الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فمن اعْتَدَى بعد ذلكَ فَلَه عذَابٌ أليم) ، أي قتَلَ قاتلَ وليه بعد أخذ الدية منه فله القصاص منه.
وقيل عذاب الآخرة.
(فمن تطَوَّع) ، أي صام ولم يأخذ بالفطر والكفارة.
وذلك على القول بالنسخ.
وقيل تطوّع بالزيادة في مقدار الطعام، وذلك على القول بعدم النسخ.
(فمن شَهِد منكم الشهرَ فلْيَصمه) ، أي كان حاضراً غير مسافر.
والشهر منصوب على الظرفية.
والمراد به شهر رمضان المتقدم.
(فَلْيَسْتَجِيبوا لي) ، أي فيما دعوتهم إليه من الإيمان والطاعة
(فاعْتَدوا عليه) :
تسمية العقوبة باسم الذنب، أي قاتلوا من قاتلكم، ولا تبالوا بحرمة صدّكم عن مكة.
(فما اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي) :
وأقلّ ذلك شاة تذبحونها.
(فمَنْ كان مِنْكم مَرِيضاً) :
نزلَت في كَعب بن عُجْرَة لما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لعلك تؤْذيك هوَامّ رأسك، فقال: نعم.
فقال له صلى الله عليه وسلم، احلق رأسك، وصمْ ثلاثة أيام، أو أطْعِم ستة مساكين، أو انْسك بشاةٍ.
فمعنى الآية: إنَّ مَنْ كان في الحج واضطره مرضٌ أو قمل إلى حَلْق رأسه قبل
يوم النَّحْر جاز له حَلْقه، وعليه صيامٌ، أو صدقة، أو نسك، حسبما فسّر في الحديث.
وقاس الفقهاء على حَلْق الرأس سائرَ الأشياء التي يمنع الحج منها، إلا الصيد
ووَطء النساء.
وقاس الظاهرية ذلك على حلق الرأس، ولا بد في الآية من مضْمَر لا يستقلّ
الكلام دونه، وهو المسمى فَحْوى الخطاب، وتقديره:(فمن كان منكم مريضاً أو به أذًى مِنْ رأسه) فَحَلَق رأسه فعليه فِدْية.
(فاَذْكُروني أَذْكرْكمْ) : قد قدمنا مرارا أنَّ منزلة العبد
من الله حيث أنزله العبد، ولهذا لما قال داود: يا رب، كنْ لسليمان كما كنْتَ لي.
فأَوحى اللَهُ إليه: قل له يكون لي كما كنْتَ لي أكون له كما كنتُ لك.
وقد أمرنا الله بهذا في آياتٍ من كتابه، قال تعالى:(وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) .
(فافسَحُوا يَفْسح الله لكم) .
(إنْ تَنْصُروا الله ينصركم) .
(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) .
(هل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان) .
وقد اختلفت الأقاويل في قوله: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) - نحواً من أربعين قولاً، فإن ذكرته بالإيمان يذكرك بالجنة، لقوله:(وعد الله المؤمنين) .
وإن ذكرته بالاسترجاع يذكرك بالرحمة.
وإن ذكرته بالاستغفار يذكرك بالمغفرة.
وإن ذكرته بالإنفاق يذكرك بالْخَلَف.
وإن ذكرته بالشكر يذكرك بالزيادة.
وإن ذكرته بالصبر يذكرك بالأجر.
وإن ذكرته بالتقوى يذكرك بالفرج.
وإن ذكرته بالتوكّل يذكرك بالكفاية.
وإن ذكرته بالتوبة يذكرك بالقبول.
وإن ذكرتَه بالدعاء يذكرك بالإجابة.
وإن ذكرته بالمجاهدة يذكرك بالهداية.
وإن ذكرته بالطاعة يذكرك بالمودة.
وإن ذكرته بالسجود يذكرك بالقرب.
وإن دْكرته بالإحسان يذكرك بالرحمة.
وإن ذكرته بالاستقامة يذكرك بالأمْن.
