الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السابع: الفتاوى المحققة المعتمدة في تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب
أولاً: فتاوى الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية سابقاً
رحمه الله:
السؤال الرابع: هل يجوز اختلاط الرجال بالنساء إذا أمنت الفتنة؟ [من الفتوى رقم 2640]
الجواب: اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات:
الأولى: اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال، وهذا لا إشكال في جوازه.
الثانية: اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد، وهذا لا إشكال في تحريمه.
الثالثة: اختلاط النساء بالأجانب في: دور العلم، والحوانيت (1)، والمكاتب، والمستشفيات، والحفلات، ونحو ذلك؛ فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في بادئ الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالآخر. ولكشف حقيقة هذا القسم؛ فإنا نجيب عنه من طريق: مجمل، ومفصل.
أما المجمل: فهو أن اللَّه تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين؛ فإذا حصل الاختلاط نشأ على ذلك آثار تؤدي إلى حصول
(1) الحوانيت: جمع حانوت، وهو الدكان. المصباح المنير، مادة (دكة).
الغرض السيئ؛ لأن النفوس أمارة بالسوء، والهوى يعمي ويصم، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر.
وأما المفصل: فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها، ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه؛ فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال، وقد سدَّ الشارع الأبواب المفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر، وينجلي ذلك بما نسوقه لك من الأدلة من الكتاب والسنة.
أما الأدلة من الكتاب فستة:
الدليل الأول: قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (1).
وجه الدلالة: أنه لما حصل اختلاط بين امرأة عزيز مصر وبين يوسف عليه السلام ظهر منها ما كان كامناً، فطلبت منه أن يوافقها، ولكن أدركه اللَّه برحمته فعصمه منها، وذلك في قوله تعالى:{فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2)، وكذلك إذا حصل اختلاط بالنساء اختار كل من النوعين من يهواه من النوع الآخر، وبذل بعد ذلك الوسائل للحصول عليه.
(1) سورة يوسف، الآية: 23 ..
(2)
سورة يوسف، الآية:34.
الدليل الثاني: أمر الله الرجال بغض البصر، وأمر النساء بذلك فقال تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} الآية (1).
وجه الدلالة من الآيتين: أنه أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، وأمره يقتضي الوجوب، ثم بيَّن تعالى أن هذا أزكى وأطهر. ولم يعفُ الشارع إلا عن نظر الفجأة، فقد روى الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«يَا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ» (2)، قال الحاكم بعد إخراجه: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه: ووافقه الذهبي في تلخيصه، وبمعناه عدة أحاديث.
وما أمر اللَّه بغض البصر إلا لأن النظر إلى من يحرم النظر إليه
(1) سورة النور، الآيتان: 30 - 31.
قلت: وإني لأعجب من تكرير بعض القراء صدر سورة يوسف، بخلاف سورة النور فلا يقرؤونها، وقد قال بعض السلف: ما حصلناه في سورة يوسف أنفقناه في سورة النور. والعجب الثاني قراءة صدر سورة مريم دون تكميل الموضوع الذي سيقت له من بيان حقيقة عيسى، ونفي الولد، والأمر بعبادة اللَّه، واختلاف الأحزاب في عيسى
…
إلخ. وبعض يخص السور أو الآيات ببعض المساجد، وبعض يقرأ آيات الرحمة دون غيرها، وهكذا بعض لا يقرأ الآيات التي تذم بعض الأشخاص إذا كان من بلده
…
(2)
أخرجه أحمد، 38/ 95، برقم 22991، وبرقم 2149، والترمذي، برقم 2777، والحاكم، 2/ 194، برقم 2788، وحسنه الألباني، وتقدم تخريجه.
زناً، فروى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا» (1) متفق عليه، واللفظ لمسلم. وإنما كان زناً لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة، ومؤدٍّ إلى دخولها في قلب ناظرها، فتعلق في قلبه، فيسعى إلى إيقاع الفاحشة بها، فإذا نهى الشارع عن النظر إليهن لما يؤدي إليه من المفسدة، وهو حاصل في الاختلاط، فكذلك الاختلاط ينهى عنه؛ لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر، والسعي إلى ما هو أسوأ منه.
