يَوْمَ يقوم الناسُ لربِّ العالمين) .
وقيل قيام الله بأعماله، ومنه:(أفَمَنْ هو قائمٌ على كل نَفْسٍ بما كسَبتْ) .
وأفهم المقام، كقولك: خفْت جانبَ فلان.
واختلف هل الجنّتان لكل خائف على انفراد، أو لصنف الخائفين، وذلك مبنيّ على قوله: لمنْ خاف، هل يُراد به واحد أو جماعة، وقال الزمخشري: إنما قال جنتان لأنه خطاب الثقَلَيْن، فكأنه قال جنة للإنس وجنّة للجن، والأَظهر هنا قول الصوفية: إنها جنَّة معجلة وهي التلذّذ بمناجاتهم مع مولاهم، وهي ألذّ عندهم من كل نعيم، وجنة مؤجّلة وهي المعلومة.
فإن قلت، ما معنى الحديث: إذا مات المؤمن أعطي نصف الجنة، وهل هو
موافق للآية؟
والجواب معناه نصف جنّته المدخرة له، فيفتح له في قبره مِنْ ريحها ونعيمها.
والتلذذ برؤيتها.
وقد وافق الآية، ولا مضادة بينهما، وقد وصف الله الجِنَان في
الواقعة، والرحمن، وهل أتاك حديث الغاشية، وهل أتى على الإنسان، وبَيَّن ذلك سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم أوْضَح بيان.
قال ابن عباس ترجمان القرآن:
الجنات سبع: دار الجلال، ودار السلام، وجنة عَدن، وجنة المأوى، وجنة
الْخُلد، وجنة الفِرْدوس، وجنة النعيم.
وفي بعض الروايات ثمان، وذكر دار القرار.
وقيل الجنان أربع، لأنه ذكر أوَّلاً جنتان، ثم قال بعد:(ومِنْ دُونِهما جَنَّتَان) .
ولم يذكر جنةً خامسة.
فإن قلت: قد قال تعالى: (عندها جَنَّةُ الْمَأوَى) ؟
والجواب: أنَّ جنة المأوى اسم لجميع الجِنَان، يدلّ عليه قوله تعالى: (فلهم
جَنَّاتُ الْمَأوى نزُلاً بما كانوا يعملون) .
والجنة اسم الجنس، فمرة يقال جنة، ومرة يقال جنات، فكذلك جنات
عَدن، وجنة عدن.
(وقعت الواقِعَة) :
اسم من أسماء القيامة، وقد قدمنا جملة أساميها، وهي الواقعة، الصيحة، وهي النفخة في الصور، وقيل الواقعة صخرة بيت المقدس تقَعُ يومَ القيامة، وهذا بعيد.
(وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ) .
هو المغلوب عليه بحيث لا يقدر عليه.
ونبدِّل أمثالَكم معناه نهلككم ونستبدل قوماً غيركم.
وقيل نمسخكم قردة وخنازير.
(ونُنْشِئَكم) :
معناه نبعثكم بعد هلاكِكم.
(في مَا لَا تَعْلمون) .
أي في خِلقة لا تعلمونها على وَجْهٍ لا تصلُ عقولكم إلى فَهْمه.
ومعنى الآية أن الله قادر على بَعْثهم بعد هلاكهم، ففيها تهديد
واحتجاج على البعث.
(وكلَاّ وَعَد الله الحُسْنى) :
أي كل واحد من الطائفتيْن الذين أنْفَقُوا وقاتلوا قَبْل الفتح وبعده.
(وغَرَّتْكم الأمانِيُّ) .
الإشارةُ إلى الكفار والمنافقين، وذلك أنهم كانوا يتمنَّوْنَ وفاةَ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أو هزيمتهم، إلى غير ذلك من الأمانيّ الكاذبة.
(وَلَا يكونوا كالذين أوتوا الكتابَ من قَبْلُ) :
معطوفة على (أن تخْشع) .
ويحتمل أن يكون نَهْياً.
والمراد بها تحذيز المؤمنين من أن يكونوا كالمتقدمين من اليهود والنصارى في طول أملهم وقسوة قلوبهم.
وقد وقعنا فيما حذِّرنا منه، فلا يخفاك ذلك، وإن طول الأمل
يقَسّي القلب، ويُبْعد عن الآخرة، ويكثر الحرص، ويقلُّ القناعة، وهذه موجودة فينا ظاهراً وباطناً.
