الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحد، وقد خالف فيها المجوس الذين عبدوا الشمس وإنْ عبدوها فلم ينكروا
البَعْثَ بدليل: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) .
والدهرية، قالوا:(مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا) .
وكان بعضهم يقول في هذه الآية: انظر كلامَهم، جعلوا أنفسهم مظروفين في
الشك، والشكَّ ظرفاً لهم، وكلامُ الرسل جعلوا الشك مظروفًا في أمر الله، أي في شأن الله، وجعلوا شأن الله ظرفاً له، وقالوا: هذا لوجهين: نَقْلِي وعقلي، أما النقليّ فلأنَّ الظرف أوسع من الظروف، فالشكّ محيط بالكفّار من جميع الجهات، وهم مفتقرون إليه، إذ المتحيز مفتقر إلى الحيِّز، والحالّ مفتقر إلى المحلّ لا بدَّ منه.
وقول الرسل: (أفي الله شَكٌّ) - جعلوا الشكَّ متحيزاً حالاًّ في أمر
الله، فأمْر الله أعْلَى منه وأكبر، فهو حَيِّز له، فهو إشارةٌ إلى تقليل الشكّ، أي لا يتصّور أن يقعَ شكّ في الله بوَجْه وإن قلَّ، فإذا أنكروا أن يكون أمر اللَه حيِّزاً للشك مع قِلته فأحْرَى أن يكون الشك حَيِّزاً له مع كثرته.
فإن قلت: أضاف الرسلَ إليهم ولم يقل رسلنا؟
قلت: تنبيهاً على أنَّ الرسل منهم بحيث يعلمون حالَهم، وأنهم لم يَعْهَدوا منهم كذباً، ولا علموا أنهم خالطوا سحَرةً، فدَل على أن ما جاءُوهُمْ به حقّ.
قال الفخر في المحصل: مذهبُ أهل السنة أنَّ الرسل ليس في خِلقتهم وبِنْيتهم زيادة علمية، ولا خاصية ذاتية اختصوا بها عنا، وما وُجد منهم من القوة على الوَحْي وغير ذلك فأمور عَرَضية، كالشجاعة للبطل.
ومذهبُ الفلاسفة أنَّ بنْيتهم مخالفةٌ لنا، ولا بدّ فيهم من خاصية ذاتية اختصُّوا بها عنا.
(قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ) :
لم يثبت الخافض في الأولى وأثبته هنا، لأنها إما مقالة خاصة أو هي جواب عَن قولٍ صدرَ منهم، والمقالة الأولى لهم ولغيرهم.
وقيل: لما كان وجود الله تعالى أمراً نظريًّا ليس بضروري، وكَوْن الرسل
مثلهم أمراً ضروريًّا لا يحتاج إلى نظر لظهوره، فكأنه يقول: ما قالوا هذا إلا لهم
لا لغيرهم لغَفْلَتهم وغَبَاوتهم وجَهْلهم، كما أنً القائل: السماء فوقنا والأرض تحتنا
- ما يخَاطب بها إلا مَنْ هو في غاية الجهل والغَباوة.
وأجاب بعض النجباء أن قوله: (أفِي الله شكٌّ) - خطاب لمن عاند فيه، وهو
كالعاند في الأمر الضروري، فلذلك أسقط المجرور، لأن الْمجيبَ عن ذلك
يجيب به من حيث الجملة، ولا يُقْبِل بالجواب على المخاطب لغباوته عنده
ومعاندته، فيجيب وهو معرض عنه، بخلاف قولهم:(إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ، فإنه تقرير لمقالتهم، وتثبيتٌ لها، والمقر لمقالة خَصْمه
يُقبل عليه بالجواب، لأنه لم يبطل كلامه بالإطلاق، بل يقرِّرُه ويزيد فيه زيادات تبطل دعوى خصمه.
فإن قلت: لم جمع السبل في قوله تعالى: (وقد هَدَانا سُبلَنا) ، وقد ذكرتم غير مرة أن طريق الهدى واحدة؟
فالجواب أنه على التوزيع، فَلِكلّ رسول طريقٌ باعتبار شريعته وأحكامه.
قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) .
(قال إبراهيم رَبِّ اجعَلْ هذا البلد) : المراد به مكة.
وهذا الدعاءُ وقع من إبراهيم حين خلَّف هاجر (بِوَادٍ غَيْر ذِي زَرْع) ، فنفى القليل والكثير، والمراد ليس فيه لحم ولا شجر ولا ماء.
فإن قلت: آية البقرة مدنيَّة، وآية إبراهيم مَكية، والقاعدة أنَّ الاسمَ إذا كرر ذكرُه يأتي أولاً منَكَّراً وثانياً معرفاً؟
والجواب أن الإنسان إذا دعا أولاً إنما يَدْعو لشخص معَيَّن يقْصِده ويعيِّنه
في ذهنه، فإذا أَراد الدعاء يعيد نكرةً أو معرفة أو كيف ما كان، اكتفاءً
بحصول تعيينه أولاً.