الدليل الثالث: الأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة، ويجب عليها التستر في جميع بدنها؛ لأن كشف ذلك أو شيئاً منه يؤدي إلى النظر إليها، والنظر إليها يؤدي إلى تعلق القلب بها، ثم تبذل الأسباب للحصول عليها، وكذلك الاختلاط.
الدليل الرابع: قال تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (2).
وجه الدلالة: أنه تعالى منع النساء من الضرب بالأرجل، وإن كان جائزاً في نفسه، لئلا يكون سبباً إلى سمع الرجال صوت الخلخال، فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن، وكذلك الاختلاط
(1) البخاري، برقم 6243، ومسلم، برقم 2657، وتقدم تخريجه.
(2)
سورة النور، الآية:31.
يمنع لما يؤدي إليه من الفساد.
الدليل الخامس: قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (1)، فسرها ابن عباس وغيره: هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، ومنهم المرأة الحسناء وتمر به، فإذا غفلوا لحظها، فإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض، وقد اطلع إليه من قلبه أنه لو اطلع على فرجها وأنه لو قدر عليها فزنى بها.
وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى وصف العين التي تسارق النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من النساء بأنها خائنة، فكيف بالاختلاط.
الدليل السادس: أنه أمرهن بالقرار في بيوتهن، قال تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (2).
وجه الدلالة: أن اللَّه أمر أزواج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات الطيبات بلزوم بيوتهن، وهذا الخطاب عام لغيرهن من نساء المسلمين؛ لما تقرر في علم الأصول أن خطاب المواجهة يعم إلا ما دل الدليل على تخصيصه، وليس هناك دليل يدل على الخصوص، فإذا كن مأمورات بلزوم البيوت إلا إذا اقتضت الضرورة خروجهن، فكيف يقال بجواز الاختلاط على نحو ما سبق، على أنه كثر في هذا الزمان طغيان النساء، وخلعهن جلباب الحياء، واستهتارهن بالتبرج
(1) سورة النور، غافر:19.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:33.
والسفور عند الرجال الأجانب، والتعرّي عندهم، وقلَّ الوازع عن من أُنيط به الأمر من أزواجهن وغيرهم.
وأما الأدلة من السنة؛ فإننا نكتفي بذكر عشر أدلة:
الأول: روى الإمام أحمد في المسند بسنده عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه، إني أحب الصلاة معك؟! قال:«قد علمتُ أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي» قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، فكانت واللَّه تصلي فيه حتى ماتت» (1).
وروى ابن خزيمة في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ أَحَبَّ صَلَاةٍ تُصَلِّيهَا الْمَرْأَةُ إِلَى اللَّهِ فِي أَشَدِّ مَكَانٍ فِي بَيْتِهَا ظُلْمَةً» (2).
وبمعنى هذين الحديثين عدة أحاديث تدل على أن صلاة المرأة
(1) أخرجه أحمد، برقم 27090، وابن حبان، برقم 2217، وحسّنه لغيره الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 82، برقم 340، وتقدم تخريجه.
(2)
صحيح ابن خزيمة، 3/ 95، برقم 1691، والبيهقي في الكبرى، 3/ 131، وحسنه لغيره الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 77، برقم 948.
في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد.
وجه الدلالة: أنه إذا شرع في حقها أن تصلي في بيتها، وأنه أفضل حتى من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه، فلئن يمنع الاختلاط من باب أولى.
الثاني: ما رواه مسلم، والترمذي وغيرهما بأسانيدهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (1)، قال الترمذي بعد إخراجه:«حديث حسن صحيح» .
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع للنساء إذا أتين إلى المسجد فإنهن ينفصلن عن الجماعة على حدةٍ، ثم وصف أول صفوفهن بالشر، والمؤخر منهن بالخير. وما ذلك إلا لبعد المتأخِّرات عن الرجال عن مخالطتهم، ورؤيتهم، وتعلّق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، وذمَّ أول صفوفهن لحصول عكس ذلك، ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد لفوات التقدم، والقرب من الإمام، وقربه من النساء اللاتي يشغلن البال، وربما أُفسدت به العبادة، وشوشن النية والخشوع؛ فإذا كان الشارع توقع حصول ذلك في مواطن العبادة، مع أنه لم يحصل اختلاط، فحصول ذلك إذا وقع اختلاط من باب أولى، فيمنع
(1) صحيح مسلم، برقم 440، تقدم تخريجه.
