الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي» (1).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: «ولهذا نهى اللَّه المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية» (2)، وغير ذلك من الآيات.
4 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ
حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» (3).
قال المناوي: «أي من تزيَّا في ظاهره بِزِيِّهم، وفي تخلقه بخلقهم، وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم وبعض أفعالهم، أي: وكان التشبه بحق قد طابق فيه الظاهرُ الباطنَ «فَإِنَّهُ مِنْهُمْ» ، وقيل: المعنى، من تشبه بالصالحين وهو من أتباعهم يُكرَم كما يُكرمون، ومن تشبه بالفساق يُهانُ ويُخذل كَـ (هُمْ) .. وبأبلغ من ذلك صرَّح القرطبي فقال: لو خُصَّ أهل الفسوق والمجون بلباس مُنع لُبسُهُ
(1) اقتضاء الصراط المستقيم، ص 43.
(2)
تفسير القرآن العظيم، 8/ 20.
(3)
أخرجه الإمام أحمد، 9/ 127، برقم 5115، وابن أبي شيبة، 4/ 212، برقم 19401، والبيهقي في شعب الإيمان، 2/ 417، والطبراني في مسند الشاميين، 1/ 135، برقم 216، وعبد بن حميد، برقم 848، وسنن سعيد بن منصور، 2/ 143، برقم 2370، والديلمي في مسند الفردوس، برقم 2099، وحسن إسناده الشيخ الألباني في جلباب المرأة المسلمة، ص205.
لغيرهم، فقد يَظُنُّ به من لا يعرفه أنه منهم فيظن به ظن السوء، فيأثم الظان والمظنون فيه بسبب العون عليه، وقال بعضهم: قد يقع التشبه في أمور قلبية من الاعتقادات، وإرادات وأمور خارجية من أقوال وأفعال قد تكون عبادات، وقد تكون عادات، في نحو: طعام، ولباس، ومسكن، ونكاح، واجتماع، وافتراق، وسفر، وإقامة، وركوب، وغيرها، وبين الظاهر والباطن ارتباط ومناسبة.
وقد بعث اللَّه المصطفى صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنته، وهي الشِّرعة والمنهاج الذي شرعه له، فكان مما شرعه له من الأقوال والأفعال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأَمر بمخالفتهم في الهَدْيِ الظاهر في هذا الحديث، وإن لم يظهر فيه مفسدة، لأمور:
- منها: أن المشاركة في الهدي في الظاهر تؤثر تناسبًا وتشاكلًا بين المتشابهين تعود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس؛ فإن لابس ثياب العلماء - مثلًا - يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، ولابس ثياب الجند المقاتلة - مثلًا - يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، وتصير طبيعته منقادة لذلك إلا أن يمنعه مانع.
- ومنها: أن المخالفة في الهَدْي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب، وأسباب الضلال، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان.
- ومنها: أن مشاركتهم في الهَدْيِ الظاهر توجب الاختلاط
الظاهر، حتى يرتفع التمييز ظاهرًا بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين، إلى غير ذلك من الأسباب الحكيمة التي أشار إليها هذا الحديث وما أشبهه» (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «هذا الحديث أقل أحواله: أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم، كما في قوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (2)، وهو نظير ما سنذكره عن عبد اللَّه بن عمرو، أنه قال: «من بنى بأرض المشركين، وصنع نَيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة» (3).
فقد يُحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه؛ فإن كان كفرًا أو معصية، أو شعارًا للكفر أو المعصية: كان حكمه كذلك، وبكل حال فهو يقتضي تحريم التشبه بهم بعلة كونها تشبهًا.
والتشبُّهُ: يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه، وهو نادر، ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك، إذا كان أصل الفعل مأخوذًا
(1) فيض القدير، 6/ 104.
وقد نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم، ص 11 - 12 باختصار.
(2)
سورة المائدة، الآية:51.
(3)
رواه البيهقي في السنن الكبرى، 9/ 234، وصحَّح إسناده شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم، 1/ 457 - 458.
عن ذلك الغير (1).
فأما من فعل الشيء، واتفق أن الغير فعله أيضًا، ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه، ففي كون هذا تشبهًا نظر، لكنْ قد يُنهى عن هذا، لئلا يكون ذريعة إلى التشبُّهِ، ولِمَا فيه من المخالفة، كما أمر بصبغ اللحى وإعفائها، وإحفاء الشوارب، مع أن قوله صلى الله عليه وسلم:«غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود» دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا، ولا فعل، بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية» (2).
وقال أيضاً بتفصيل أوضح: «مشابهتهم فيما ليس من شرعنا قسمان:
أحدهما: مع العلم بأن هذا العمل هو من خصائص دينهم، فهذا العمل الذي هو من خصائص دينهم:
- إما أن يُفعل لمجرد موافقتهم، وهو قليل.
- وإما لشهوة تتعلق بذلك العمل.
- وإما لشبهة فيه تُخَيِّلُ أنه نافع في الدنيا وفي الآخرة.
وكل هذا لاشك في تحريمه، لكن يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر، وقد يصير كفراً بحسب الأدلة الشرعية.
(1) وهذا ينطبق على النساء اللواتي يتتبعنَ أحدث الأزياء الغربية، ويلبسْنَها ليقال عنهن:«متحضرات» ، ويتابعن بيوت الأزياء الشهيرة في جميع فصول السنة ليوصفن بـ «المتحررات» ، ولكنْ من كل التزام شرعي، وخلق إسلامي، «المتقدمات» ولكن إلى فساد الجيل، ثم إلى جهنم وبئس المصير. [حجاب المسلمة، ص: 247].
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم، ص 83.
- وإما عمل لم يعلم الفاعل أنه من عملهم، فهو نوعان:
أحدهما: ما كان في الأصل مأخوذًا عنهم، إما على الوجه الذي يفعلونه، وإما مع نوع تغيير في الزمان، أو المكان، أو الفعل، ونحو ذلك، فهو غالبُ ما يُبتلى به العامة في مثل ما يصنعونه في الخميس الحقير، والميلاد، ونحوهما؛ فإنهم قد نشأوا على اعتياد ذلك، وتلقاه الأبناء عن الآباء، وأكثرهم لا يعلمون مبدأ ذلك.
فهذا يُعرَّفُ صاحبُه حُكمه، فإن لم ينتهِ وإلا صار من القسم الأول.
النوع الثاني: ما ليس في الأصل مأخوذًا عنهم، لكنهم يفعلونه أيضًا، فهذا ليس فيه محذور المشابهة، ولكن قد تفوت فيه منفعة المخالفة، فتوقُّفُ كراهة ذلك وتحريمه على دليل شرعي وراء كونه من مشابهتهم إذ ليس كوننا تشبَّهْنا بهم بأولى من كونهم تشبَّهوا بنا، فأما استحباب تركه لمصلحة المخالفة إذا لم يكن في تركه ضرر: فظاهر، لما تقدم من المخالفة.
وهذا قد توجب الشريعة مخالفتهم فيه، وتوجب عليهم مخالفتنا، كما في الزيّ ونحوه، وقد يقتصر على الاستحباب، كما في صبغ اللحية والصلاة في النعلين، والسجود، وقد تبلغ إلى الكراهة، كما في تأخير المغرب، والفطور، بخلاف مشابهتهم فيما كان مأخوذًا عنهم، فإن الأصل فيه التحريم لما قدمناه» (1).
(1) اقتضاء الصراط المستقيم، ص / 222 - 223. [حجاب المسلمة، ص: 249].