الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى على كلّ واحدٍ لكل يوم طعام مسكين.
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) ، لأنه على كل واحد منهم ذلك.
قاعدة ألفاظ يظن بها الترادف وليست منه
من ذلك الخوف والخشية، لا يكاد اللغوي يفرِّق بينهما، " لا شك أنَّ الخشية أَعْلَى منه، وهي أشدّ الخوف، فإنها مأخوذة من قولهم: شجرة خشية، أي يابسة، وهو فَوات بالكلية.
والخوف من قولهم ناقة خَوْفاء، أي بها داء وهو نَقْص، وليست بفوات، ولذلك خصت الخشية بالله في قوله:(يَخْشَوْن رَبَّهم ويَخَافونَ سوءَ الحسَابِ) .
وفُرق بينهما أيضاً بأنَّ الخشية تكون من عظم المخشى، وإن كان الخاشي
قويًّا، والخوف يكون من ضعف الخائف وإن كان المخوف أمراً يسيراً.
ويدلّ لذلك أنَّ الخاء والشين والياء في تقاليبها تدُلُّ على العظمة، نحو: شيخ للسيد الكبير.
وخيش لما غَلُظ من اللباس، ولذا وردت الخشية غالباً في حقِّ الله، (مِنْ
خَشْيةِ الله) .
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) .
وأما (يخافون رَبهم مِنْ فَوْقهم) ففيه نكتة لطيفة، لأنه وصف الملائكة، ولما ذكر قوتهم وشدة خلقهم عبَّر عنهم بالخوف لبيان أنهم وإن كانوا غلاظاً شداداً فهم بين يديه تعالى ضعفاء، ثم أردفهُ بالفوقية الدالة على
العظمة، فجمع بين الأمرين.
ولما كان ضَعْف البشر معلوما لم يحتج إلى التنبيه عليه.
ومن ذلك الشح والبخل.
والشحّ هو أشدّ البخل.
قال الراغب: الشح: بخل مع حِرْص.
وفرَّقَ العسكريّ بين البخل والضَّن بأن الضن أصله أن يكون
بالعَوَاري، والبخْل بالهبات، ولهذا يقال: هو ضنين بعلمه، ولا يقال بخيل، لأنَّ العلم بالعارية أشبه بالهِبة، لأن الواهب إذا وهب شيئاً خرج عن مِلْكه، بخلاف العارية، ولهذا قال تعالى:(وما هو على الغَيْبِ بضنِين) ، ولم
يَقل ببخيل.
ومن ذلك السبيل والطريق، والأولُ أغلب وقوعاً في الخير، ولا يكاد اسمُ
الطريق يرَاد به الخير إلا مقترناً بوصْف أو إضافة تخلِّصُه لذلك، كقوله تعالى:
(يَهْدي إلى الحق وإلى طريقٍ مستقيم) .
وقال الراغب: السبيل الطريق التي فيها سهولة، فهو أخص.
ومن ذلك جاء وأتى، فالأول يقال في الجواهر والأعيان.
والثاني في المعاني والأزمان، ولهذا ورد في قوله:(ولمنْ جاءَ بهِ حمْل بَعِير) .
(وجاءوا على قَميصه بدَمٍ كذِب) .
(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) .
وأتى في: ً (أتَى أمْرُ الله) ، (أتَاهَا أمْرُنا) .
وأما (وجاء ربك) ، أي أمره، فإن المراد به أهوال القيامة والمشاهدة وكذا (فإذا جاء أجَلُهم) ، لأن الأجل كالمشاهد، ولهذا عبِّر عنه بالحضور في قوله: حضره الموت، ولهذا فَرق بينهما في قوله:(جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ) .
لأنَّ الأول العذاب، وهو مشاهد مرئيّ بخلاف الحق.
وقال الراغب: الإتيان: مجيء بسهولة، فهو أخصّ من مطلق المجيء.
ومنه قيل للسيل المارّ على وجهه أتاويّ، وأتيّ.
ومن ذلك مدَّ وأمدَّ، قال الراغب: أكثر ما جاء الإمداد في المحبوب، نحو:
(وأَمْدَدْناهم بفاكهة) .
والمدُّ في المكروه، نحو:(ونمدّ له مِنَ العذَاب مَدًّا) .
ومن ذلك سقى وأسقى، فالأول لما لا كُلفَة فيه، ولهذا ذكر في شراب
الجنة، نحو:(وسقَاهمْ رَبّهم شَرَاباً طَهورا) .
والثاني لما فيه
كلفة، ولهذا ذُكر في الدنيا، نحو:(لأسْقَيْنَاهم ماء غَدَقا) .
وقال الراغب: الإسقاء أبلغ من السقي، لأنَّ الإسقاء أنْ يجعل له ما يستقي منه، ويشرب.
والسقي أن يعطيه ما يشرب.
