الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجال دُمًى تحركها العقلية الاستعمارية عن طريق بيوت الأزياء، وما يسمى «جمعيات تحرير المرأة» فَيتقمصْنَ شخصياتها، ويُقَلّدنها في أفعالها، وما أشد مُصَاب الأمة حين تُنكب بناشئة تربو على أيدي أمهات من ذلك القبيل، فينشؤون نشأة لا يعرفون قيمة لفضيلة، ولا يدركون مدى هبوط الرذيلة. عقلهم غربي، وسلوكهم أجنبي، ولسانهم عربي .. وصدق فيهم ما رواه أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ:«فَمَنْ» (1)؟
رابعاً: الحجاب مظهر ودليل على تمكن الحياء ووفور الأدب:
فالمرأة التي تعلو وجهها حُمْرة الحياء حين يقع عليها نظر رجل، وتتحرج عندما تتكلم مع غير محارمها لحاجة أو ضرورة تدعوانها إلى ذلك، امرأةٌ نقية المعدن، طيبة القلب، نبيلة الشعور، وحجابها يزيد ضميرها حياةً، وعنصرها زكاةً، وباطنها نقاءً، فتمتنع عما لا يجوز، وتنأى بنفسها عما لا ينبغي، وتتأبَّى من غشيان مجالس السوء، ولا عجب أن يصونها الحجاب؛ لأنه يدعو إلى
(1) أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، برقم 7320، واللفظ له، ومسلم، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، برقم 2669.
الحياء، ويبعدها عن مواطن الريبة، ويُقَرِّبُها من فِعَال الخير، وصدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ يقول:«الحياء خير كله» (1).
ولما كان الحياء خيرًا كله؛ فإن عاقبته إلى خير، حيث يحجز صاحبه عن الرذائل، ويسوقه إلى الفضائل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ» (2).
إن المرأة التي يدفعها حياؤها إلى ستر مفاتنها، وعدم إبداء زينتها، والاعتزاز بحجابها، والبعد عما يسخط ربها، هي امرأة ربا الإيمان في قلبها، وعظم اليقين في نفسها، وتسربلت الخير في عملها، وحياء يدفع لهذا كله لا شك أنه من الإيمان المركوز في فطرة الإنسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ» (3)، وفي رواية أخرى:«الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ» (4).
قال الحافظ ابن حجر: «فإن قيل: الحياء من الغرائز، فكيف جُعل شعبة من الإيمان؟ أُجِيب بأنه قد يكون غريزة، وقد يكون تخلقًا، ولكن استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم
(1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان، برقم 37.
(2)
البخاري، كتاب الأدب، باب الحياء، برقم 6117، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان، برقم 37.
(3)
البخاري، كتاب الإيمان، باب الحياء من الإيمان، برقم 24، ومسلم واللفظ له، كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان، برقم 36.
(4)
البخاري، كتاب الإيمان، باب أمور الإيمان، برقم 9، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان، برقم 35.
ونية، فهو من الإيمان لهذا، ولكونه باعثًا على فعل الطاعة، وحاجزًا عن المعصية.
فإن قيل: لِمَ أفرده - أي البخاري - بالذكر هنا، أي في باب أمور الإيمان؟
أجيب بأنه كالداعي إلى باقي الشعب، إذ الَحِييُّ يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، فيأتمر وينزجر» (1).
والمرأة التي لا تتورع عن الابتذال في ملبسها، ولا تترفع عن إظهار مفاتنها، ثم لا تستشعر تأنيب الضمير حين تفتن الرجال بنفسها، بل تزهو بسيئ العمل، ولا يصطبغ وجهها - من ذلك بحمرة الخجل، فهذه امرأة فقدت حياءها، ومن ثمَّ فقدت ثمرة إيمانها، وإن استحلت ذلك مع علمها بحرمته فقدت الإيمان نفسه
- والعياذ باللَّه تعالى -، وصدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ يقول:«الْحَيَاءُ وَالإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ» (2).
إن الإنسان حين يفقد حياءه، لا يشعر بغضاضة من اقتراف المعصية، وإنِ اقترفها من غير رادع، أو ألمَّ بها من دون وازع، سَهُل
(1) فتح الباري، 1/ 52.
(2)
أخرجه الحاكم، 1/ 22، وقال:«صحيح على شرطهما» ، والبخاري في الأدب المفرد، برقم 1313، وأبو نعيم في الحلية، 4/ 297، والبيهقي في شعب الإيمان، 6/ 140، وأخرجه أيضًا: ابن أبي شيبة، 5/ 213، رقم 25350 موقوفًا على ابن عمر، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، 2/ 36، برقم 991.