الاختلاط من باب أولى.
الثالث: روى مسلم في صحيحه عن زينب زوجة عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنها قال: قال لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ المَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيباً» (1).
وروى أبو داود في سننه، والإمام أحمد، والشافعي في مسنديهما بأسانيدهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:«لا تمنعوا إماء اللَّه مساجد اللَّه، وليخرجن وهن تَفِلات» (2).
قال ابن دقيق العيد: فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد؛ لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم، وربما يكون سبباً لتحريك شهوة المرأة أيضاً. قال: ويلحق بالطيب ما في معناه، كحسن الملبس، والحلي الذي يظهر أثره، والهيئة الفاخرة، قال الحافظ ابن حجر: وكذلك الاختلاط بالرجال. وقال الخطابي في (معالم السنن): التفل سوء الرائحة. يقال: امرأة تفلة إذا لم تتطيب، ونساء تفلات.
الرابع: روى أُسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (3) رواه البخاري، ومسلم.
(1) صحيح مسلم، كتاب الصلاة باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة، برقم 443.
(2)
أخرجه مسلم، برقم 442، أحمد، برقم 9645، وأبو داود، برقم 565، تقدم تخريجه.
(3)
البخاري، برقم 5096، ومسلم، برقم 2740، تقدم تخريجه.
وجه الدلالة: أنه وصفهن بأنهن فتنة، فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون؟ هذا لا يجوز.
الخامس: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» (1) رواه مسلم.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتقاء النساء، وهو أمر يقتضي الوجوب، فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط؟! هذا لا يجوز.
السادس: روى أبو داود في السنن، والبخاري في الكنى بسنديهما، عن حمزة بن السيد الأنصاري، عن أبيه رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء:«اسْتَأْخِرْنَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ» . فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ» (2). هذا لفظ أبي داود.
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث: «يحققن الطريق: أن يركبن حقها وهو وسطها» (3).
(1) مسلم، برقم 2742، تقدم تخريجه.
(2)
سنن أبي داود، برقم 5272، تقدم تخريجه.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 1/ 68، مادة (حقّ).
وجه الدلالة: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا منعهن من الاختلاط في الطريق؛ لأنه يؤدي إلى الافتتان، فكيف يقال بجواز الاختلاط في غير ذلك؟!
السابع: روى أبو داود الطيالسي في سننه وغيره، عن نافع عن عمر رضي الله عنهما:«أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمَّا بنى المسجد جعل باباً للنساء، وقال: «لَا يَلِجُ مِنْ هَذا البَابِ مِنَ الرِّجَال أحَدٌ» (1)، وروى البخاري في التاريخ الكبير له، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تَدْخُلُوا المسجِدَ مِنْ بَابِ النِّسَاء» (2).
وجه الدلالة: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرجال بالنساء في أبواب المساجد دخولاً، وخروجاً، ومنع أصل اشتراكهما في أبواب المسجد؛ سداً لذريعة الاختلاط، فإذا مُنِعَ الاختلاط في هذه الحالة ففيما سوى ذلك من باب أولى.
الثامن: روى البخاري في صحيحه، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قالت:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَيَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا» (3)، وفي رواية ثانية: «كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ
(1) أخرجه الطيالسي، 3/ 368، وأبو نعيم في الحلية، 1/ 313.
(2)
ضعفه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، 12/ 964، وعزاه للبخاري في التاريخ الكبير.
(3)
البخاري، برقم: 837، وتقدم تخريجه.
فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» (1)، وفي رواية ثالثة:«كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ الرِّجَالُ» (2).
وجه الدلالة: أنه منع الاختلاط بالفعل، وهذا فيه تنبيه على منع الاختلاط في غير هذا الموضع.
الدليل العاشر: روى الطبراني في المعجم الكبير عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ» (3)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد:«رجاله رجال الصحيح» ، وقال المنذري في الترغيب والترهيب:«رجاله ثقات» .