قال صلى الله عليه وسلم:
" لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ ".
وهل هذا كلّه إلا مِن خلطتهم والتقرب منهم، لأن المرء على دِين خَليله.
وانظر حكاية المحمدي في زمان معاوية لما أن ألْقَتِ الريح مركبهم في جزيرة من جزائر. . .
نزلوا في البر، فأتى ملكهم وعليه كساء ملبّد ورجلاه حافيتان عاري الرأس، فنزل معهم، وقال: ما لكم أيها العرب تطَئُون القمح والشعير تحت أقدامكم، وتغلفون سيوفكم بالذهب والفضة، وتتزيّون بزي اليهود والنصارى في أواني الذهب والفضة، فقال أحدهم: هذا كله من مخالطتهم.
فقال: اذهبوا عني لئلا يصيبني ما أصابكل، وزوَّدَهم وأمرهم بالانصراف.
فقال له أحدهم: أنْتَ ملك هذه الجزيرة، وأنت على هذه الهيئة، فقال: يحقَّ لمن رفعه الله بالنعمة أن يَزْدَاد تواضعاً، وإني قد ملكني اللَّهُ أهْلَ هذه الجزيرة فيحقّ لي ألَاّ أتكبّر عليهم، ثم انصرف عنهم وتركهم.
(وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ) :
ضمير الجمع
يعود على اليهود والنصارى، لأنهم كانوا يحيّونه بقولهم: السامُ عليك يا محمد.
فيرد عليهم بعليكم.
(ويقولون في أنفسهم لولا يُعَذبُنَا الله بما نَقول) :
يعني قولهم: لو كان نبيّاً لعذَّبنَا الله بإذايته، فقال الله:(حَسْبُهم جهنّم يَصْلَوْنها فبئْسَ الْمَصير) .
(ولا نُطِيع فيكم أحداً أبداً) .
أي لا نسمع فيكم قول قائل، ولا نطيع من يأمرنا بخذْلَانكم، ثم كذّبهم الله في هذه الواعد التي وعدوا بها.
فإن قلت: كيف قال: (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ)
بعد قوله: (لَا يَنْصُرُونَهُمْ) ؟
والجواب: يعني على الفرض والتقدير، أي لو فرضنا أن ينصروهم لوَلَّوا
الأدبار.
(وأحْصُوا العِدَّةَ) :
أمر بذلك لما يَنْبَني عليها من الأحكام في الرجعة والسكنى والميراث وغير ذلك.
(وأشْهدُوا ذَوَيْ عدْل منكم) :
هذا خطابٌ للأزواج، والإشهادُ المأمور به هو على الرجعةِ عند الجمهور وقد اختلف فيه: هل هو واجب أو مستحبّ على قولين في المذهب.
وقال ابن عباس: هو الشهادة على الطلاق وعلى الرجعة، وذلك أظهر، لأن الإشهادَ يرفع الإشكال والنزاع، ولا فَرْق في هذا بين الرّجْعَه والطلاق.
ويفْهم من الآية أنه لا يشهد إلا من المسلمين والرجال.
وقيل من الأحرار، فيؤخذ من ذلك ردُّ شهادة العبيد.
(وأقيموا الشهادةَ للَه) :
يحتمل أن يريدَ به القيام بها، فإذا استشْهد وجب عليه أنْ يَشهد، وهو فَرْض كفايةٍ، وإلى هذا المعنى أشار ابن الغرس.
ويحتمل أن يريد إقامتها بالحق دون مَيْل ولا غَرض، وبهذا فسره
الزمخشري، وهو أظهر، لقوله:(لله)، فهو كقوله: (كونوا قَوَّامِين بالقِسْطِ
شهَداء للَه) .
واختلف في أخذ الأجرة عليها وعلى كتب الوثائق.
والمشهور عدم الجواز.
أما من انتصب لها وترك التكسُّب المعتاد لأجلها فجائز له أخْذ الأجرة عليها.
وإلا لم يجد الإنسان مَنْ يشهد له بيسير، وأخذها ممن يحسن كتب الوثيقة كتاباً وعبارة على كتبه وشهادته لا يخْتَلف فيه ويكون له أخْذ الأجرة بما اتَّفقا عليه مِن قبل.
