الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس: الحكمة من مشروعية الحجاب
من أبرز حِكَم مشروعية الحجاب الحِكم الآتية:
أولاً: طهارة القلوب من الخواطر الشيطانية، والهواجس النفسانية
؛ لأن قلوب البشر مهما تطهرت بالتقوى، ونفوسهم مهما تزكَّت بالمجاهدة، فلن تصل بأصحابها إلى العصمة من الخواطر، أو الوقوع في المآثم عند وجود أسبابها، إلّا أن يتولى اللَّه تعالى الصالح من عباده بعنايته، فيحفظه من هذه المعاصي.
إن شيوع السفور، وانتشار التبرج، وإظهار المحاسن، وإبراز المفاتن، يُلهب العواطف، ويثير الغرائز، وقد يبعث أوهامًا هابطة، وظنونًا ساقطة، تكون سببًا في إرجاف المرجفين، وتَقَوُّلِ الخراصين؛ لهذا أراد الشارع الحكيم أن يطهر تلك القلوب بقطع أسباب هذه الخواطر والهواجس، فشرع الحجاب، طهارة لتلك القلوب من إلقاء الشيطان ..
إن المرأة التي تخطِرُ في مِشْيتها، وتبدي أمام الرجال الأجانب زينتها، تكون عرضة لعبث أصحاب الأهواء، خاصة إذا رأت نظرات المستحسنين، واستروحت لعبارات المعجبين؛ فترق الحواجز بين الفريقين، ويقع ما لا يُحمد عقباه من الجانبين.
فكم من نظرة تمكنت بسببها خطرة، وكم من خطرة استدعت
عبرة، ثم أورثت حسرة، وكم من متضمخة بالأفعاء (1) ساقت مرضى النفوس إلى لقاء، وكم من لقاء أدَّى إلى إفضاء، وللَّه در القائل:
نظرة فابتسامةٌ فسلامٌ
…
فكلامٌ فموعدٌ فلقاءٌ (2)
قال ابن القيم رحمه الله: «دافِع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة، فإن لم تفعل صارت شهوة، فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها صارت فعلًا، فإن لم تتداركه بضده صار عادة، فيصعب عليك الانتقال عنها» (3).
لهذا كانت طهارة قلوب الفريقين حكمة من حكم الشارع العظيمة التي أشار إليها في قوله الكريم: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (4).
ومن عرف أن هذه الآية نزلت في أمهات المؤمنين اللاتي حفظهن اللَّه تعالى، أدرك أن حُكمها يعم كافة النساء؛ لأنهن أحوج إلى طهارة القلوب من نساء الرسول صلى الله عليه وسلم اللاتي طهَّرهن اللَّه، وجعل لهن أمومة شرعيةً تنأى بالمؤمنين عن تصورهن بغير هذا المعنى الكريم.
وقلوب رجال المؤمنين بحاجة أيضًا إلى هذه الطهارة التي
(1) الأفعاء: الروائح الطيبة، كما في القاموس المحيط.
(2)
القائل هو الشاعر أحمد شوقي، انظر: الشوقيات، 2/ 112.
(3)
الفوائد، ص 31.
(4)
سورة الأحزاب، الآية:53.