الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشكر نعمةٌ أخرى، لكنه سبحانه يعطي الكثير، ويَرْضى باليسير.
، فاللسان ترجمان القلب.
ولو جعل الله في قلبك رؤية هذه النعم لحركته فما يدفَع عنك
النَقَم، أعجبتكَ نفسك، فرضيت أفعالها! ألم تعلم أنَّ أصْل كلِّ معصية الرضا عن النفس.
سرحت لسانك في أعراض إخوانك، وهل خلقه لك إلا لتسبِّحه، أو
تذكر نِعَمه، أو تستغفر من ذنوبك الصادرة منك! فإنّا للَه وإنّا إليه راجعون
على مصابنا وعدم اهتبالنا بما كسبته جوارِحُنا، نسأله سبحانه السلامة والعافيةَ في ديننا ودنيانا، بجاه نبينا وحبيبنا.
(فاحشة ومَقْتاً) .
قد قدمنا أن الفاحشةَ معناها الزنى، وزاد في هذه الآية (مَقْتاً) ، لأنَ تزوّجَ الرجل زوجة أبيه أشدّ من الزنى.
(فَتَيَاتكم المؤمنات) : هنَّ الإماء.
ويجوز نكاحهن إذا لم يجد طَوْلاً للمحصنات.
(فانكحوهنَّ بإذْن أهلهن) ، أي ساداتهنَّ المالكين لهن.
(فإذا أُحْصِنَّ) .
معناها إذا زنت الأمَة بعد أن أحصنت فعليها نصف حدّ الحرة.
(فَتِيلا) : هو الخيط الذي في شقّ نواة التمرة.
وقيل: ما يخرج بين إصبعيك وكفّيك إذا فتلتهما، وهو تمثيل وعبارة عن أقل الأشياء، فيدل على الأكثر بطريق الأولى.
(فَردوه إلى الله والرسول) :
الردُّ إلى الله هو النظر في كتابه.
والرد إلى الرسول هو سؤائه في حياته، والنظر إلى سنَّته بعد وفاته.
(فَمِنْهمْ مَنْ آمَن به) .
معناها أنَّ مِنَ اليهود مَنْ آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بالقرآن المذكور في قوله:(مصدّقاً لما معكم) .
أو بما ذكر من حديث إبراهيم.
فهذه الضمائر في (به) .
وقيل منهم، أي من آل إبراهيم، ومنهم من كفر كقوله:(فمنهم مهْتَدٍ وكثير منهم فاسقون)
(فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) .
معناها: كيف يكون حالُهم إذا عاقبهم الله بذنوبهم، ويقولون: لم نرد إلا
مُوافَقتك يا محمد، مع أنهم كاذبون في قولهم، فانظر هذه الملاطفة الواقعة مِنْ أمْرِ اللَه لرسوله في شأنهم.
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) :
لا هنا مؤكدة للنفي الذي بعدها.
ومعنى الآية أنهم لا يؤمنون حتى يرضوا بحكم النبي صلى الله عليه وسلم.
ونزلت بسبب المنافقين الذين تخاصموا.
وقيل بسبب خصام الزبير مع الأنصاريّ في الماء الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن كان ابن عمتك ".
وحكمها عام.
(فأولئك مع الَّذِين أَنْعَمَ اللَّهُ عليهم.. .) .
أشار بها إلى أنَّ مَنْ أطاع الله ورسوله يحشر معهم.
وهي مفسرة لقوله: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) .
(فانْفِروا ثُبَاتٍ) ، أي اخرجوا للجهاد جماعات متفرقين، أو جماعات.
وفيها إشارةٌ إلى السرايا، وأنَ مَنْ خرج بها فهو كالمجاهد، ولا يُقال إنَّ المجاهد لا يكون إلَاّ مع الإمام، وقد صحّ أنه صلى الله عليه وسلم قال:" لولا أن أشقّ على أمتي ما قعدْتُ خِلَاف سَرِيّة ".
