الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بروحة ربها وهي في قعر بيتها» (1)(2).
الدليل الثالث: حديث عَبْد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ
الْمُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» (4).
(1) البزار في البحر الزخار، برقم 2061، وابن خزيمة في صحيحه، برقم 1685، وتقدم تخريجه.
(2)
قال الشنقيطي رحمه الله: «وقد ذكر هذا الحديث صاحب مجمع الزوائد، وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون، وهذا الحديث يعتضد بجميع ما ذكرنا من الأدلة، وما جاء فيه من كون المرأة عورة: يدل على الحجاب للزوم ستر كل ما يصدق عليه اسم العورة، ومما يؤيد ذلك: الهيثمي أيضاً في مجمع الزوائد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج عن بيتها وما بها من بأس، فيستشرفها الشيطان فيقول: «إنك لا تمرّين بأحد إلا أعجبتِهِ، وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضًا، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها» ، ثم قال:«رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات» . اهـ. منه ومثله له حكم الرفع إذ لا مجال للرأي فيه». [أضواء البيان، 6/ 596].
(3)
تحفة الأحوذي، 4/ 337، برقم 183.
(4)
أخرجه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة، برقم 1838، ورواه مالك موقوفاً على ابن عمر، الموطأ، 3، 473، برقم 1175.
ووجه الدليل منه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله: «وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يُحْرِمْنَ، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن» (1).
وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي: «قوله في حديث ابن عمر: «لا تنتقب المرأة» ؛ وذلك لأن ستر وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج؛ فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتعرض عن الرجال، ويعرضون عنها» (2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وَكُنَّ النِّسَاءُ يُدْنِينَ عَلَى
(1) انظر: حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة لشيخ الإسلام، ص 14.
(2)
عارضة الأحوذي، 4/ 56.
(3)
انظر: إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب، الحلقة الخامسة، مجلة الجامعة السلفية، ص 50.
وُجُوهِهِنَّ مَا يَسْتُرُهَا مِنَ الرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ وَضْعِ مَا يُجَافِيهَا كبدن الرجل، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ، فَلَهَا أَنْ تُغَطِّيَ وَجْهَهَا وَيَدَيْهَا لَكِنْ بِغَيْرِ اللِّبَاسِ الْمَصْنُوعِ بِقَدْرِ الْعُضْوِ، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ، وَيَلْبَسُ الْإِزَارَ» (1).
وقال الشيخ محمد أديب كلكل تعليقاً على هذا الحديث: «وهذا صريح الدلالة على أن النساء في عهد النبوة قد تعودن الانتقاب، ولبس القفازين عامَّة، فنُهين عنه في الإحرام» (2).
قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: «والمسألة الرابعة عشرة: قوله في حديث ابن عمر: «ولا تَنَتقِب الَمرأةُ» ؛ وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئًا من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتعرض عن الرجال، ويعرضون عنها» (3).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: «ووجه المرأة في الإِحرام فيه قولان في مذهب أحمد وغيره، قيل: إنه كرأس الرجل فلا يغطى، وقيل: إنه كبدنه، فلا يغطى بالنقاب والبُرْقُع ونحو ذلك مما صنع على قدره؛ وهذا هو الصحيح؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهَ إلَاّ عن القفازين والنقاب، وكن النساء يدنين على وجوههن ما يسترها من الرجال
(1) انظر: حجاب المرأة المسلمة ولباسها في الصلاة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 14، ومجموع الفتاوى له، 15/ 370 - 371.
(2)
انظر: اللباب في فرضية النقاب، ص 115.
(3)
عارضة الأحوذي، 4/ 56.
من غير وضع ما يجافيها عن الوجه، فَعُلِمَ أن وجهها كبدن الرجل، وذلك أن المرأة كلها عورة، فلها أن تغطي وجهها ويديها (1)؛ لكن بغير اللباس المصنوع بقدر العضو، كما أن الرجل لا يلبس السراويل ويلبس الإِزار» (2).
وقال أيضًا في إعلام الموقعين في الحديث نفسه: «ونساؤه صلى الله عليه وسلم
(1) يعني في حال الإحرام.
(2)
مجموع الفتاوى، 20/ 120.
(3)
تهذيب سنن أبي داود، 5/ 282 - 283 بهامش عون المعبود.
أعلم الأمة بهذه المسألة، وقد كنّ يَسْدُلن على وجوههن إذا حاذاهن الركبان، فإذا جاوزوهن كشفن وجوههن، ورَوى وكيع، عن شعبة، عن يزيدَ الرِّشْك، عن معاذة العدوية قالت: سألتُ عائشة رحمه الله ما تلبسُ المحرمة؟ فقالت: لا تنتقب ولا تتلثم، وتسدل الثوبَ على وجهها» (1).
