الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وانظر حكاية عبد الله بن عمر لما سافَر معه اليهوديُّ، فوجد منه من النصح ما أشعر به، فسأله ابن عمر عن هذه النصيحة وأنه لم يصدر منه في جانبه إلا
المودة، فقال له: كنْت أمشي على ظلّك، لأني لم أقدر لك على غيره من النكاية، وقد شدَّدَ العلماء في خلطتهم ومحبتهم، وكيف لا يشددون والله يقول:(لا تجد قوماً يؤمنون باللهِ واليوم الآخر يوَادّون مَنْ حادَّ اللهَ ورسولَه) ، فمصاحبة من حادّ الله ورسوله تفْضي إلى النار، نسأل الله السلامة.
(وكلوا) :
جاء هذا الأمر بعد النهي عن الاعتداء في التشديد على الأَنفس رِفْقاً من الله بعباده، وخَصَ الأكلَ بالذكر، لأنه أعظم حاجاتِ الإنسان.
(ومَنْ قتلَه منكم متَعَمِّدًا) :
مفهوم الآية يقتضي أنَّ جزاءَ الصيد على المتعمد لا على الناسي، وبذلك قال أهل الظاهر.
وقال جمهور الفقهاء: إن المتعمِّد والناسي سواء في وجوب الجزاء، ثم اختلفوا في تأويل قوله:(متَعَمِّدًا) على ثلاثة أقوال:
أحدها أن المتعمد إنما ذكر لينَاط به الوعيد الذي في قوله: (ومن عاد فيَنْتقم الله منه) ، إذ لا وعيدَ على الناسي.
والثاني أن الجزاء على الناسي بالقياس على المتعمّد.
والثالث أن الجزاء على المتعمد ثبت بالقرآن، وأن الجزاءَ على الناسي ثبت
بالسنة.
(وَبَال أمْرِه) :
عاقبة أَمره من الشر والوَبَال وسوء العاقبة، يقال: ماء وبيل وكلأ وبيل، أي وبيل لا يستمر أو تَضرُّ عاقبته، والوبيل والوخيم ضد المرىء.
(وطعامه) :
الضمير عائد على البحر، يعني ما قذفَ به، ولا يطفو عليه، لأن ذلك طعام وليس بصيد، قاله أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وقال ابن عباس: طعامه: ما صلح منه.
(وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) .
لما ذكر أن صيدَ البحر حلال ذكر هنا أن صيد البر لا يحل للمحرم تناوله.
(وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) :
فيه معنى الوعيد على السؤال، كأنه قال: لا تسألوا، وإن سألْتم أبْدِي لكم ما يسوءكم.
والمراد ب (حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ) زمان الوَحْي.
(وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) .
أي يكذبون عليه بتحريم ما لم يحرِّم، واخترعوا تحريمها من
عندهم، والذين لا يعقلون هم أتباعهم المقلِّدون لهم.
(ولا تكونَن) :
الخطاب حيثما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون معطوفًا على معنى (أُمرت) فلا حذف، وتقديره أمرت بالإسلام
ونهيت عن الشرك.
(وجعلنا على قلوبهم أكِنَّةً أنْ يفقهوه وفي آذَانِهم وَقْرًا) :
عبر بالأكِنة والوَقر مبالغة، وهي استعارة، يعني أنَّ الله حال بينهم وبين فَهم
القرآن إذا استمعوه، و (أن يَفقَهوه) في موضع مفعول من أجله، تقديره
كراهةَ أن يفقهوه.
(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) :
الضمير في (وهم) للكفار، و (عنه) يعود على القرآن.
والمعنى أنهم ينهون الناسَ عن الإيمان به، وينأوْن عنه بمعنى يبعدون.
وقيل الضمير في (عنه) يعود على النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى ينهون عنه يبْعدون الناس عن إذايته، وهم مع ذلك يبعدون عنه.
والمراد بالآية على هذا أبو طالب ومَنْ كان معه يحمِي النبي صلى الله عليه وسلم وينصره بنفسه وماله، ويقول له: لا تخَفْ أحَداً.
فإني أذُبُّ عنك بنفسي ومالي، وهو القائل:
واللَه لن يصلوا إليك بجمعهم
…
حتى أُوَسَّد في التراب دَفينا
فانهض لأمرك ما عليك غضاضة
…
وطِبْ نَفْساً وقَرّ منك عيونا
فإنا لله وإنا إليه راجعون، نصر واستنصر، ولم يجر بإيمانه القدَر، جيء
بواحد من فارس، وآخر من الحبشة، وآخر من الروم، وأبو طالب على الباب،حُرِم الدخول، اللهم لا مانع لما أعطيْتَ، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الْجَد منك الْجَدّ.
(وذلك الفَوْز المبين) :
الإشارة راجعة إلى صرف العذاب أو الرحمة، أي ذلك هو النجاة الظاهرة.
فإن قلت: ما فائدة حذف ضمير " هو " في آية الأنعام؟
والجواب: أنه لم يتقدم فيها ما يستدعي إبرازه لما تقدمها من قوله تعالى:
(إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) .
ثم أعقبه بقوله تعالى: (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ) ، والمراد مَنْ يصرف عنه العذاب في الآخرة فقد رحمه، عطف عليه قوله:(وذلك الفَوز المبين) ، وكأَنَّ الكلامَ في قوّة فقد رحم وفاز، كما في قوله:(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) .
والفاء هنا، وفي قوله:(فقد رحمه) جواب الشرط.
والفوز مسبب عن الرحمة، فاكتفي بذكره في آية آل عمران.
وذكرا معاً في آية الأنعام، فعطفُه عليه بَيِّن، ولم يتقدم من أول السورة إلى هنا ما يتوهّمه العاقل فوْزاً، فيتحرز منه بما يعطيه ضمير " هو " من المفهوم، فلم يقع الضمير هنا.
(ومنهم مَنْ يَسْتَمِع إليك) :
الضمير عائد على الكفار، وأفرد وهو فعل جماعة حملاً على لفظ (مَنْ) .
و (الأكنّة) جمع كنان، وهو الغطاء.
فإن قلت: ما معنى وروده هنا بالإفراد بخلاف آية يونس؟
فالجواب: أن هذه الآية نزلت في أبي سفيان، والنضر بن الحارث، وعتبة.
وشيبة، وأمية، وأبَيّ بن خلف، فلم يكثروا كثرةَ مَنْ في سورة يونس، لأنَ المرادَ