وقد كان صلى الله عليه وسلم يبعث السرايا ويحرِّض عليها.
وقد وصف من تخلّف عنها بأنه من المسْتهزئين.
(فبما نَقْضِهم ميثاقَهم) :
(ما) زائدة للتأكيد، والباء تتعلق بمحذوف تقديره: بسبب نقضهم فعلنا ما فعلنا، والباء تتعلق بقوله:(حَرَّمْنَا عليهم) ، ويكون (فبِظُلمٍ) على هذا بدلاً من قوله (فبما نَقْضِهم) .
(فآمِنُوا خَيراً لكم) :
انتصب (خيراً) هنا، وفي قوله:(انتهوا خيراً لكم) - بفعل مضمر تقديره: وأْتُوا إيماناً خيراً لكم.
هذا مذهب سيبويه، وعلى هذا فنصبُه على النعت لمصدر محذوف.
وقال بعض الكوفيين: هو خبر كان المحذوفة، تقديره يكن الإيمان خيراً لكم.
(فمن اضْطرَّ) :
راجع إلى المحرمات المذكورة قَبْلَ هذا: أباحها اللَّهُ عند الاضطرار.
(فاغْسِلوا وجوهَكم وأَيدِيَكُمْ إلى المرافق) :
ذكر الله في هذه الآية صفةَ الوضوء، وذكر فيها أربعة أعضاء: اثنان محدودان وهما اليدان والرجلان، واثنان غير محدودَيْن وهما الوجه والرأس.
فأما الحدودان فتغسل اليدان إلى المرفقين، والرِّجلان إلى الكعبين وجوباً بإجماع، فإنَّ ذلك الحد هو الذي جعل الله لهما.
واختلف هل يجب غسل المرفقين مع اليدين وغسل الرجلين مع الكعبين أم
لا، وذلك مبني على معنى إلى، فمن جعل إلى بمعنى مع في قوله:(إلى المرافق)
و (إلى الكعبين) - أوجب غسلهما، ومن جعلها بمعنى الغاية لم يوجب غَسْلهما.
واختلف في الكعبين: هل هما اللذان عند معقد الشِّراك لذكرهما بلفظ
الجمع، كما ذكر المرافق، لأنه على ذلك في كل رجل كعب واحد.
وأما غير المحدودين فاتّفق على وجوب إيعاب الوَجه، وحَدّه طولا مِنْ أَوَّل
منابت الشعر إلى آخر الذقن واللحية، وحدّه عَرْضاً من الأذن إلى الأذن.
وقيل من العِذار إلى العِذَار.
وأما الرأس فمذهب مالك وجوب إيعابه كالوجه.
ومذهب كثير من العلماء جواز الاقتصار على بعضه، لما روي في الحديث أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته، ولكنهم اختلفوا في القَدْرِ الذي يجزئ على أقوال كثيرة.
وسِرّ الأمر في غسْل هذه الأعضاء في الوضوء أن الله أكرم هذه الأمة في
الجنة بالخواتم والخلاخل والأسورة والتِّيجان والنظر إلى الله، فأمرهم بغسل هذه الأعضاء، ليطهرهم من الذنوب الواقعة منها، فيلقوه ولا ذَنْب عليهم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:" إني لأعرف أمتي يومِ القيامة، لأنهم غرّ محجلون من آثار الوضوء ".
فلا يحافظ عليه إلا مؤمن، لأن مفتاحَ الجنّة لا إله إلا الله، ومفتاح الصلاة
الوضوء: قال الله تعالى: (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) .
فانظر كيف سوَّاهم مع رسول الله، لقوله: (إنما يريد الله ليذْهِبَ عنكم
الرِّجْسَ أَهلَ البَيت) .
(ويتم نعمته عليك) .
فإن قلت: لم مُنِع المتيمم من مسح رأسه؟
والجواب أنَّ وَضْعَ التراب على الرأس علامة الفراق من الحبيب، والله تعالى
لا يحب فراقهم، فلم يجعل لهم ما يتفاءلون به على الفراق.
