الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثامنًا: التبرج تهتك وفضيحة:
عن عائشة رحمه الله قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَضَعَتْ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا فَقَدْ هَتَكَتْ سِتْرَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل» (1).
ومثل ذلك ما ثبت عن فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«ثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَعَصَى إِمَامَهُ، وَمَاتَ عَاصِيًا، وَأَمَةٌ أَوْ عَبْدٌ أَبَقَ فَمَاتَ، وَامْرَأَةٌ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، قَدْ كَفَاهَا مُؤْنَةَ الدُّنْيَا فَتَبَرَّجَتْ بَعْدَهُ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ» (2).
تاسعَاً: التبرج سنة إبليسية:
المعركة مع الشيطان معركة جدية، وأصيلة، ومستمرة، وضارية، لأنه عدوٌّ عنيد يصر على ملاحقة الإنسان في كل حال، وعلى إتيانه من كل صوب وجهة، كما وصفه
(1) رواه الإمام أحمد، 42/ 422، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب دخول الحمام، رقم (3750).والحاكم في المستدرك، 4/ 288، وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وعبد الرزاق، 1/ 294، برقم 1132، وأبو يعلى، 8/ 138، والطبراني في الأوسط، 7/ 100، برقم 6973، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 3021.
قال المناوي رحمه الله، 3/ 176: قوله صلى الله عليه وسلم: «وضعت ثيابها في غير بيت زوجها» كناية عن تكشفها للأجانب، وعدم تسترها منهم «فقد هتكت ستر ما بينها وبين اللَّه عز وجل» لأنه تعالى أنزل لباساً ليوارين به سواءتهن، وهو لباس التقوى، وإذا لم يتقين اللَّه، وكشفن سواءتهن، هتكن الستر بينهن وبين اللَّه تعالى، وكما هتكت نفسها ولم تصن وجهها، وخانت زوجها يهتك اللَّه سترها، والجزاء من جنس العمل، وأهتك خرق الستر عما وراءه، والهتيكة الفضيحة».
(2)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد، برقم 590، والإمام أحمد، 39/ 368، برقم 23948، والطبراني في الكبير، 18/ 306، برقم 788، ومسند البزار، 9/ 204، برقم 3749، والحاكم، 1/ 119، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وابن أبي عاصم، في السنة، برقم 89، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 186، برقم 1887.
اللَّه تعالى في قوله: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (1)، ولا عاصم لبني آدم من الشيطان إلا التقوى والإيمان والذكر، والاستعلاء على الشهوات، وإخضاع الهوى لهدى اللَّه تبارك وتعالى.
ومن استعراض ما حدث لآدم عليه السلام مع عدوّه إبليس نرى أن الحياء من التعري وانكشاف السوأة شيء مركوز في طبع الإنسان وفطرته، إذ يقول اللَّه سبحانه:{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} (2)، وقال عز وجل:{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (3).
وقال عز من قائل: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (4).
لقد نسي آدم، وأخطأ، وتاب، واستغفر، فقبل اللَّه توبته، وغفر له، وانتهى أمر تلك الخطيئة الأولى، ولم يبق منها إلا رصيد التجربة الذي يعين ابن آدم في صراعه الطويل المدى مع الشيطان الذي يأتيه من مواطن الضعف فيه، فيغويه، ويمنيه، ويوسوس له حتى
(1) سورة الأعراف، الآيتان: 16 - 17.
(2)
سورة الأعراف، الآية:20.
(3)
سورة الأعراف، الآية:22.
(4)
سورة الأعراف، الآية:121.