وروى الطبراني أيضاً من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لَيَزْحَمُ رَجُلٌ خِنْزِيرًا مُتَلَطِّخًا بِطِينٍ، أَوْ حَمْأَةٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْحَمَ مَنْكِبِهِ مَنْكِبَ امْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ» (4).
وجه الدلالة من الحديثين: أنه صلى الله عليه وسلم منع مماسة الرجل للمرأة
(1) البخاري، كتاب الأذان، باب انتظار الناس قيام الإمام، برقم:866.
(2)
البخاري، برقم 866.
(3)
رواه الروياني في مسنده، برقم 1270، والطبراني في الكبير، برقم 486، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم 226، وتقدم تخريجه.
(4)
المعجم الكبير للطبراني، 8/ 205، برقم 7830، وقال الشيخ الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب، 2/ 2:«ضعيف جداً» .
بحائل وبدون حائل إذا لم يكن محرماً لها؛ لما في ذلك من الأثر السيئ، وكذلك الاختلاط يمنع لذلك.
فمن تأمل ما ذكرناه من الأدلة تبين له: أن القول بأن الاختلاط لا يؤدي إلى فتنة، إنما هو بحسب تصور بعض الأشخاص، وإلا فهو في الحقيقة يؤدي إلى فتنة؛ ولهذا منعه الشارع؛ حسماً لمادة الفساد.
ولا يدخل في ذلك ما تدعو إليه الضرورة، وتشتد الحاجة إليه، ويكون في مواضع العبادة، كما يقع في الحرم المكي، والحرم المدني. نسأل اللَّه تعالى أن يهدي ضالَّ المسلمين، وأن يزيد المهتدي منهم هُدىً، وأن يوفق ولاتهم لفعل الخيرات، وترك المنكرات، والأخذ على أيدي السفهاء، إنه سميع قريب مجيب.
وصلى اللَّه على محمد، وآله، وصحبه.
مفتي الديار السعودية
(ص- ف 1118 في 14 - 5 - 1388هـ)
(2641 - منع اختلاط النساء السافرات بالرجال)
جلالة الملك المعظم
…
أيده اللَّه
حفظ اللَّه جلالتكم: بلغني أن بعض المهندسين الأجانب الذين يُجْلَبون إلى نجد تبعاً لبعض المصالح يطالبون بمجيء نسائهم معهم.
ولا يخفى على جلالتكم أن وجود نساء النصارى في المملكة مفسدة كبرى. أولاً: لفسادهن وخبثهن. ثانياً: لا وجه لإجبارهن
على الغطا لكونهن غير مسلمات، ولو كن من مدعيات الإسلام وجب إجبارهن على التغطي التزاماً لما يدَّعينه من الإسلام. ونشوء المسلمين من ذكر وأنثى محتاجون إلى إبعاد جميع أسباب الشر عنهم، وتأثير الخلطة أمر معلوم، أعزكم اللَّه وأعز بكم دينه.
(ص-م 348 في 9 - 3 - 75هـ)
محمد بن إبراهيم (1)
(2642 - منع النساء السافرات الأجنبيات من الخروج إلى الشوارع)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
رئيس مجلس الوزراء
…
حفظه اللَّه
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته
…
وبعد
نرفع لسموكم برفقه المكاتبة الواردة إلينا من فضيلة رئيس محكمة الظهران برقم (بدون) في 2 - 1 - 1380هـ المعطوفة على ما رفعه له رئيس محكمة الخبر برقم 2249، وتاريخ 4 - 1 - 1380هـ حول ما لاحظه في مدينة الخبر من خروج النساء الأجنبيات في شوارعها سافرات متبرجات كاشفات الوجوه والرؤوس، باديات السيقان والأذرع. ولا يخفى سموكم ما في ذلك من الفساد والفتنة للرجال، مع أن ذلك وسيلة كبرى لاقتداء
(1) وتقدم في فتوى برقم 1278/ 1 في 13/ 5/85هـ في (توحيد الإلهية) حكم اختلاط النساء بالرجال، وحضور المرأة مجالس الرجال، برقم 3559/ 1، في 26/ 11/86هـ، في كتاب الجهاد، وفتوى في صلاة الجماعة، برقم 204/ 3/1، في 12/ 8/87هـ.