وقيل: هذا تأكيد، هذا إذا قلنا إن المنزل أولاً هو المدعو به ثانياً، لأن الاسم إذا تقدم نكرةً ثم يُعاد فإنما يُعيده معرَّفاً، قال تعالى:(كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) .
فإن قلت: القاعدة أن يكون المبتدأ معلوماً وخَبَره مجهولاً، والبلد في هذه
الآية أصله قبل دخولِ الفِعْلِ عليه مبتدأ، لأنه نعتٌ لهذا، ونعت المبتدأ مبتدا، و (آمِنًا) خبره.
وفي قوله: اجعل هذا بلداً آمناً (هذا) مبتدأ، و (بلدا) خبره، و (آمِنًا)
نعت أو خبر بعد خبر، والقصة واحدةٌ.
وأجيب بأن الشيء في نفسه ليس هو كغيره معه، فهو معلوم من حيث
كونه، مجهول من حيث كونه بلدا آمنا، فالأول كما تقول: اجعل هذا الرجل صالحاً، دعَوْتَ له بالصلاح فقط، والثاني كقولك: اجعل هذا رجلاً صالحاً مع أنه رجل، لكنك دعوت له بتحصيل المجموع.
ورُدَّ بأنه يلزم عليه أن يجوز زيد زيد العاقل، فيخبر بزيد العاقل عن زيد نفسه، مع أنه لا يفيد شيئا، لأن الأول هو الثاني.
وأجيب إنما نظيره زيد القائم زيد العاقل، فيخبر بزيد مع غيره، أما إذا
أثبت بمجرد لفْظِ الأول فلا يجوز
فإن قلت: كيف يدعو الخليل بقوله: (واجْنبْنِي وبنِيَّ أنْ نَعْبدَ الأصنام) ، وقد علم أن عبادةَ الأصنام مستحيلة في حق النبي، فأحْرَى في حق الخليل؟
فالجواب دعا بهذا على وَجْهِ التذلّل والخضوع، وعادة الأنبياء صلوات اللَه
وسلامُه عليهم عدَم الانبساط مع الربوبية، لتمكَن الخوف من قلوبهم، وهذا فيه الاقتداءُ بغيره، ويؤخذ من هذه الآية أنه لا يدعو الشخص بالمستحيل عقلا، كقول الإنسان: رَبَ اجعَلْني في غير حَيِّز، أو غير ذلك من المستحيلات.
وقد ذكرها القَرَافي في قاعدة ما يجوز من الدعاء وقاعدة ما لا يجوز، حذفنا ذكرها للطول.
(قالوا يا أيّها الذي نُزِّلَ عليه الذِّكْر) ، يعني بزعمك ودَعْواك لا بإقرارنا.
فإن قلت: الوصفُ الأخصّ هو القرآن، والذكْرُ وصف أعمّ، فلِمَ عَبَّروا
بالأعَمّ دونَ الأخص؟
والجواب أنه في التعبير بالأخص تنبية وتذكير بالمعجزات التي ورد بها
القرآن، وهم مقصدهم تعمية ذلك وإخفَاوه.
وانظر الى المثل السائر: ذكَّرْتني الطعنَ وكنْتُ ناسياً.
فإن قلت: هل أرادوا اتّصافَه بالجنون، لما جاء به من الوحي إلى الذين
يسترقون السمع؟
فالجواب أنهم أرادوا أن به جنوناً يصحبونه بدليل قوله تعالى: (أم يقولون
به جِنَّة) .
(بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) :
هذا الإضراب منهم إضراب انتقال، لأنهم أضربوا عن مفهوم قولهم:(سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) ، لأن مفهومه أنَّ باقي جسدهم لم يسكر، وما زال صحيحاً، فأضربوا عن هذا المفهوم، وقالوا: بل جميع ذواتنا مسحورة، ولو كان إضراب إبطالِ للزم عليه أن تكون أبصارُهم غير مسحورة، وليس ذلك مرادهم، وقوله:(إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) ظاهره كالمناقض لقوله: (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) .
فإن قلت: ما أفاد قولهم (قَوْمٌ)، ولو قالوا: بل نحن مسحورونَ لاستقلّ
الكلام؟
فالجواب أنه أفاد الإخبار بكمال عبادتهم، وأنهم جماعة كثيرون، وتعدّدُ
الأشخاص مظنة التفطن والفَهم، ومع هذا فكلُّهم يتعامَوْن وتعمُّهم الضلالَة ولا يهتدون إلى الإيمان به بوَجهٍ.
(قال رَبِّ بما أغْوَيْتَنِي) :
قد قدمنا معنى الإغواء.
واعترافه بالربوبية يُفهم منه أنَّ كفْرَه كان باعتراضه على الله في أمره بالسجود لآدم.
