الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالسحر والكذب، وأنهم تعجبوا من جعله الآلهة إلهاً واحداً، وأنهم تمالئوا على قولهم:(امشموا واصْبِروا على آلهتكم) ، فلما قصد هنا الإخبار بجملةٍ
مِنْ مرْتكباتهم جاءت منسوقا بعضها على بعض بالواو التي لا تقتضي ترتيباً ولا تسبباً.
وأما آية (ق) فمقصودٌ بها التعريف، فتعجبهم من البعث الأخْروي
واستبعادهم إياه، ولم يقصد هنا غير هذا، قصده، فربطه بالفاء، أي عجبوا من البعث بعد الموت، فقالوا: كذا، فجيء لكل بما يحرزه.
(فالحامِلَات وِقْرًا) ، هي السحاب يحمل المطر.
والوقر: الحمل، وهو مفعول به.
(فالجارِيات يُسْرا) :
هي السفن تجري في البحر، وإعرابُ " يسرًا " صفة لمصدر محذوف، ومعناه بسهولة.
(فالمقْسِمَاتِ أمْراً) ، هي الملائكة تقْسم أمورَ الملكوت
من الأرزاق والآجال وغير ذلك.
و (أمْراً) مفعول به.
وقيل: إن الحاملات وِقْراً: السفن.
وقيل جميع الحيوان الحامل.
وقيل: إن (الجاريات يسْراً) السحاب.
وقيل: الجاري من الكواكب، والأول أشهر، لأنه
قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ) :
هذا قسمٌ أقسم اللَة باسمه، كقوله:(فوَرَبِّك لنَسْألَنَّهمْ أجمعين) .
ولما ذكر الله في هذه الآية رزْقَ عباده، وأنه يوصله لهم، أقسم لهم اطمئناناً
لنفوسهم، ويقسم اللَّهُ في كتابه إما لفضيلة وإما لمنفعة.
وأقسم بنفسه كهذه الآيات، وبفعله مثل:(والسماء وما بناها) ، وما ضاهاها من أفعاله، كقوله تعالى:(والنجم إذا هوى) .
(والطور) . (والتين) . (والليل) .
فإن قلت: إن كان القسم لأجل المؤمن فإنه يصدقه بغير قسم، وإن كان
للكافر فإنه لا يصدقه، فما فائدته؟
والجواب أن قسمَه تعالى لإكمالِ الحجة وتأكيدها، والحاكم يقبل الحكم َ
باثنين، إما بالشهادة وإمّا بالقسم، فذكر اللَّهُ القَسم في كتابه كي لا تَبْقَى لهم
حجة على الله، فإنا للَه وإنا إليه راجعون على هذه العقول الخَسيسة، اختارنا من بين جامد وناي، وناطق وصامت، وذلك أنه اختار الناي من الجامد لما كان فيه من الخضرة والزهرة والطيب والمنفعة، ثم اختار الحيوان من الناي لما فيه من الحركة والقوَّة والتصرف والزينة، ثم اختار الناطق من الحيوان لما فيه من الفصاحة والذّلاقة والفِطْنَة والبصيرة، ثم أختار الممتحن من الناطق لما أفادهم من العلم والحجة والدعوة والشريعة، ثم اختار المؤمن من الممتحن لما آتاه الله من المعرفة والهِدَاية والتوحيد والشهادة، ثم اختار المحب بالثناء والبشارة والمحبة، قال تعالى:(التًائِبون الْعَابدون الْحَامِدون) .
(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) .
واصطفاك يا محمدي لوَحْيه، قال تعالى:(ثم أوْرَثْنَا الكتابَ الذين اصْطَفَيْنَا مِنْ عبادنا) .
فأنت مختار المختار، ووعدَك برزقه كي تتفرغ لخدمته، وضَمِنه لك ولم تَثِقْ بضمانه حتى أقسم لك به، فأعرضْتَ عن هذا كله، واشتغلت بالمعاصي والفجور عن طاعته، أما علمت أنَّ زلَّة الوزير ليست كزلَّةِ العامّة، يعْصِي الوزير فيضرب رَقبته، ويعصي أحَد العامة فلا يُلتفت إليه، أليس من الغبْنِ العظيم والرزء الجسيم - أنك تثق بمخلوق مثلك، يقول لك: غذاؤك اليوم والعشاء عليَّ فلا تدَبّر معه، وتَثِق بقوله، ولا تثق بقول أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين! وأعظم من هذا أنْ لو قاله لك يهودي أو نصراني لوثقت بقوله، ولم تَثِقْ بإلهك الذي خلقك وصوّرك ووعدك، ورَضِي الله عن الإمام علي في قوله:
اتطْلُب رِزْق الله مِنْ عند غيره
…
وتصْبح من خوف العواقب آمنا
وترضى بطرف وإن كان مشركاً
…
ضَمِيناً ولا ترْضى بربك ضامنا