الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسوء الصباح مستعمل في ورود الغارة والرزايا، ومقصدُ الآية التهديد بعذاب يحلُّ بهم بعد أن أنذروا فلم ينفعهم الإنذار، وذلك تمثيل بقوم أنذرهم - ناصح بأنَّ جيشاً يحلّ بهم، فلم يقبلوا نصْحه، حتى فاجأهم الجيش فأهلكهم.
وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم صعد على الصفا، ونادى بأعلى صوته: يَا صَبَاحَاهْ ففزعت إِلَيْهِ قُرَيْشٌ قَالُوا مَا لَكَ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أَوْ يُمَسِّيكُمْ أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي قَالُوا بَلَى قَالَ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) .
(فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ) :
هذا تعجيز لهم وتهَكّم بهم.
ومعنى يرتقوا يصعدوا، والأسباب هنا السلالم والطرق وشِبْه ذلك مما يوصل به إلى العلو.
وقيل: هي أسباب السماء.
والمعنى إن كان لهم ملك السماوات والأرض
فليصعدوا إلى العرش ويدَبِّرُوا الملك.
(فَوَاق) :
فيه ثلاثة أقوال: أحدها - رجوع، أي لا يرجعون
بعدها إلى الدنيا، وهو على هذا مشتق من الإفاقة.
الثاني - ترداد، أي هي واحدة لا ثاني لها.
الثالث - ما لها من تأخير ولا توقّف مقدار فوَاق ناقة وهو ما
بين حَلبتيها، وهذا القول إنما يجري على قراءة (فُواق) بالضم، لأن (فُواق) بالضم، كذا في الحديث، والقولان الأول على الفتح، والثاني على الضم.
(فَصْلَ الخِطَاب) .
هو فصل القضاء بين الناس بالحق عند ابن عباس، وعند علي بن أبي طالب - هو إيجاب اليمين عليه والبَيِّنة على المدَّعِي.
وقيل كلمة أَما بعد، فإنه أول مَن قالها.
وقال الزمخشري: معنى فصل الخطاب: البَين من الكلام الذي يفهمه من يخاطب به، وهذا هو الذي اختاره ابن عطية، وجعله من قوله:(إنه لقول فَصْلٌ) .
(فاعبُدوا ما شِئْتم مِنْ دونه) :
هذا تهديد ومبالغة في الخذلان والتخلية لهم على ما هم عليه.
(فسلَكهُ يَنَابِيعَ في الأرض) .
أي أدخل المطر وأجراه.
والينابيع: جمع ينبوع، وهو العين، وفي الآية دليل على أنَّ ماء المطر هو الْمخْرِج للعيون.
(فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) ، أي في حق الله.
وقيل في أمره، وأصله من الجنب، بمعنى الجانب، ثم استعير لهذا المعنى.
ومعناه اتقوا يوماً تقول فيه كلّ نفس: (يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) .
ندامةً على استهزائه بأمر الله تعالى.
فإن قلت: لم نكرت النفس؟
فالجواب أن المراد بها بعض الأنفس، وهي نفس الكافر، ويجوز أن يراد
نفس متميِّزَة من الأنفس إمّا بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم، ويجوز أن تكون للتكثير، قال قتادة: لم يكْفه أنْ ضَيّعَ طاعةَ الله حتى سخر من امتثالها.
وروي أنه كان في بني إسرائيل عالم ترك عِلْمه وفسق - أتاه إبليس، فقال
له: تمتَّع من الدنيا ثم تبْ.
فأطاعه، وكان له مال، فأنفقه في الفجور، فأتاه ملك الموت في ألَذ ما كان، فقال:"يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ"، ذهب عمْري في طاعة الشيطان، وأسخطت الملك الدَّيان، فندم حين لم ينفعه الندم، فأنزل الله خبره في القرآن.
فليتأمل العاقلُ هذا الوعيد الهائل، فإنّا لله وإنا إليه راجعون، على طَمْس
قلوبنا، وغَفْلتنا عما يراد بنا.
صدق الله العظيم في قوله في بعض كتبه: " يا علماء السوء، قد وعظتكم وأنذرتكم، ومِنْ فعل القبيع حذّرْتُكم، وكثير من الآيات أريتكم فلم تنتفعوا بالمواعظ والآيات، (وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) ، تطيعون أنفسكم فيما تشتهون وهي تعصيكم فيما تأمرون، بئس العبيد أنتم إذا علمتم أنكم لا تنالون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون، ولا تبلغون كل ما
تأملون إلا بصبركم على ما تكرهون، تريدون مرافقة النبيين والصديقين والشهداء