الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هـ - وقال أيضًا في موضع آخر:
ووأما عن تغطية وجهها وهي محرمة، فقد قال: «ووجه المرأة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره.
قيل: إنه كرأس الرجل فلا يُغطى.
وقيل: إنه كَيدَيْهِ، فلا يُغطى بالنقاب والبرقع ونحو ذلك مما صنع على قدره، وهذا هو الصحيح؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَ إلا عن القفازين والنقاب.
وكُنَّ النساء يدنين على وجوههن ما يسترها من الرجال من غير وضع ما يجافيها عن الوجه، فعُلمَ أن وجهها كيدي الرجل، ويديها: وذلك أن المرأة كلها عورة كما تقدم، فلها أن تغطي وجهها ويديها، لكنْ بغير اللباس المصنوع بقدر العضو، كما أن الرجل لا يلبس السراويل ويلبس الإزار» (1).
2 - الإمام ابن قيم الجوزية
رحمه الله: نصَّ الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في مواضع عدة من كتبه على وجوب ستر المرأة وجهها، نجتزئ منها ما يلي:
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية، 22/ 117 - 120، وحجاب المرأة ولباسها في الصلاة، ص 14 - 15.
أ- قال في إعلام الموقعين: «وأما تحريم النظر إلى العجوز الحرة الشوهاء القبيحة، وإباحته إلى الأمة البارعة الجمال فكذب على الشارع، فأين حَرَّم اللَّه هذا وأباح هذا؟!! واللَّه سبحانه إنما قال:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (1)، ولم يطلق اللَّه ورسوله للأعين النظر إلى الإماء البارعات الجمال.
وإذا خشي الفتنة بالنظر إلى الأمة حرم عليه بلا ريب، وإنما نشأت الشبهة أن الشارع شرع للحرائر أن يسترن وجوههن عن الأجانب، وأما الإماء فلم يوجب عليهن ذلك؛ لكن هذا في إماء الاستخدام والابتذال، وأما إماء التسري اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن، فأين أباح اللَّه ورسوله لهن أن يكشفن وجوهن في الأسواق والطرقات ومجامع الناس، وأذِنَ للرجال في التمتع بالنظر إليهن؟ فهذا غلط محض على الشريعة.
وأكد هذا الغلط أن بعض الفقهاء سمع قولهم: إن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وعورة الأمة ما لا يظهر غالباً كالبطن والظهر والساق، فظن أن ما يظهر غالباً حكمه حكم وجه الرجل.
وهذا إنما هو في الصلاة لا في النظر، فإن العورة عورتان: عورة في النظر، وعورة في الصلاة، فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس» (2).
(1) سورة النور، الآية:30.
(2)
إعلام الموقعين عن رب العالمين، 2/ 80.
ب- وقال أيضًا أثناء كلامه عن أثر كشف المرأة وجهها في وقوع الافتتان بها: «
…
ولهذا أمر النساء بستر وجوههن عن الرجال، فإن ظهور الوجه يسفر عن كمال المحاسن، فيقع الافتتان» (1).
جـ- وأما عن تغطية وجهها وهي محرمة، فقد ذكر في كتابه: بدائع الفوائد سؤالًا عن كشف وجه المرأة في حال إحرامها، وجواب ابن عقيل عليه، ثم تعقبه بقوله:
«سبب هذا السؤال والجواب خفاء بعض ما جاءت به السنة في حق المرأة في الإحرام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لها كشف الوجه في الاحرام، ولا غيره، وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصة، كما جاء بالنهي عن القفازين، وجاء النهي عن لبس القميص والسراويل.
ومعلوم أن نهيه عن لبس هذه الأشياء لم يُردْ أنها تكون مكشوفة لا تستر البتة، بل قد أجمع الناس على أن المحرمة تستر بدنها بقميصها ودرعها، وأن الرجل يستر بدنه بالرداء، وأسافله بالإزار، مع أن مخرج النهي عن النقاب والقفازين والقميص والسراويل واحد، وكيف يزاد على موجب النص، ويفهم منه أنه شرع لها كشف وجهها بين الملأ جهاراً؟ فأي نص اقتضى هذا، أو مفهوم أو عموم أو قياس أو مصلحة؟ بل وجه المرأة كبدن الرجل، يحرم ستره بالمفصل على قدره كالنقاب والبرقع، بل وكَيَدِهَا يحرم سترها
(1) روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص 67 ..
بالمفصَّل على قدر اليد كالقفاز، وأما سترها بالكُمّ، وستر الوجه بالملاءه والخمار والثوب فلم يُنْهَ عنه البتة.
ومن قال: إن وجهها كرأس المحرم، فليس معه بذلك نص ولا عموم، ولا يصح قياسه على رأس المحرم لِمَا جعل اللَّه بينهما من الفرق.
وقول من قال من السلف: إحرام المرأة في وجهها إنما أراد به هذا المعنى، أي لا يلزمها اجتناب اللباس كما يلزم الرجل، بل يلزمها اجتناب النقاب، فيكون وجهها كبدن الرجل، ولو قُدِّر أنه أراد وجوب كشفه، فقوله ليس بحجة ما لم يثبت عن صاحب الشرع أنه قال ذلك، وأراد به وجوب كشف الوجه، ولا سبيل إلى واحد من الأمرين.
وقد قالت أم المؤمنين عائشة رحمه الله: «كنّا إذا مَرَّ بنا الركبان سدلت إحدانا الجلباب على وجهها» ، ولم تكن إحداهن تتخذ عوداً تجعله بين وجهها وبين الجلباب، كما قاله بعض الفقهاء، ولا يعرف هذا عن امرأة من نساء الصحابة ولا أمهات المؤمنين البتة، لا عملاً ولا فتوى، ومستحيل أن يكون هذا من شعار الإحرام، ولا يكون ظاهراً مشهوراً بينهن يعرفه الخاص والعام.
ومن آثر الإنصاف، وسلك سبيل العلم والعدل، تبين له راجح المذاهب من مرجوحها، وفاسدها من صحيحها، واللَّه الموفق والهادي» (1).
(1) بدائع الفوائد، 3/ 142 - 143.
د- وقال أيضاً: «ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين» يعني في الإحرام، فسوّى بين يديها ووجها في النهي عما صنع على قدر العضو، ولم يمنعها من تغطية وجهها، ولا أمرها بكشفه البتة.
ونساؤه صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بهذه المسألة، وقد كُنَّ يُسْدِلْن على وجوههن إذا حاذاهن الركبان، فإذا جاوزوهن كشفْنَ وجوههن.
وروى وكيع، عن شعبة، عن يزيد الرِّشْك، عن معاذة العدوية، قالت: سألت عائشة رحمه الله: ما تلبس المحرمة؟
فقالت: لا تنتقب، ولا تتلثم، وتسدل الثوب على وجهها
…
ثم ذكر ابن قيم الجوزية قول طائفة منعت المحرمة من تغطية وجهها، وردَّ عليهم، ثم قال:
هـ- وقال أيضًا: «وأما نهيه صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المرأة أن تنتقب، وأن تلبس القفازين، فهو دليل على أن وجه المرأة كبدن الرجل لا كرأسه، فيحرم عليها فيه ما وضع وفُصِّل على قدر الوجه، كالنقاب والبرقع، ولا يحرم عليها ستره بالمقنعة والجلباب ونحوهما، وهذا أصح القولين؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سوَّى بين وجهها
(1) إعلام الموقعين، 1/ 222 - 223.