الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونداء الإضافة: (يا عباديَ الذين آمَنوا) .
(يا عبادي الذين أَسرفوا) .
وأما الذي للآدميِّين: نداء الشريعة، وهو لإبراهيم حيث قال له: (وأذنْ في
الناس بالحج) .
ونداء العتاب ليولسف: (يا أيها العزيز مَسَّنَا وأَهلَنا الضرُّ) .
ونداء الإيمان لمحمد صلى الله عليه وسلم قوله: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا)
ونداء الجمعة للمؤمنين: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودِي للصلاة مِنْ يَوْمِ الجمعة) .
ونداء الجماعة للمنافقين.
وأما الذي للملائكة في الدنيا: فملك ينادي في كل صباح: يا أبناء الثلاثين.
لا تَغْتَرّوا بالشباب.
يا أبناء الأربعين، لا تجترئوا.
يا أبناء الخمسين، أَلَا تستحيون.
يا أبناء الستين، قد دَنا حصادكم.
يا أبناء السبعين، الرحيل الرحيلَ.
ومَلك ينادي بالمقابر كل يوم: يا أهْلَ القبور، من تغبطون اليوم، قالوا: نغبط أَهلَ المساجد الذين يذكرون اللَهَ ولا نَذْكر، ويصلُّون ولا نصلي، ويصومون ولا نصوم، وملك ينادي عند رأس قَبْرِ النبي صلى الله عليه وسلم: ألا مَنْ زال عن سنّة صاحب هذا القبر فقد برئ من شفاعته.
وملك ينادي في الموقف: مَنْ حَجَّ وكسْبه حرام ردَّ الله حجَّهُ.
وأما الذي من الملائكة في الآخرة فأوله عند البعث: أيتها العظام البالية.
والأجساد النخِرة، هَلمّوا إلى الحساب عند ربّكم.
وملك عند الحساب: أبشروا يا أمة محمد! فإنَّ رحمة الله قريبٌ منكم.
وملك عند المحاسبة يقول: أيْنَ فلان ابن فلان، هلمَّ إلى العَرْض على الرحمن.
وملك ينادي عند الفراغ من الحساب:
ألَا إنَّ فلانَ ابن فلان سعِدَ سعادة لا يشقى بعدها أبداً.
وملك آخر على أَهل الشقاوة ينادي: ألا إن فلانِ ابن فلان شقي شقاوة لا يسعَد بعدها أبداً.
أعاذنا اللَه من ذلك بمنه.
(فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) :
يعني بقبولهم ورحمتهم، لا بقُرب المسافة.
وسببُ نزول هذه الآية أنه عليه الصلاة والسلام سئل أين ربنا، فَوْقنا أو
تحتنا، أو يميننا أو يسارنا، أو خلفنا أو قدّامنا، فأنزل الله:(وإذا سألكَ عبادِي عَنّي فإني قَريب) .
يعني وحاجتكم أنا، لا المكان، فإن وجدتموني فما تصنعون
بالمكان وأنا منَزَهٌ عن المكان.
وفي رواية: إن اليهود سألوه عليه السلام أقريب ربّنا فننَاجيه أم بعيد
فنُنَادِيه، فأنزل الله:(ونحن أقرب إليه مِنْ حَبْلِ الوَرِيد) .
يعني بالعلم والقدرة والإجابة لا بالذات، فادْعوني سِرًا أو جَهْرًا، فإني قريب
أجيب، إنْ سألني العاصي غفرت له، وإن سألني المحسن أعطيته سؤلَه.
فهنيئاً لكم أيتها الأمة المحمدية، نسبكم إلى آدم في قوله:(يا بني آدم) .
وبالشريعة إلى نوح في قوله: (شرعَ لكم من الدِّين ما وصَّى به نوحاً) .
وبالملّة إلى إبراهيم.
وبالأمة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وبالعبوديّة إلى نفسه، والحكمة فيه حتى يشفع آدم فيكم، فيقول: يا رب، هم أولادي، ويقول
نوح: أهل شريعتي.
ويقول إبراهيم: أَهل مِلَّتي.
ويقول محمد: أمَّتي.
ويقول الله: عبادي وخواصِّي، فالذي نسبك إليه أَترى أنه يريد معاقَبتك.
وقد قال لنوح لَما أراد عقوبة ولده: إنه ليس من أَهلِك.
أو الرسول الذي بعِث إليك يريد تعذيبَ أمته، وهو لم ينْسَهم في الأربعة مقامات: مقام التحية لولاه في قوله: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين".
ومقام الشكر في قوله: (والمؤمنون كلّ آمَنَ بالله وملائكته) .
ومقام الحاجة سأل من الله عشر حاجات، فأعطاه ما سأل قوله
تعالى: (غفرانكَ ربَّنا وإليكَ الْمَصِير) . . . إلى آخر السورة.