ثم ذكر ابن القيم رحمه الله قول الذين يمنعون المحرمة من تغطية وجهها وردَّ عليهم إلى أن قال: «فكيف يحرم ستر الوجه في حق المرأة مع أمر اللَّه لها أن تدني عليها جلبابها، لئلا تُعْرَفَ ويفْتَتَن بصورتها؟» (2).
وذكر الإمام ابن القيم أيضاً في بدائع الفوائد سؤالاً في كشف المرأة وجهها في حال الإِحرام، وجواباً لابن عقيل في ذلك، ثم تعقبه بالرد فقال: «سبب هذا السؤال والجواب خفاءُ بعض ما جاءت به السنة في حق المرأة في الإِحرام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لها كشف الوجه في الإحرام ولا غيره، وإنما جاء النصُّ بالنهي عن النقاب خاصة، كما جاء بالنهي عن القفازين، وجاء بالنهي عن القميص والسراويل، ومعلوم أن نهيه عن لبس هذه الأشياء، لم يُرِد
(1) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «تلبس المحرمة من الثياب ما شاءت إلا ثوباً مسه زعفران أو ورس، ولا تتبرقع، ولا تتلثم، وتسدل الثوب على وجهها» رواه البيهقي، 5/ 47، وغيره. انظر: مسائل الإمام أحمد، لأبي داود، ص 108 - 110.
(2)
إعلام الموقعين عن رب العالمين، 1/ 266.
أنها تكون مكشوفة لا تُسْتَرُ البتة؛ بل قد أجمع الناسُ على أن المحرمة تستر بدنها بقميصها ودِرْعها، وأن الرجل يستر بدنه بالرداء وأسافله بالإِزار، مع أن مخرج النهي عن النقاب والقفازين والقميص والسراويل واحد، وكيف يُزاد على موجَب النص، ويُفهم منه أنه شرع لها كشف وجهها بين الملأ جهارًا؟ فأي نص اقتضى هذا، أو مفهومِ أو عموم أو قياس أو مصلحة؟
بل وجه المرأة كبدن الرجل، يحرم ستره بالمفصل على قدره كالنقاب والبُرقع، بل وكَيَدِها يحرم سترُها بالمفصَّل على قدر اليدين كالقُفَّاز، وأما سترها بالكم، وستر الوجه بالملاءة والخمار والثوب فلم يُنْه عنه البتة، ومن قال: إن وجهها كرأس المحرم، فليس معه بذلك نص ولا عموم، ولا يصح قياسه على رأس المحرِم، لما جعل اللَّه بينهما من الفرق.
وقول من قال من السلف: إحرام المرأة في وجهها، إنما أراد به هذا المعنى، أي لا يلزمها اجتناب اللباس كما يَلزم الرجل، بل يلزمها اجتناب النقاب، فيكون وجهها كبدن الرجل.
ولو قُدِّر أنه أراد وجوبَ كشفه فقوله ليس بحجة ما لم يثبت عن صاحب الشرع أنه قال ذلك، وأراد به وجوب كشف الوجه، ولا سبيل إلى واحد من الأمرين. وقد قالت أم المؤمنين عائشة رحمه الله: «كُنَّا إذا مَرَّ
بنا الركبان سدلت إحدانا الجلباب على وجهها» (1)، ولم تكن إحداهن تتخذ عوداً تجعله بين وجهها وبين الجلباب (2)، كما قاله بعض الفقهاء، ولا يُعْرَفْ هذا عن امرأة من نساء الصحابة، ولا أمهات المؤمنين البتة، لا عملاً ولا فتوىً، ومستحيل أن يكون هذا من شعار الإِحرام، ولا يكونَ ظاهرًا مشهورًا بينهن يعرفه الخاص والعام.
ومن آثر الإِنصاف، وسلك سبيل العلم والعدل، تبين له راجح المذاهب من مرجوحها، وفاسدها من صحيحها، واللَّه الموفق والهادي» (3).
ونقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن ابن المنذر أنه قال: «أجمعوا على أن المرأة المحرمة تلبس المخِيطَ كلَّه والخِفافَ، وأنَّ لها أن تغطي رأسها، وتستُر شعرها إلا وجهها، فتسدل عليه الثوبَ سدلًا خفيفاً تستتر به عن نظر الرجال الأجانب، ولا تخمره، إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر قالت: «كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تعني جدتها» (4).
قال: ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدْلاً، كما جاء عن عائشة
(1) أخرجه أحمد، برقم 24021، وأبو داود، برقم 1833، وقال الشيخ الألباني في جلباب المرأة المسلمة، 1/ 107:«حسن في الشواهد» . وتقدم تخريجه.
(2)
انظر: نيل الأوطار، 5/ 71.
(3)
بدائع الفوائد، 3/ 174 - 175.
(4)
أخرجه الإمام مالك في الموطأ، 1/ 328، برقم 16 في الحج، باب تخمير المحرم وجهه، وابن خزيمة، 4/ 203، برقم 2690، والحاكم، 1/ 45، وصححه، ووافقه الذهبي.