وإن دْكرته بالقَرْض يذكرك بالتضعيف.
وإن ذكرته بالفرائض يذكرك بالفلاح.
وإن ذكرته بالخشية يذكرك بالفوز.
وإن ذكرته بالاعتصام يذكرك بالنصر.
وإن ذكرته في نفسك ذكرك في نفسه.
وإن ذكرتَه في مَلَأ دْكرك في ملأ خير مِنْ ملَئك.
وإن ذكرته بالنوافل ذكرك بالمحبة.
وإن تقرَّبت إليه شِبْراً تقرّب منك باعاً.
وإن أتيته مَشْياً أتاك هَرْوَلة.
وإن أتَيتَه بقرَاب الأرض خطيئة ولم تشرِك به أتاك بمثلها مغفره، وهو الغفور الرحيم.
وفي التوراة: يا ابن آدم أظهرتَ الذنوب معي وأخفيتها عن الخلق، وأبديت
الحسنات لِخَلْقي ولم تخْلِصْها لي، وأكلْتَ رزقي ولم تشكرني، وبارزتَني بالمعاصي ولم تَستَحِ منّي، ولم تحذرني، أمّا ما أظهرت من الذنوب فقد غفرتها لك،
وما أتيْتَ من الحسنات بغير إخلاص فقد قبلْتها منك، وما أكلت من رزقي ولم تشكرني فلم أَحرمك الزيادة، وما بارزتني به ولم تستح مني فأنا أستحي أن أعذِّبك بعد شهادتك لي بوَحْدانيتي، وأنا الغفور الرحيم.
فتأَمَّلْ أَيها العاصي هذه الكرامات التي أكرمك بها، دعاك أولاً بنفسه بقوله:
(واللَهُ يدعو إلى دار السلام) ، من دارٍ أولها بكاء، وأوسطها عَناء، وآخرها فَناء، إلى دارِ أولها عطاء، وآخرها لقاء، وهي أحسن البنيان المسدس، فإن اللهَ خلقك مسَدَّساً! فخمسة منها يدعوك إلى خمس جهات واللَه سادسهم: يدعوك من تلك الجهات كلِّها إليه، فالأمَل يدعوك من بين يديك، والشيطان يدعوك من خَلْفك، والهوى يدعوك عن يسارك، والشهوة عن يمينك، والدنيا تَحْتَك! والله من فوقك، فذلك قوله:(ولا خمسة إلا هو سادِسهم) .
فإن كانت همتك في دار الأشجار والبساتين والأنهار فقد دعاكَ لذلك
بقوله: (جنات عَدْن تجري مِنْ تحتها الأنهار) .
وإن كانت همتك الطعام والشراب فقد دعاك لذلك بقوله: (كلوا واشْربوا) .
(يُطَافُ عليهم بصِحافٍ مِنْ ذَهَب) .
(ولَحْمِ طَيْرٍ مما يشتهون) .
وإن كانت همتك التمتع بالنسوان فقد دعاك لذلك بقوله:
(وحورٍ عِين كأمثال اللؤلؤ المكنون) ، لو تفلَتْ إحداهنّ على البحر لعَذب.
ولو اطلعت إحداهن على الدنيا لأضاء ما فيها.
وإن كانت همتك اللباس فقد رغبك بقوله: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) .
وإن كانت همتكَ الغلمان والولدان فقد رَغبَك بقوله: (وِلْدَان مخَلَّذونَ) .
(غلمان لهم كأنّهم لؤلؤ مَكْنون) .
وإنْ كانت في الشرب والخمور فقد ذكر لكَ أنَّ فيها أنهاراً من خَمْرٍ لذة
للشاربين.
وإن كانت همتك رضاه والنظر إليه فقد دعاك في مواضع من كتابه.
وحرَّضكَ عليه، فما ظنّك بربٍّ كريم يدعوكَ للضيافة وتقبّل دعوته، أتراه لا
يرضيك، وقد بعث إليكَ الملائكة تبشِّرك حين نَزْعك، وأعطاك في حياتك