الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما طلبوا الآية، لأنهم لم يعتدّوا بما أتى به، فكأنه لم يأت بشيء عندهم
لجحدهم وعنَادهم، وأيضاً فإنما طلبوا آيةً تضطرهم إلى الإيمان من غير نظَر ولا تأمل.
(وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهم ببعض) :
أي ابتلينا الكفّار بالمؤمنين، وذلك أنَّ الكفار كانوا يقولون: هؤلاء العبيد والفقراء مَنَّ الله عليهم بالتوفيق للحق والسعادة دوننا، ونحن أشرف منهم وأغنياء، وكان هذا الكلام منهم على جهة الاستبعاد لذلك.
(وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .
قد قدمنا مِرَاراً أنه صلى الله عليه وسلم معصوم من الشيطان، وكيف لا وشيطانه أسلَم، كما قال صلى الله عليه وسلم:" إن الله أعانني عليه فأسلم "، فالخطاب على هذا لأمته.
ومعنى الآية إن أنساك الشيطان النهي عن مجالستهم، فلا تَقْعد بعد أن تذكر
النّهيَ معهم.
وإما مركبة من إن الشرطية وما الزائدة.
(وما علَى الَذِين يتَّقون مِنْ حسابِهم مِنْ شَيْءٍ) :
الضمير في (حسابِهم) للكفار المستهزئين.
والمعنى ليس على المؤمنين شيء من حساب الكفار
على استهزائهم وضلالهم.
وقيل: إن ذلك يقتضي إباحةَ جلوسِ المؤمنين مع الكافرين، لأنهم شقَّ عليهم النهى عن ذلك، إذ كانوا لا بد لهم من مخالطتهم في طلب المعاش وفي الطَّوَاف بالبيت وغير ذلك، ثم نسخت بآيةِ النساء وهي:
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) .
وقيل: إنها لا تقتضي إباحةَ القعود.
(وليكون من الموقِنين) :
يتعلق بمحذوف تقديره: نرِيه
ملكوتَ السماوات والأرض ليكون عالماً من الموقنين.
(وتلك حُجتنَا) :
إشارة إلى ما تقدم من استدلاله واحتجاجه.
(وَكيل) : كفيل بالأمور.
وقيل: كاف.
(وأعْرض عن المشركين) :
إن كان معناه عما يدعونكَ إليه أو عن مجادلتهم فهو محْكم، وإن كان أعْرِض عن قتالهم وعقابهم فهو منسوخ.
وكذلك: (ما أنا عليكم بحَفِيظ) ، و (بوكيل) .
(وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا) :
ردّ على الكفار، لأنهم قالوا: اعبد آلهتنا ونحن نتكفل لك بكل تَبَاعة تتوقعها في دنياك وأخراك، فنزلت الآية، أي ليس كما قلتم، وإنما كسب كلّ نفس عليها خاصة.
(وسوس) الشيطان للإنسان: ألقى في نفسه.
والوسواس: الشيطان.
(ونَزَعْنَا ما في صدورهم مِنْ غِلً) :
أي من كان في صدره غلّ لأخيه في الدنيا نُزع منه في الجنة، وصاروا إخواناَّ على سرر متقابلين.
وإنما عبر بلفظ الماضي في (نزعنا) وهو مستقبل لتحقق وقُوعه في المستقبل.
حتى عبّر عنه بما يُعبّر به عن الواقع.
وكذلك كل ما جاء بعد هذا من الأفعال الماضية اللفظ.
، وهي تقع في الآخرة، كقوله:(ونادَى أصحابُ الجنة) .
فإن قلت: أي فائدة لزيادة (إخواناً) ، في آية الحجر؟
والجواب: لأنها نزلت في الصحابة رضوان الله عليهم، وما سِوَاها عام في
المؤمنين.
- وذكر أنَّ ابْناً لطلحة كان عند علي بن أبي طالب، فاستأذن الأشْتَر
فحبسه مدةًْ - ثم أذن له، فقال: أَلهذا حَبسْتَني.
وكذلك لو كان ابن عثمان حبستني له، فقال علي نعم، إني وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم:(ونَزَعْنَا ما في صدورهم من غِل إخواناً على سُرُرٍ متَقابلين) .
قال بعضهم: فقال له بعض مَن حضر: كلا، اللهُ أعدل مِنْ أن يجمعك
وطلحة في مكان واحد.
فقال: لمَنْ هذه الآية لا أمَّ لك! وإنما قال له هذا القائل هذا لأن طلحةَْ قاتلَ عليًّا مع معاوية.