المسلمين بهن، والتزين بزينتهن كما هو الواقع، وكما أشار إلى ذلك قاضي الظهران بحيث تعذر التمييز بينهن. والذي يتعين في مثل هذا غيرة للَّه ولدينه، وقياماً لواجب الرعية التي ولاّكم اللَّه عليها هو العمل على حسم أسباب الفساد، وتدهور الأخلاق بمنع أولئك النساء من الخروج سافرات متبرجات، لا سيما والمعروف أن الأجنبي لا يسمح له بدخول البلاد إلا بعد أخذ التعهد عليه بالخضوع لتعاليم البلاد المعمول بها فيها، وأملنا وطيد في أن تولوا هذا الأمر الخطير ما يستحقه من العناية والاهتمام التام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «كُلَّكُم رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (1). حفظكم الله ونصر بكم الحق وأهله أينما كان والسلام عليكم.
رئيس القضاة
(ص-ف 147 في 24 - 2 - 1380هـ)
(2643 - خطر اختلاط النساء بالرجال في حديقة الحيوان)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
أمير منطقة الرياض
…
حفظه اللَّه
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته
…
وبعد
فإنه اتصل بعلمي بأنه يحصل للنساء مزاحمة من بعض الرجال في «حديقة الحيوانات» في اليوم المخصص للنساء، وأن بعض
(1) أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، برقم 893.
الناس يخرج إلى هناك لهذا الغرض، وللنظر إلى النساء المتفرجات.
وتعلمون سموكم خطر هذا الأمر على فساد الأخلاق، وقد يحدث ما بين حين وآخر من جرائها ما لا تحمد عقباه؛ لذا نرجو أن يتخذ سموكم الإجراءات الإيجابية الحاسمة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، والتي يظهر أثرها لدى المتحمسين للخير المنكرين لهذه الشرور وأمثالها. وفقكم اللَّه والسلام عليكم.
(ص-م 1240 في 17 - 3 - 1384هـ)
(2644 - اختلاط سفلة الرجال بالنساء في أسواق الأقمشة)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الفضيلة الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
…
بمنطقة نجد وتوابعها المحترم
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، وبعد:
فقد اتصل بعلمنا أنه يحصل في أسواق الأقمشة اختلاط سفلة الرجال بالنساء، ومتابعتهم لهن، ومحاولة معاكستهن، أو للحصول منهن على وعد أو موافقة.
وحيث إن هذا الأمر مبدأ خطير، وله ما بعده إذا حصل التساهل، لذا نأمل أن تهتموا بهذا الأمر، وتوصوا مركز الهيئة في السوق بملاحظة ذلك بدقة، واستمرار الملاحظة، وفقنا اللَّه وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة اللَّه.
(ص-م 1241 - دوسية 76 - 14)
(2645 - حكم اختلاط المحاسبين بالمدرسات)
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس مدارس البنات المحترم
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته
…
وبعد
كتب لنا بعض المطلعين من مكة يقول: إنه لاحظ وضع مكتب في فناء مدرسة البنات يجلس عليه ثلاثة رجال من موظفي المحاسبة، وتأتي المدرسات فيجتمعن حولهم على هذا المكتب ليوقعن على مسيرات الرواتب، ويستملن استحقاقهن. وذكر أن بعض أولياء أمور المدرسات طلب تسليم راتبها إليه بعد توقيعها على المسيرات، وبموجب وكالة منها، فلم يحصل، بل أصروا على حضورها بنفسها، واستلامها الراتب. وقصده بذلك يستفتي عن حكم اختلاط هؤلاء الثلاثة الرجال بالمدرسات على الصفة التي ذكرها.
وقد لفت نظرنا هذا، ورأينا تنبيهكم عليه لتقوموا حوله بما يلزم، وتخبرونا بالحقيقة. والسلام عليكم.
(ص-م 3130 في 14 - 11 - 1385هـ)
(1646 - جواب عن شبهات دعاة السفور)
أحاديث نظر الفجأة مع أحاديث إباحة النظر إلى المخطوبة تفيد المنع من السفور، فإنه قد اغتر به من اغتر، ومفسدته أكبر المفاسد، وحاصله أن زوجها يستمتع بمقدار، وقسم من الناس يستوفي منه أكثر منه، فلا بقي إلا الفرج.