(فَاطَّهَّروا) :
هذا أَمرٌ بالغسل لمن وجب عليه، وفيه إجمال، بخلاف الوضوء، فإنما فصله لأنه من خصائص هذه الأمة، ولم يكونوا يعرفونه، بخلاف الغسل، فإنما علموه مما تقدم.
وبهذا أمر الله الأمم المتقدمة، وسِره ليذوق الإنسان وبالَ ما أصابه من اللذة في الوقاع، وأن الدنيا لا تَخْلو من كَدَرِ، وفيه معنى النظافة، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن تمرّ عليه جمعة إلا ويغتسل فيها مرةً، مع أنه يكفر السيئات، ويرفع الدرجات، وقد صحّ أنه يكفر بعدد شعر جسده من السيئات.
فإن قلت: ما معنى الحديث: " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قَبلي " لَمّا غسل الأعضاء ثلاثاً، مع قولكم: إنه من خصائص هذه الأمة؟
والجواب أنه كان من خصوصية الأنبياء لا أممهم، لما قدمناه من أنَ الله أراد
بذلك تطهيرهم، ولهذا تقول الأنبياء والأمم يوم القيامة: كادت هذه الأمة أن تكون كلها أنبياء، فما أشرفها من أمة نبِيٍّ كريمٍ!
(فأغريْنا) ، أي أثبتنا وألصقنا، وهو مأخوذ من الغراء.
(فَترَةٍ) : سكون وانقطاع، لأنه صلى الله عليه وسلم بُعث بعد انقطاع
الرسل، لأنها كانت متواترة، كلّما جاء أمةً رسولها كذّبوه إلى وقت رَفْع عيسى، فانقطعت الرسل إكراماً لهذا النبي الكريم.
(فَلِمَ يعَذَبُكم بِذنوبِكم) :
رد عليهم، لأنهم قد اعترفوا أنهم أبناء الله وأحبّاؤه، فردّ الله عليهم أنه يعذبهم وينتقم منهم، والأبُ لا يعذّب ولده، والحبيب لا يرضى بعذاب حبيبه، ففيه تبكيتٌ لهم، وإشارة إلى أن من أحبَّه يرفع درجته، ولا يكون العبد محبوباً عند مولاه إلا بعد الإخلاص في العبودية، والقيام بحقوق الربوبية.
وأمّا من يدَّعي المحبّة وهو عَريّ عنها فهو كاذِبٌ في دَعْواه، غَيْر واصل لما
يتمنّاه.
واعلم أن العَبْدَ مع الله على ثلاثة أوجه:
حال يكون للعبد عليه.
وحال يكون للَه على العبد.
وحال يكون على رأس العبد شاء ذلك العبد أو أَبى.
فأما الحال التي تكون للعبد على الله فهي حال الشدة والمحنة، فللعبد على اللَه الأجر والعوض، قال تعالى:(ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظَمَأ ولا نَصَب) .
وأما الحال التي تكون للَه على العبد فهي حال النعمةِ والرخاء، ولله على العبد الشكر والنعمة، قال تعالى:(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) .
وقال: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) .
وأما الحال التي تكون على رَأس العبد فهي حال القضاء والقدر، قال تعالى:
(قل لَنْ يُصيبنا إلَاّ ما كتَب الله لنا) .
وإذا علمت هذا فمرادُ الله منك في حال النعمة - الشكر، ومجازيك بالزيادة:(لَئِنْ شَكَرْتمْ لأَزِيدَنكم) .
وفي حال النقمة الصبر، ومجازيك بالثواب الجزيل (وجَزَاهمْ بما صَبَروا جَنَّةً وَحَرِيرا) .
وفي حال الطاعة - الإخلاص، ومجازيك بالقَئول:(فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) .
وفي حال المعصية التوبة والرجوع إليه، ومجازيك بالمغفرة.