والآية تدلّ على أن الغِل لا ينَافي التقوى، والتقوى مساويةٌ للإيمان، وليست
أخص منه، بخلاف غيرها من الآيات، إذ لو كانت أخصّ منه لما كان في
قلوبهم غل.
فإن قلت: لعل الغل في قلوبهم وهم يجاهدونه؟
فالجواب: الآية تأبى ذلك، وهذه صفةٌ ممدوحة، وهذا إن كان النزع في
الآخرة، وإن كان في الدنيا فلا كلام.
(وأنا أَوَّلُ المؤمنين) :
أي أول قومِه، أو أول زمانِه، أو على وجه المبالغة في السبْق إلى الإيمان.
(واتَّخَذَ قَوْم موسى مِن بعده) ، أي من بعد غيبته في الطور.
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) .
قد قدمنا أن الوحي ينقسم إلى أقسام، وهذا أحدها، وهو الإلهام، أو يكون بمعنى الأمر بأن ربك أوحى لها.
ومما يدل على أن هذا إلهام قوله: (ثم كلِي من كل الثمرات) .
وأتى بصيغة الأمر مبالغة في قصدها إلى ذلك، كما اشترط في المأمور القَصد
إلى الافتعال.
وقيل: إنه أمْرٌ حقيقة، أي ثم قال لها:(كلِي من كل الثمرات) .
قال ابن الخطيب:
وبيتُها الذي صنعته مسدّس، وقام البرهان في علم الهندسة على أنه
أحسن الخواتم، لأنه مفصّل الزوايا، ليس بينها خلل، بخلاف المربع والمثمن.
وذلك الاتصال وعدمه لا يظهر إلا لمن قرأ ست مقالات من كتاب إقليدس.
والشكل المسدس أقرب إلى الاستدارة كدائرة الضابط، قال: وفي بنائها حكمةٌ عظيمة، وهو أنها تنسج ملأ البيت الأعلى على ملأ البيت الأسفل، وهذا دليلٌ على أنه لا يشترط في الإحكام والإتقان علم الصانع.
ذكره في المحصل.
فإن قلت: هل ترْعَى النَّوْرَ أو ما ينزل عليه وهو الترنجبيل؟
فالجواب: هو الظاهر، فإنه لا يظهر لرعيها في النور أثر.
والظاهر الأول لاختلاف طَعْم عسلها بالحلاوة والمرارة بحسب ما ترعى، ولو رَعَت الترنجبيل فقط لاتَحَدَ طعْم عسلها.
وأيضاً فالترنجبيل عند الأطباء بارد، والعسل حار.
فإن قلت: يكتسب الحرارة من النحل؟
قلنا: نجد عسل السعتر والخلنج أشدّ حرارة من عسل الإكليل، ولو كان منها لما اختلف.
فإن قلت: قد قال تعالى: (فيه شفاءٌ للناس) ، فهل هو عام
أو مطلق؟
فالجواب: ليس على العموم، ولأنَّ الأمزجة مختلفة، فإنما هو شفاء لمن مازجه
البلغم أو السوداء في بعض الأحيان.
فإن قلت: كيف يكون شفاءً لصاحبِ الصفراء والسوداء مع اختلاف
أمزجتهما، لأنه إن كان عندكم يقمع الصفراء فلا يقمع نقيضها؟
وأجيب: بأنّ الترياق يقوي الروح، فتتقوى الغريزة النفسية، فتغلب على
الطبيعة المزاجية، فتقمعها، فصحَّ بذلك كونه دواءا للشيء ونقيضه.
وقال أرسططاليس: إنه شفاء من مائة داء خاصّة.
(وعلى اللهِ قَصْد السبيلِ) :
يعني أن من الناس مَنْ هداه الله بالدلائل العقلية، فاهتدى، ومنهم من ضَلّ فجار وخالَفها.
(ومنه شَجَرٌ) :
يريد به كَلأ الأرض، ولفْظ الشجر مشترك بين الجزء والكل.
وقال عكرمة: الشجر ما ليس له ساق.
(وسَخَّر لكم الليلَ والنَّهار) .
في تقديم الليل ما يدلّ على أنه عدم، والعدم سابق على الوجود، أو لأن العرب إنما يؤَرخون بالليالي، وأول الشهر ليلة، وفي هذا دليل على أن الليل أفضَل من النهار، لأن التقديم يُؤْذِن بالفضل، ومعراج الخليل، وإدريس، وتكليم موسى الكليم، وعيسى