ومن ذلك عمل وفعل، فالأول لما كان مع امتداد زمان، نحو: (يَعْمَلُون له
ما يشَاء) .
(مما عمِلَتْ أيدينا) ، لأنَ خلق الأنعام والثمارِ والزروع بامتداد.
والثاني بخلافه، نحو:(كيف فعل رَبُّكَ بأصحاب الفيل) .
(كيف فَعَلَ رَبُّكَ بعَاد) .
(فَعَلْنَا بهم) ، لأنها إهلاكات وقعت من غير بطء.
(ويَفْعَلُون ما يُؤْمَرون) ، أي في طرفة عين.
ولهذا عبر بالأول في قوله: (وعَمِلوا الصالحاتِ) ، حيثُ كان المقصود المثابرة عليها لا الإتيان بها مرة أو بسرعة.
وبالثاني في قوله: (وافْعَلُوا الْخَيرَ) ، حيث كان بمعنى سارعوا، كما قال:(فاسْتَبِقوا الخيراتِ) .
وقوله: (والذين هم للزكاة فاعِلون) ، حيث كان القَصْد يأتون
بها على سرعة من غير توان.
ومن ذلك القعود والجلوس، فالأوّل لما فيه لبث، بخلاف الثاني، ولهذا يقال
قواعد البيت، ولا يقال جَوَالسه للزومها ولبثها، ويقال جليس الملك ولا يقال قَعيده، لأن مجالس الملوك يستحب فيها التخفيف، ولهذا استُعمل الأول في قوله:(مَقْعَدِ صِدْقٍ) ، للإشارة إلى أنه لا زوَال له، بخلاف:
(تَفَسَّحُوا في المجالس) ، لأنه يجلس فيه زماناً يسيراً.
ومن ذلك التمام والكمال، وقد اجتمعا في قوله: (أكْمَلْتُ لكم دِينَكم
وأتممْتُ عليكم نعْمتي) ، فقيل الإتمام لإزالة نقصان الأصل، والإكمال لإزالة نُقْصان العوارض بعد تمام الأصل، ولهذا كان قوله تعالى:
(تلك عَشَرةٌ كامِلة) ، أحسن من " تامة "، لأنَّ التمام من العدد
قد عُلم، وإنما نفى احتمال نَقْص في صفاتها.
وقيل: تَتمَ يشعر بحصول نقْص قبله،
وكمل لا يشعر بذلك.
وقال العسكري: الكمال اسم لاجتماع أبعاض الموصوف به.
والتمام اسم للجزء الذي يتم به الموصوف، ولهذا يقالُ للقافية تمام البيت، ولا يقل كماله.
ويقولون البيت بكماله أي باجتماعه.
ومن ذلك الإعطاء والإيتاء! قال الخويي: لا يكاد اللغويون يفرقون بينهما.
وظهر لي بينهما فرق ينبئ عن بلاغةِ كتاب الله، وهو ان الإيتاء أقوى من
الإعطاء في إثبات مفعوله، لأنَّ الإعطاء له مطاوع، تقول: أعطاني فعطوتُ، ولا يقال في الإيتاء: أتاني فأتيت، وإنما يقال آتاني فأخذت.
والفعل الذي له مطاوع أضعفُ في إثبات مفعوله من الذي لا مطَاوع له، لأنك تقول: قطعته فانقطع، فيدلّ على أنَّ فعل الفاعل كان موقوفاً على قبول في المحل، لولاه ما ثبت المفعول.
ولهذا يصح قطعته فما انقطع.
ولا يصح فيما لا مطاوعَ له ذلك، فلا يجوز ضربته فانضرب، أو فما انضرب، ولا قتلته فانقتل ولا فما انقتل، لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعولُ في المحل، والفاعل مستقل بالأفعال التي لا مطاوعَ لها، فالإيتاء أقوى من الإعطاء.
قال: وقد تفكرت في مواضع من القرآن فوجدتُ ذلك مراعى، قال تعالى:
(تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) ، لأن الملك شيء عظيم لا يعطاه إلا مَنْ له قوة، وكذا قوله:(يؤْتي الحكمةَ مَنْ يشاء) ، (آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي)، لعظم القرآن وشأنه: وقال: (إنّا أعطيناكَ الكوثر) ، لأنه مورود في الموقف مرْتحل عنه قريباً إلى منازل العزّ في الجنة، فعبَّر فيه بالإعطاء، لأنة يُترك عن قرب، وينتقل إلى ما هو أعظم منه.
وكذا (يعْطيكَ رَبُّكَ فَترْضَى) ، لما فيه من تكرر الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كلّ الرضا، وهو مفسر أيضاً بالشفاعة، وهي نظير الكوثر في الانتقال بعد قضاء الحاجة منه.
وكذا (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) ، لتكرّر حدوثِ ذلك باعتبار الموجودات.
حتى يعطوا الجِزْية، لأنها موقوفة على قبول - منا، وإنما يعطونها عن
كُرْه.