ومقام الشفاعة: (ولسوف يعْطِيكَ ربّكَ فَتَرْضَى) .
أفترى أنه يرضى بقاء أمته في النار وهو في الجنة، ولذلك يقول له جبريل:
أنت منعَّم، وأمتك في النار، فيستأذن في الشفاعة فيهم في حديثٍ طويل.
وقد عاتبه الله يوم بَدْر لما كان في العَرِيش وأصحابه في الشمس، فقال: يا
محمد، أنْتَ في الظل وأصحابك في الشمس، أهكذا هي الصحبة! فسبحان
اللطيف بعباده وخصوصاً بهذه الأمة (1) .
(1) لا أصل لهذه الرواية، وأين هذا الكلام من قول بعض الصحابة رضي الله عنهم كُنَّا إذا اشتد الوطيس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى مسلم:
3309 -
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ح وحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ هُوَ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ
لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل
فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ.
وفي الحديث: أن جميع الأنبياء قالوا ربَّنا، كما قال آدم:(ربَّنَا ظلَمْنا أنْفُسَنا) .
وإبراهيم: (رَبّنا واجعلْنَا مسْلمَيْن لك) . وغيرهما.
فلما بلغ الأمرُ إلى أمة محمد هابُوا أن يضيفوه إلى أنفسهم، فيقولوا: ربنا، فسكتوا، فأضاف الله نَفْسَه إليهم بقوله:(وقال ربكم ادْعُوني أسْتَجِبْ لكم) .
وكان جميع الأمم لم يكن لهم جراءة على أن يدعوا ربَّهم، ولكن كانوا يقولون:(ادع لنا ربك) .
(هل يستطيعُ ربُّك) .
وهذه الأمةُ رفع الله الواسطةَ بينهم وبينه، وأمرهم بالدعاء، فإن لم يدعوه
فهو يدعوهم ليغفر ذنوبهم.
وتأمل قوله تعالى: (فإنّي قَرِيب)، ولم يقل هو كما قال: (يسألونك ماذا
ينفقون قل العَفْو) .
(قل هو أذًى) .
(قل إصلاح لهم خير) .
وقال: (فلْيَسْتَجِيبوا لي) إذا دعوتهم إلى المغفرة، فإن دعوني بلا غفلة أجَبْتُهم بلا مهملة، وإن دعوني بالصفاء أجبتهم بالعطاء، وإن دعوني بلسان الشهادة أجبْتُهم بإعطاء الولاية.
وإن دعوني بالنعمة أجبتهم بالشهادة، وإن دعوني بجميع الجوارح أجبتهم إجابةَ ناصح، وإن دعَوْني بالإخلاص أجبتهم بالخلاص، وإن دعَوْني بالمغفرة أجبتهم بتبديلها بعشرة، وإن دعَوْني بالخوف والرجاء أجبتهم بالرحمة والجزاء.
وإن دعَوْني بالاضطرار أجبتهم بالافتخار.
وإن دعوني بأسمائي الْحسْنَى أجبْتهم بالعطية الكبرى.
فانظروا أيها الأمة ما أرْحَمه بنا! وقد رآيناه أجاب الذاكرين بقوله:
(أذكركم) .
وأجاب المتفكرين: (بل الله يَمنُّ عليكم) .
وأجاب الداعين: (أستَجِبْ لكم) .
وأجاب الخائفين: (ألَاّ تخافوا ولا تحزنوا) .
وأجاب المقربين بالوصلة: (فقد استَمْسكَ بالغرْوَة الوثقى) .
وأجاب المستغفرين بالمغفرة: (إنه كان غَفَّارًا) .
وأجاب المتضَرّعين بقوله: (يوم لا يخْزِي الله النبي) .
فإن قلت: قد رأينا مَنْ يَدْعو ولا يستجيب له؟
والجواب إذا وقع الدعاءُ من المضطرّ حصل جوابه على كل حال.
ومَنْ وُفّق للدعاء لم يُحرم الإجابة.
ومن وفّق للتوبة لم يحرم القبول.
ومن وفّق للشكر لم يحرَم المزيد.
ومن وفق للصبر لم يحرم الجزاء.
ومن وفق للتوكّل لم يحرم الكفاية.
ومن وفق للعمل الصالح لم يحرم المودةَ عند الله وعِنْد خَلْقه.
ومِصداق هذا كله قوله تعالى، (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) .
(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) .
(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) .
(وجزاهمْ بما صَبَروا) .
(ومَنْ يتوكَّلْ على الله فهو حَسْبُه) .
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) .
