الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد أنها لا تغطي وجهها وكفيها كما توهمه البعض؛ فإنه يجب سترهما لكن بغير النقاب والقفازين. هذا ما فسره به الفقهاء والعلماء، ومنهم العلامة الصنعاني رحمه الله، وبهذا يعلم وجوب تحجب المرأة وسترها لوجهها وأنه يحرم عليها إخراج شيء من بدنها وما عليها من أنواع الزينة مطلقاً إلا ما ظهر من ذلك كله في حالة الاضطرار، أو عن غير قصد كما سلف بيان ذلك، وهذا التحريم جاء لدرء الفتنة. ومن قال بسواه أو دعا إليه فقد غلط وخالف الأدلة الشرعية ولا يجوز لأحد اتباع الهوى أو العادات المخالفة لشرع اللَّه سبحانه وتعالى؛ لأن الإسلام هو دين الحق والهدى والعدالة في كل شيء ، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عما يخالفها من مساوئ الأخلاق وسيء الأعمال. واللَّه المسؤول أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه جواد كريم، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه (1).
2 - أهمية الغطاء في وجه المرأة
من عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز إلى حضرة الأخ المكرم
…
وفقه اللَّه لكل خير، آمين.
(1) مجموع فتاوى ابن باز، 5/ 224 - 233.
سلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته ، وبعد:
فكتابكم المؤرخ بدون وصل وصلكم اللَّه بهداه وهذا نصه: «أرجو من فضيلتكم إجابتي عن أهمية الغطاء على وجه المرأة وهل هو واجب أوجبه الدين الإسلامي، وإذا كان كذلك فما هو الدليل على ذلك، إنني أسمع الكثير وأعتقد أن الغطاء عم استعماله في الجزيرة على عهد الأتراك ومنذ ذلك الوقت سار التشديد على استعماله حتى أصبح يراه الجميع أنه فرض على كل امرأة، كما قرأت أنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة الراشدين كانت المرأة تشارك الرجل في الكثير من الأعمال كما تساعده في الحروب، فهل هذه الأشياء حقيقة أم أن فهمي غلط لا أساس له إنني أنتظر الإجابة من فضيلتكم لفهم الحقيقة وحذف ما هو مشوه؟ انتهى.
الجواب: الحجاب كان أول الإسلام غير مفروض على المرأة وكانت تبدي وجهها وكفيها عند الرجال، ثم شرع اللَّه سبحانه الحجاب للمرأة وأوجب ذلك عليها صيانة لها وحماية لها من نظر الرجال الأجانب إليها وحسماً لمادة الفتنة بها، وذلك بعد نزول آية الحجاب وهي قوله تعالى في الآية من سورة الأحزاب:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (1) الآية ، والآية المذكورة وإن كانت نزلت في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمراد منها: هن وغيرهن من النساء لعموم العلة
(1) سورة الأحزاب، الآية 53.
المذكورة والمعنى في ذلك.
وقال سبحانه وتعالى في السورة نفسها: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (1)، الآية؛ فإن هذه الآية تعمهن وغيرهن بالإجماع، ومثل قوله عز وجل في سورة الأحزاب أيضاً {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (2) الآية. وأنزل اللَّه في ذلك أيضاً آيتين أخريين في سورة النور، وهما قوله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} (3) الآية، والبعولة هم: الأزواج، والزينة هي: المحاسن والمفاتن والوجه أعظمها، وقوله سبحانه:{إلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} المراد به: الملابس في أصح قولي العلماء، كما قاله الصحابي الجليل عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه لقوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ
(1) سورة الأحزاب، الآية 33.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:59.
(3)
سورة النور، الآيتان: 30 - 31.
يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1)،
ووجه الدلالة من هذه الآية على وجوب تحجب النساء - وهو ستر الوجه وجميع البدن عن الرجال غير المحارم - أن اللَّه سبحانه رفع الجناح عن القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً وهن العجائز إذا كن غير متبرجات بزينة، فعلم بذلك أن الشابات يجب عليهن الحجاب وعليهن جناح في تركه، وهكذا العجائز المتبرجات بالزينة عليهن أن يتحجبن لأنهن فتنة، ثم إنه سبحانه أخبر في آخر الآية أن استعفاف القواعد غير المتبرجات خير لهن وما ذاك إلا لكونه أبعد لهن من الفتنة ، وقد ثبت عن عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما ما يدل على وجوب ستر المرأة وجهها عن غير المحارم ولو كانت في حال الإحرام كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها في الصحيحين ما يدل على أن كشف الوجه للمرأة كان في أول الإسلام ثم نسخ بآية الحجاب.
وبذلك تعلم أن حجاب المرأة أمر قديم من عهد النبي صلى الله عليه وسلم قد فرضه اللَّه سبحانه، وليس من عمل الأتراك، أما مشاركة النساء للرجال في كثير من الأعمال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كعلاج الجرحى وسقيهم في حال الجهاد، ونحو ذلك فهو صحيح مع التحجب والعفة والبعد عن أسباب الريبة، كما قالت أم سليم رضي الله عنها: «كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقي الجرحى ونحمل الماء ونداوي
(1) سورة النور، الآية: 60 ..