وروي أن بعض الشيوخ أهدى له صِهْرُه أبو زوجته الفقيه أبو علي بن
القداح لبناً فشَربه، ثم اجتمع به بعد ساعة من شربه فتحدثا، فأخبره صِهْرُه أنَّ ذلك اللبن أهداه له فلان بعض الشهود الذين يأخذون الأجْر في شهادتهم، فقام وقاء ذلك اللبن، هكذا كانت حالهم رضي الله عنهم، ونحن على الضد منهم، فأين حالنا من حالهم، نأخذ على كتب الوثائق ما لا يجوز، ونَدعي أنه أجرة على الكتب، وهل هذا إلا مِن تحليل ما حرَّم الله، ورضي الله عن الشيخ الأبيِّ أبي القاسم حيث قال: لأن تغزو على بلاد المسلمين، وتأخذ متاعهم ورقابهم وتبيعه خير من أخذ الأجرة على كتب الشهادة.
وصدق لأن الغازي يعتقد التحريم فتجد قَلْبَه منكسراً، والله عند المنكسرة قلوبهم، والكاتب يدَّعي أنه حقّه، فصاحبُ المكس أفضل منه لما ذكرناه، فبالله أيها الأخ تعال نَنْدب على أنفسنا فيما وقع منا لعلنا تهبّ علينا نفحات القبول، والله المعين على ما نقول.
(ويُدعَوْن إلى السُّجُودِ) :
قد قدمنا تفسيره.
(واهِيَة) .
أي مسترخية ساقطة القوة، ومنه قولهم: دار واهية، أي ضعيفة الْجُدْران.
(وَتِين) .
عِرْق متعلق بالقلب إذا انقطع مات صاحبه.
(وبيلا) :
مفعول به، وناصِبُهُ (تتقون) ، أي كيف تتقون يوم القيامة وأهوالَه إنْ كفرتُم.
وقيل هو مفعول به على أن
يكون كفرتم بمعنى جحدتم.
وقيل هو ظرف، أي كيف لكم بالتقوى يوم القيامة.
ويحتمل أن يكون العاملُ فيه محذوفاً تقديره: اذكروا.
وقوله: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) .
أي اليوم الذي تنفطر السماء بشدة هوْلِه، ويحتمل أنْ يعودَ على الله، أي تنفطر بأمره وقُدْرته.
والأول أظهر.
والسماء مؤنثة، وجاء (مُنْفَطِرٌ) بالتذكير، لأن تأنيثها غير حقيقي أو على الإضافة.
(وَزَر) : ملجأ، بالنبطية.
(وهَّاجاً) : وقاداً شديد الإضاءة.
وقيل الحار الذي يضطرم من شدَّة لهبه.
(واجفة) :
شديدة الاضطراب.
والوَجيف والوَجيب بمعنى واحد.
وارتفع (قلوب) ، بالابتداء وواجفة خبره.
وقال الزمحشري: واجفة صفة والخبر (أبصارها خاشعة) .
(وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) :
هذه الآية مُخْبرة أنَّ السماوات في انقيادها لله حين يريدُ انشقاقَها تفعلُ فعْلَ الْمِطْوَاع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المطاع أنْصَتَ له وأذْعَن ولم يمتنع، كقوله:(أتَيْنا طائعين) ، فجميعُ المخلوقات منقادَةٌ لخالقها إلا نحن، قال تعالى:" أوحيت إلى البحر أن انفلق لموسى، فبات يضطرب من خَوْفي تلك الليلة، وأنتم خاطبْتُكم بكلامي وأمرتكم بأوامري فلم تمتثلوا، قلوبُكم كالحجارة أو أشدُّ قسوة ".
فإن قلت: ما فائدة تكرير هذه الآية في هذه السورة؟
فالجواب: أن كلَّ واحد من الإخبارَيْن معقباته غير ما أخبر به الآخر.
فالأول إخبار عن السماء في طاعتها وانقيادِها، والآخر إخبار عن الأرض بمثل ذلك، وأنَّ كلّ واحدة منهما سمعَتْ وانقادت فانفطرت السماءُ وتشقّقت، وانتثرت نجومها، وانقادت وأُزيلت الجبال عن الأرض فامتدَّتْ وألقَتْ ما تحمله من الأموات، وغير ذلك مما استودعته من المعادن والكنوز، وتخلّتْ عنها