الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه غيرها، بحيث ينتقل من معصية إلى أخرى، وينحدر من مأثم إلى آخر حتى تهوي به الموبقات في مكان سحيق.
لقد عالج الإسلام مرضى النفوس، فطهرههم من دَنَسِ الرذيلة، ثم حفزهم إلى التحلي بكل فضيلة، كما حارب الفاحشة بالعفاف، والتبرجَ بالحجاب، وأقام من الإيمان والحياء حارسًا أمينًا على الإنسان حتى يقيَهُ مصارع السوء؛ فإذا فَقَدَ أحدهما فقد الآخر، وتمرَّغ في أوحال الرذيلة، ووقع في دَنَسِ الخطيئة.
وما حجاب المرأة إلا درع يقيها من نظرات المتطفلين، ويصونها من عبث العابثين، ويرد عنها أذى المستهترين، وما هو إلا أثر من آثار الإيمان والحياء، فما أحوج المرأة المسلمة إليهما في هذا الزمان الذي ظهر فيه الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.
خامساً: الحجاب يتناسب مع طبيعة المرأة
التي فطرها اللَّه تعالى على الإيمان والحياء؛ لأن حالها مبني على الستر، وطبيعة الحجاب تضمن لها ذلك لكونه من مقتضيات الخَفَر، فهو مادة من قانون حياتها الذي لا يجوز لها الخروج عليه، أو الانعتاق منه.
وحين تعيش المرأة في نطاق هذا النظام، وتحيا ضمن تلك الطبيعة، تشعر براحة النفس، وهدوء البال، فلا نظرات تلاحقها، ولا متسكعًا يتبعها، ولا قلقًا يؤرقها، ولا فراغًا يضجرها؛ لأنها في كَنفِ القانون الإلهي الذي قَرنَ الحياء بالإيمان.
فالإيمان زوَّدها بحصانة تحفظها، والحياء أسبغ عليها حجابًا
يسترها، ومنحها من الوقار والهيبة ما يصرف الفاسقين عنها ..
إن خروجَ المرأة عن تلك الطبيعة يُعتبرُ عدوانًا صارخًا على الفطرة، وتمردَها على الشرع ضربٌ من العبث بسنن اللَّه التي بثها في الكون، ولهذه الحكمة حرم على الرجل أن يتشبه بالمرأة، كما حرم على المرأة أن تتشبه بالرجل؛ لما في ذلك من الخروج عن الفطرة، والعبث بسنن اللَّه في الكون فللرجل لباسه، وللمرأة لباسها .. تلك هي سنة اللَّه تعالى في خلقه، وتلك هي القِسمة العادلة التي تناسب طبيعة كلٍّ منهما.
والإسلام يحرص على بقاء الرجل ضمن معاني الرجولة، ليؤدي دوره المطلوب منه في الحياة؛ كما يحرص على بقاء المرأة في إطار الأنوثة، ليتم التكامل، وتطَّرد سنة اللَّه الكونية في خلق النوع الإنساني الذي أخبرنا عنه بقوله الكريم:{وَمِن كُلِّ شَيء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (1).
وخروج الرجل أو المرأة عن إطارهما يعني التحلل من المواصفات الخاصة بكل منهما، وبالتالي التحلل من أساسيات الفطرة، وأصول النوع، وذلك ضرب من خُواء النفس، وفقر الروح، وخلل التفكير.
لقد جاء الإسلام ليعيد التوازن إلى ذلك الإنسان الشارد، ويرده
(1) سورة الذاريات، الآية:49.
إلى جادة الهدى بإعادته إلى فطرته، وتذكيره بمهمته في هذه الحياة، كما حرص على النهوض به من إسفاف التفكير إلى سلامة التدبير، ومن ضعف المعالجة إلى نضج التحليل، ومن سطحية النظرة إلى أعماق الفكرة، فإذا استجاب لهذا النداء فَقَمِنٌ به أن يثري المجتمع بفكره، ويشد أزره بصالح عمله.
إن فرضَ الحجاب على المرأة تكريم لها، لإبقائها على أنوثتها، ومنعَها من التبرج صيانة لها من الخروج عن طبيعتها، وحين تتحلل هذه الطبيعة، وتختل تلك الفطرة - نظرًا لتشبه كل فريق بالآخر - تضطرب القيم، وتختل الموازين، وتفسد المفاهيم.
لهذا قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» (1).
لقد أوصد الإسلام كل باب يعتبر ذريعة لتحلل المرأة، واختلال فطرتها وحظر كل ما يؤدي إلى فسادها وإغراء الرجال بها، ففرض عليها من الأحكام ما يدفع عنها غوائل السوء، وكان من جملة تلك الأحكام الإلهية إلزامها بالحجاب {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} (2).
تلك هي بعض الحِكَم من شرعية الحجاب، أردنا أن نوضحها،
(1) البخاري، كتاب اللباس، باب: المتشبهين بالنساء، والمتشبهات بالرجال، برقم 5885.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:59.
لندلل على عمق نظرة التشريع الإسلامي، وسموّ مقاصده، ونبل أهدافه؛ ولنؤكد أن الحجاب ما هو إلا فضيلة تهدف إلى وقاية المرأة، والمحافظة على المجتمع، والحرص على أخلاق الأمة، لئلا تذوب في غيرها من الأمم، أو تصبح تبعًا لها في ملبسها، وأسلوبِ حياتها، فتفقد خصائصها الإسلامية، وتغدو أمة على هامش الأحداث، لا تحظى باحترام، ولا تُقابَل بتقدير» (1).
(1) حجاب المسلمة، للدكتور محمد فؤاد البرازي، ص 121 - 134 بتصرف.