الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحق، المتبعين أهواءهم!!.
فإن الاختلاط محرم في السنة النبوية كما تقدم ذكر الأدلة على ذلك، فيكون مما أمر به القرآن.
الشبهة الثالثة والعشرون: استدلال مبيحي الاختلاط بغزو النساء
مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومداواتهن الجرحى:
مثل حديث أنس رضي الله عنه قال: «لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب، وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم» (1).
وعنه أيضاً قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى» (2) ..
وعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: غزوت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى» (3).
وعن يزيد بن هرمز «أن نجدة [بن عامر، من زعماء الخوارج] كتب
(1) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال، برقم 2880، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال، برقم 1811.
(2)
رواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال، برقم 1810.
(3)
رواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال، برقم 1812.
إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال، فقال ابن عباس: لولا أن أكتم علماً ما كتبت إليه، كتب إليه نجدة: أما بعد: فأخبرني هل كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟! وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس: كتبت تسألني: هل كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن، فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة
…
» (1).
والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
الوجه الأول: العلماء مجمعون على أن المرأة ليس عليها جهاد، قال ابن حزم:«واتفقوا أن لا جهاد فرضاً على امرأة، ولا على من لم يبلغ، ولا على مريض لا يستطيع، ولا على فقير لا يقدر على زاد» (2).
وقال محمد بن عيسى بن أصبغ: «واتفقوا كذلك أن المرأة ومن لم يبلغ، والمريض الذي لا يستطيع القتال لا جهاد فرضاً عليه» (3).
وقال أبومحمد المقدسي: «ولا يسهم لامرأة، ولاصبي، ولا مملوك؛ لأنهم من غير أهل القتال، ويرضخ لهم دون السهم» (4).
قلت: والأدلة على عدم فرضية الجهاد على المرأة كثيرة، وأصلها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «لكن أفضل الجهاد حج
(1) رواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال، برقم 1812.
(2)
مراتب الإجماع، ص 201.
(3)
نقلاً من كتاب الإنجاد في أبواب الجهاد، ص 707.
(4)
الكافي، 5/ 524.
مبرور» (1).
قال العلامة بكر بن عبد اللَّه أبوزيد رحمه الله: «لم يعقد راية لامرأة قط في الجهاد، وكذلك الخلفاء بعده، ولا انتدبت امرأة لقتال، ولا لمهمة حربية، بل إن الاستنصار بالنساء، والتكثر بهن في الحروب دال على ضعف الأمة، واختلال تصوراتها.
وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول اللَّه، تغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث؟! فأنزل اللَّه:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (2)» (3). قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعليقاً على هذا الحديت: «وهذا الحديث يرد على الكذابين المفترين - في عصرنا- الذين يحرصون على أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين، فيخرجون المرأة عن خدرها، وعن صونها وسترها الذي أمر اللَّه به، فيدخلونها في نظام الجند، عارية الأذرع والأفخاذ، بارزة المقدمة والمؤخرة، متهتكة فاجرة، يرمون بذلك في الحقيقة إلى الترفيه الملعون عن الجنود الشبان المحرومين من النساء في الجندية، تشبهاً بفجور اليهود والإفرنج، عليهم لعائن اللَّه المتتابعة إلى يوم
(1) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، برقم 2784.
(2)
سورة النساء، الآية:32.
(3)
رواه أحمد، 44/ 320، برقم 26736، والترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة النساء، برقم 3022، وأبو يعلى، 12/ 393، والحاكم، وغيرهم بسند صحيح حيث صححه الحاكم، 2/ 306، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وانظر: حراسة الفضيلة، ص 55 - 56.
القيامة» (1).
فإذا عُلِمَ أن المرأة لم يفرض عليها الجهاد في سبيل اللَّه، وإن كانت ذات شجاعة، عُلِمَ أن خروج النساء في الغزو ليس فيه اختلاط بالرجال؛ لأنهن لا يقاتلن معهم. فكل الأحاديث الواردة في خروج النساء في الغزو وفي الجهاد في سبيل اللَّه لا يراد بها القتال مع الرجال.
الوجه الثاني: دلت الأحاديث على جواز خروج النساء في الغزو، ولكن هذا الخروج له ضوابط، قال ابن عبد البر:«وخروجهن مع الرجال في الغزوات وغير الغزوات مباح إذا كان العسكر كبيراً يؤمن عليه الغلبة» (2).
فقوله: «مباح» دليل على أنه ليس سنة، وقوله:«إذا كان العسكر كبيراً يؤمن عليه الغلبة» مفيد على أن خروجهن حسب المصلحة، وخروج المحرم لا بد منه، فإن لم يوجد لها محرم، فلا خروج.
ومن الضوابط أيضاً: أن كثيراً من العلماء نصُّوا على أن الخارجات من كبيرات السن، وكرهوا خروج الشابات. وهذا واضح؛ لأن الخارجات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في الغالب كُنَّ كبيرات في السن، كأمِّ سليم وأم عطية وغيرهما.
وأما عمل الخارجات في الغزو: فسقي القوم، ومداواة المرضى
(1) عمدة التفسير، لأحمد شاكر، 3/ 157. حراسة الفضيلة، ص 55 - 56.
(2)
التمهيد، 19/ 266.
ورد الجرحى والقتلى، كما دلت الأحاديث السابقة على هذا. وهذا لا يلزم فيه الاختلاط بغير محارمهن، قال النووي:«وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِخْتِلَاط النِّسَاء فِي الْغَزْو بِرِجَالِهِنَّ فِي حَال الْقِتَال؛ لِسَقْيِ الْمَاء وَنَحْوه» (1).
وإن حصل شيء من الاختلاط فلضرورة.
قال القرطبي في: «ويسقين الماء؛ أي: تحملنه على ظهورهن، فيضعنه بقرب الرجال، فيتناوله الرجال بأيديهم فيشربوه» (2).
وإن حصل شيء من الاختلاط فلضرورة ذلك الحال، قال ابن حجر: «وفِيهِ جَوازُ مُعالَجَة المَرأَة الأَجنَبِيَّة الرَّجُل الأَجنَبِيّ لِلضَّرُورَةِ. قالَ ابن بَطّال: ويَختَصُّ ذَلِكَ بِذَوات المَحارِمِ ثُمَّ بِالمُتَجالَاّتِ مِنهُنَّ
…
فَإِن دَعَت الضَّرُورَة لِغَيرِ المُتَجالَاّتِ، فَليَكُن بِغَيرِ مُباشَرَةٍ ولا مَسٍّ» (3).
فاتضح مما سبق أن خروج النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة للغزو في سبيل اللَّه ليس فيه اختلاطهن بالرجال، إلا ما قد يضطر إلى ذلك. ولا حجة لمبيحي الاختلاط في الضرورة؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها، والضرورات تبيح المحظورات، فكيف يحتج بهذه الأحاديث لتبرير المؤامرة الدولية على المرأة المسلمة لإقحامها في فتن الاختلاط والتبرج وغير ذلك؟! وكيف يحتج بها
(1) شرح مسلم للنووي، 12/ 190.
(2)
المفهم شرح صحيح مسلم، 3/ 684.
(3)
فتح الباري، 6/ 94.