الرجل الذي يرضى أن يتفكه بزوجته ديوث.
وهذه زوجها بعض من ينتسب إلى العلم، وإلَاّ فهي من أوضح شيء، ولكن الهوى يعمي ويصم، وقصة صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل استدلوا بها، ولا دليل فيها، إذ لا يفيد أنها كاشفة وجهها، فإنه قد يدرك شيء مع تغطية الوجه، خصوصاً الأعراب، فإنهم قد لا يكملون التستر.
وأيضاً صرف وجهه لأجل المفسدة، وهو ثوران الشهوة الذي يجر إلى الفاحشة.
وأيضاً من يقول: إن الرجل يصرف وجهه عنها؟ ما يَحصلْ، بل وجهه في وجهها، ونظره في نظرها.
من يقول إن الرجال متعبدين بصرف وجوههم، والمرأة لها السفور؟! ولا يمكن صرف وجوههم، فالنظر واقع، والمفسدة لا محالة، فيكون فيه المنع من السفور.
(تقرير)
(2647 - س: الشيخ ناصر الدين الألباني يرى السفور؟)
ج: يريد أن يطلب زكاماً فيحدث جذاماً.
…
(تقرير)
(2648 - القبلة)
أما قبلة المرأة ليدفع عن نفسه الضرر فلا يجوز.
والمسألة التي نسبت للشيخ هل يجوز أن يقبلها رجاء أن يطفئ لهيب الشهوة؟
فأجاب بالجواز. ولكنها كذب، وقد فندها تلميذه في «روضة المحبين» (1).
(2649 - مهنة البيع لا يتولاها النساء الفاتنات)
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
أمير منطقة الرياض
…
... الموقر
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، وبعد:
حفظك اللَّه - اتصل بعلمي أنه يوجد في السوق «بالمقيبرة» نساء يبعن البيض مقدار خمس نساء، وهن نساء فاتنات للرجال؛ لجمالهن، وتبرجهن بالملابس والحلي، ويصافحن الرجال بأيديهن، وأنه يشاهد بعض سفلة الرجال يجلسون إليهن، ويتكلمون معهن، وحيث إن ذلك منكر ظاهر، فإنا نأمل منعهن من هذه المهنة، ولا يسمح أن يتولى ذلك إلا رجال، أو نساء عجائز ليس فيهن شبهة ما دمن بهذه الحالة، قوّاكم اللَّه في الحق، وأخذ بيدكم إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، والسلام عليكم ورحمة اللَّه.
(1) ص129 - 231. قال ابن القيم: «وأما الفتوى التي حكيتموها فكذب عليه، لا تناسب كلامه بوجه، ولولا الإطاله لذكرناها جميعها حتى يعلم الواقف عليها أنها لاتصدر عمن هو دونه فضلاً عنه، وكان بعض الأمراء قد أوقفني عليها قديماً، وهي بخط رجل متهم بالكذب. ا. هـ.
(ص-م 1244 في 17 - 3 - 84هـ)
(2650 - الواجب في مسألة الاختلاط)
وأما اختلاط النساء بالرجال وحصول المفاسد التي ذكرتها (1)، فهذا من أكبر المنكرات التي يتعين إنكارها على الجميع، كما يجب على كل فرد أن يمنع نساءه من هذا السفور والاختلاط، فإن فتنة النساء فتنة عظيمة، وفي الحديث:«مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (2)، وهذه المسائل تحتاج إلى موالات النصائح، وبذل الجد في تحذير الناس من مغبتها. وتبيين مفاسدها والاستمرار بذلك، والاستعانة بذوي السلطة وأصحاب النفوذ لعل اللَّه أن يهدي ضال المسلمين والسلام عليكم (3).
(ص-ف 1278 - 1 في 13 - 5 - 1385)
(1) في السؤال - وهو ما يحصل من النساء هناك من خروجهن سافرات، واختلاطهن بالرجال في محافل الزواج، وعند القدوم من السفر، وعند حفل الولادة، ونحو ذلك إلى آخر ما ذكرته (هذا نص السؤال).
(2)
البخاري، كتاب النكاح، باب ما يتلقى من شؤم المرأة برقم 5096، ومسلم، كتاب العلم، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء، برقم 2740.
(3)
مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 10/ 35 - 50.