فإن قلت: بيِّن لنا الاضطرار وشروط الدعاء؟
فالجواب: أنَّ الاضطرار ألَاّ تبقى فيك علاقة مع غيره سبحانه، وإن
أخلصتَ له في الدعاء وتضرعت، ورجوتَ وخِفْتَ، واستغَثْتَ به، فلا بد من إجابتك إما عاجلا فتبلغ سؤْلك أو يكفّر لك به من ذنوبك، أو يؤَخَّر لك
لمصلحتك، أو يرفع درجتك، ولعلّه يعطيك سؤْلك فتغفل عنه، وهو يحبُّ
المُلِحِّين في الدعاء.
ألَا تسمعه سبحانه يقول لبعض الداعين: أعطوه سؤْله، فإني أكره صوته، فإجابة الدعاء في الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد.
ورحم الله القائل:
اللهُ يَغْضب إن تَرَكْتَ سؤَاله
…
وابن آدَمَ حين يُسْأل يَغْضَبُ
وقد وعدنا الله تعالى بالكرامة على أنواع من الطاعات، فأكرم الساجد
بالقربة، ودخول البيت الحرام بالأمن.
والجهاد بالجنة.
والصدقة بأضعافها.
والزكاة بالفَلَاح.
والدعاء بالإجابة، لكن العلّة منا وإلينا، وشؤْمَ نفوسنا عائدٌ
علينا، كما قال إبراهيم بن أدْهم لما قالوا له: يا أبا إسحاق، الله يقول:(ادْعوني أَسْتَجِبْ لكم) ، ونحن نَدْعوه ولا يَستَجِيب لنا، فأطْرق ساعة وقال: لأنَ قلوبَكم ماتَتْ في عشرة أشياء، فقالوا: هاتها.
قال: عرفْتمِ الله ولم تؤدّوا حقّه، وقرأتم كتابه ولم تعملوا به، وعرفتم رسولَه وتركتم سُنَّته.
وقلتم الشيطان لنا عدوّ فَوَافَقْتموه، وادعَيْتم حبّ الجنة ولم تعملوا لها.
وقلتم نخافُ النار ووهبتم لها أبدانكم.
وقلتم: الموت حقّ ولم تتهيئوا له.
وانتبهتم من النوم واشتغلتم بعيوب إخوانكم.
وأَكلْتم رزْقَه ولم تشكروه.
ودفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم، فأنَّى يُستجابُ لكم!
وفي الحديث ما يعضده قوله: "مَطْعَمه حَرامٌ، وملْبَسه حرام، ويقول: يا
رب، يا رب، فأَتى يُستجاب له! "
وصدق الصادق المصدوق، فإن الدعاء مثل الطائر، وكيف يطير مقصوص
الجناح.
فاجتهد في إخلاص المطعم والملبس، وتَخَيَّرْ أوقات الإجابة وأماكنها المفضّلة
في الحصن الحصين لابن الجزري، وخصوصاً بعد الأذان، وقبل الإقامة، وبعد الصلوات، وخصوصاً صلاة الجمعة، والسَّحَر أسرع إجابة لخلوّك بالمحبوب.
وبعضهم ترك الدعاء لِعِلْمِه بأن الله لا يغفلُ عنه، واشتغل بذكره، للحديث
القُدسي: "من شغله ذِكْري عن مسألتي أعطيته أفضلَ ما أعطي السائلون"، ولهذا أشار ابن عطاء الله بقوله:"طلَبك منه اتهامٌ له". . . الخ.
وبعضهم لم يرفع رَأسَه للدعاء حياءً منه.
وبعضهم قال: الدعاءُ تحكم على الله، وقد سبق تقديره قَبْل وجودي، فإن سبق سعادتي فأناله، وإن لم يسبق فكيف اطلب منه ما لم يرد (1) .
وبعضهم دعاه في الشدة، وأعرض عنه في الرخاء، وهذا حالنا كما قال سبحانه:(فإذا مَسَّ الإنسانَ ضرّ دَعَانَا) .
وبعضهم قال: لا أقولُ نحن، لأن الملائكة قالت:(نحن نسبِّح بحمدك) ، فلم يرْضَ الله منهم، وإبليس قال: أنا، فلعنه الله.
وفرعون قال: (أَليس لي ملْك مصر) ، فأغرقه الله.
وقارون قال: عندي، فخسف الله به الأرض.
وأعلى من هؤلاء من امتثل أمْرَ ربه في الدعاء، ورأى نفسه عَبْداً مملوكاً لا
يقدر على شيء، وإنما قام بحقّ الربوبية، فطلبه لمحبَّته في الطلب، وفوّضَ الأمر له، كما قال بعضهم لما قيل له: سَلْ تُعْطَ، فقال: عالم من جميع الوجوه يقول لجاهل من جميع الوجوه: سَلْ تُعْطَ، لا أعلم ما يصلح بي، ولكن يختار هوَ لي.
(1) بل الدعاء مطلوب ومأمور به على الدوام (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) .