وقدمنا أيضاً أن الفاء لم تدخل في الحجر كما في الأعراف، اكتفاءً
بمطابقة النداء لامتناع النداء منه، لأنه ليس بالذي يستَدْعيه النداء.
فإن ذلك يقَعُ مع السؤال والطلب، وهذا قسم عند أكثرهم، بدليل ما في (ص)[82] .
وخبر عند بعضهم، والذي في (ص) جاء على قياس ما في الأعراف، لأن ما
فيها موافق لما قبله في مطابقة الفاء، وزاد فيها الفاء التي هي لعطف جملة على جملة لتكونَ الثانية مربوطة بالأولى، فموافقتُها أكثر.
وقال في (ص) : (فبعزَّتِكَ) وهو قَسَم عند الجميع.
(قال هذا صِرَاطٌ عليَّ مستقيم) :
القائل لهذا هو اللَّهُ تعالى، والإشارةُ بهذا إلى نجاة المخْلصين من إبليس، وأنه لا يقدر عليهم، وإلى تقسيم الناس إلى غويّ ومخلص.
(قالوا إنَّا ارْسِلْنَا إلى قومٍ مُجْرمين)، قالت الملائكة: أرسلنا إلى قوم لوط.
(قالوا بَشَّرْناكَ بالحق) :
الضمير لإبراهيم، أي بَشَّرْناكَ باليقين الثابت، فلا تستبعده، ولا تكنْ من القانطين: من اليائسين.
(قدّرنا إنها لمِنَ الْغَابرين) :
إنما أسند الملائكةُ فعل التقدير إلى أنفسهم، وهو للَه وحْدَه، لا لهم من القرْب والاختصاص بالله، - لا سيما في هذه القضية، كما يقول خاصة الملك: دَبَّرْنا كذا.
ويحتمل أن يكون حكايةً عن الله.
(قوم منْكَرون) ، أي لا نعرفهم.
(قالوا بل جِئْنَاكَ بما كانوا فيه يَمْتَرون) :
يعني جئناك بما كانوا يَشُكُّون من العذاب لقومك.
(قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) .
كان قوم لوط نَهَوْه أن يُضِيف أحدًا، فقالوا له هذه المقالة احتجاجاً بما سبق من إنذاره، فأجابهم بتزوِّج بناته إنْ أرادوا شيئاً،
وفدّاهم ببناته.
واختلف في عددهم، وكان أبو البنات، كما كان إبراهيم أبو الذكور، وجَمَعَ اللهُ لنبينا الذكورَ والإناثَ، فكان له أربعة ذكور وأربع نسوة.
وهذا من اعتدال مزاجه صلى الله عليه وسلم.
(قال الذين أُوتوا العِلمَ إنَّ الخِزْيَ اليوم والسوءَ على الكافرين) .
الخِزْي: راجع لأمر الباطن النازل بهم، والسوء راجع لأمر الظاهر الحالّ
بهم في أبدانهم.
فإن قلت: كيف أكَّدَ بأنّ خِطابَهم إنما هو لله تعالى العالم بأنَّ ذلك حق؟
والجواب أن هذه المقالة صدرَتْ منهم قبل حلُولِ العذاب بأولئك، فهم في
قضية الإنكار لها يريد أنهم استسلموا لقضاء الله، والمغلوبُ إذا استسلم تارة
يعترفُ ويُقرُّ، كقوله تعالى:(ولا تقولوا لمن ألْقَى إليكم السَّلَام لسْتَ مُؤْمناً)
، وتارة ينْكِرُ موجبات العقوبة، كهذه الآية، طمعاً في أنْ يُقبل
ذلك منه، ويُتَغاضى عنه ويترك.
(قال النار مَثوَاكم) :
هذا من قول الله.
وقال: (مَثْواكم) ولم يقل داركم، لأن الدارَ محلّ السكنى، والسكنى مظنّة الطول، فناسب الإتيان بالدار في محل المدح للمتقين، لأنَّ الإنسانَ قد يسكن الموضع الزمانَ القليل ويملُّ مِن سكناه، ولا يحبُّ البقاء فيه.
والمَثْوى: الإقامة مطلقا، تطلق على القليل والكثير.
(قال أرأيتَك هذا الذي كرَّمْتَ عليَّ) :
الكاف لا موضِع لها من الإعراب، وهذا مفعول بـ أرأيت والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمْته عليَّ وأنا خير منه، فاختصر الكلام، فحذف ذلك.
وقال ابن عطية: أرأيتَك هنا تأملت ونحوه لا بمعنى أخبرني.
ومعنى الاحتناك الميل، مأخوذ من تحنيك الدابة، وهو أن يشدَّ على حنكها بحَبْل فتنقاد.
(قال اذهَبْ) :
خطاب من الله لإبليس، وما بعده من