الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقريظة، ومعلوم أن نزول الحجاب كان عقب قريظة، وفي الحديث إشارة إلى شدة فقر الرجل الذي تزوجها حتى أنه لم يكن يملك خاتماً من حديد.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم، ولا يقاس عليه غيره من البشر (1).
الرابع: أنه ثبت في صحيح السنة أنه يباح للرجل أن ينظر إلى وجه المرأة لقصد الخطبة، ويباح لها النظر إليه وكشف وجهها له، وعليه فلا حجة في الحديث على إباحة كشف الوجه لأجنبي غير خاطِب، ومن استدل به على ذلك فقد حمل الحديث على غير مَحْمله، واللَّه أعلم.
الشبهة التاسعة: حديث سبيعة بنت الحارث رضي الله عنها «أَنَّهَا كَانَتْ
تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ مِنْ وَفَاتِهِ، فَلَقِيَهَا أَبُو السَّنَابِلِ يَعْنِي ابْنَ بَعْكَكٍ حِينَ تَعَلَّتْ (2) مِنْ نِفَاسِهَا، وَقَدْ اكْتَحَلَتْ، فَقَالَ لَهَا: ارْبَعِي (3) عَلَى نَفْسِكِ - أَوْ نَحْوَ هَذَا - لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ النِّكَاحَ، إِنَّهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِكِ، قَالَتْ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ
(1) قال الحافظ ابن حجر: «والذي تحرر عندنا أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحرم عليه النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره» . فتح الباري، 9/ 210. وانظر: مجلة الجامعة السلفية، عدد نوفمبر، وديسمبر 1978م، ص 74، 76.
(2)
أي خرجت من نفاسها، وسلمت.
(3)
أي: ارفقي.
- صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ لَهُ مَا قَالَ أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ حَلَلْتِ حِينَ وَضَعْتِ حَمْلَكِ» (1).
والجواب:
أولاً: ليس في الحديث دليل على أنها كانت سافرة الوجه حين رآها أبو السنابل بل غاية ما فيه أنه رأى خضاب يديها، وكحل عينيها، ورؤية ذلك لا يستلزم رؤية الوجه، قال الشيخ عبد العزيز بن خلف:«والمستمسك من الحديث هو أنه عرف منها أنها كانت مكتحلة ومخضبة، وله أن يعرف أنها كانت مكتحلة حين تكون قد لوت الجلباب على وجهها، وأخرجت عيناً كما وصف ابن عباس رضي الله عنهما فعل المؤمنات بعد نزول آية إدناء الجلابيب» (2).
ثانيًا: قال الحافظ ابن حجر في الفوائد المستنبطة من قصة سبيعة: وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها؛ لأن في رواية الزهري التي في المغازي: فقال: «ما لي أراك تجملت للخُطَّاب؟» ، وفي رواية ابن إسْحاق:«فتهيأت للنكاح، واختَضبت» ، وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد: «فلقيها أبو السنابل وقد
(1) أخرجه أحمد، 45/ 422، برقم 27435، والنسائي، كتاب الطلاق، باب عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، برقم 3518، وفي الكبرى له، كتاب الطلاق، واستثني من عدة المطلقات، برقم 5681، وابن حبان، 10/ 130، وصححه الألباني في جلباب المرأة المسلمة، ص 70. وخبر سبيعة الأسلمية في البخاري، برقم 4909، ومسلم، برقم 1485.
(2)
نظرات في حجاب المرأة المسلمة، ص 75.
اكتحلت»، وفي رواية الأسود:«فتطيبت وتعطرت» (1).
ويتضح من هذا أن إظهار زينتها إنما كان للخُطَّاب، وعليه ينبغي حمل هذه الروايات، وقد سبق ذكر جملة من النصوص في الترخيص في نظر الخاطب إلى المخطوبة بإذنها، أو بغير إذنها، فَعَلِمَ أبو السنابل بخضابها واكتحالها، وقال لها:«ما لي أراك تجملت للخطاب» ، وكان قد نظر إليها مريداً خطبتها لكنها أبت أن تنكحه، جاء في رواية البخاري أنه كان ممن خطبها، فأبت أن تنكحه، فقال لها ما قال، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:«كذب (2) أبو السنابل» رواه أحمد، وفي رواية الموطأ: فخطبها رجلان أحدهما شاب، وكهل، فحطت إلى الشاب، فقال الكهل:«لم تحلي» ، وكان أهلها غَيَبًا فرجا أن يؤثروه بها» (3).
(1) فتح الباري، 9/ 475.
(2)
وقد يراد بالكذب الخطأ في الفتوى، وهو في كلام أهل الحجاز كثير، أو يراد به ظاهره من جهة أنه كان عالمَاً بالقصة وأفتى بخلافه، وهذا بعيد، قال الحافظ:«وفيه أن المفتي إذا كان له ميل إلى الشيء لا ينبغي له أن يفتي فيه لئلا يحمله الميلُ إليه على ترجيح ما هو مرجوح كما وقع لأبي السنابل حيث أفتى سبيعة أنها لا تحل بالوضع لكونه كان خطبها فمنعته، ورجا إذا قبلت ذلك منه وانتظرت مُضي المدة حضر أهلها فرغبوها في زواجه دون غيره» . فتح الباري، 9/ 475.
(3)
أحمد، 7/ 305، برقم 4273، ومسند الشافعي، ص 244، والبيهقي، 7/ 429، وسعيد بن منصور، 1/ 350، وأما رواية الموطأ، 4/ 849، في الطلاق، باب عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملًا، والنسائي في الكبرى، برقم 5672، وأحمد، 44/ 306، برقم 26715. ومعنى:(حطّت إلى الشاب): مالت إليه، ونزلت بقلبها نحوه. و (غَيَبًا) بفتح الياء جمع غائب» جامع الأصول، 8/ 108.