الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالأدنى تنبيه على ما فوقه، وما هو أولى منه بالحكم، وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة، ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة؛ فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة اللَّه وشرعه» (1).
الدليل الثامن: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»
، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (2).
قال الشنقيطي رحمه الله: «فهذا الحديث الصحيح صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالتحذير الشديد من الدخول على النساء، فهو دليل واضح على منع الدخول عليهن، وسؤالهن متاعًا إلا من وراء حجاب؛ لأن من سألها متاعَاً لا من وراء حجاب فقد دخل عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم حذَّره من الدخول عليها، ولما سأله الأنصاري عن الحمو الذي هو قريب الزوج الذي ليس محرمَاً لزوجته: كأخيه، وابن أخيه، وعمه، وابن عمه، ونحو ذلك، قال له صلى الله عليه وسلم: «الحَمو الموتُ» ، فسمَّى صلى الله عليه وسلم دخول قريب الرجل على امرأته، وهو غير محرم لها باسم الموت، ولا شك أن تلك العبارة هي أبلغ عبارات التحذير؛ لأن الموت هو أفظع حادث يأتي على الإنسان في الدنيا، كما قال الشاعر:
والموتُ أعظمُ حادثٍ
…
مِمَّا يمرُّ على الجِبِلَّةْ
(1) الحجاب، ص 10.
(2)
البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة، برقم 5232، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، برقم 2172.
والجبلة: الخُلُق، ومنه قوله تعالى:{وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ} (1).
فتحذيره صلى الله عليه وسلم هذا التحذير البالغ من دخول الرجال على النساء، وتعبيره عن دخول القريب على زوجة قريبه باسم الموت، دليل صحيح نبوي على أن قوله تعالى:{فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} عام في جميع النساء كما ترى، إذ لو كان حكمه خاصاً بأزواجه صلى الله عليه وسلم، لما حذَّر الرجال هذا التحذير البالغ العامِّ من الدخول على النساء.
وظاهر الحديث التحذير من الدخول عليهن، ولو لم تحصل الخلوة بينهما، وهو كذلك، فالدخول عليهن، والخلوة بهن كلاهما محرم تحريمًا شديداً بانفراده، كما قدمنا أن مسلماً رحمه الله أخرج هذا الحديث في باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، فدلَّ على أن كليهما حرام» (2).
وقال ابن حجر في فتح الباري في شرح الحديث المذكور: «إِيّاكُم والدُّخُول» ، بِالنَّصبِ عَلَى التَّحذِير، وهُو تَنبِيه المُخاطَب عَلَى مَحذُور لِيَحتَرِز عَنهُ كَما قِيلَ: إِيّاكَ والأَسَد، وقَوله:«إِيّاكُم» مَفعُول بِفِعلِ مُضمَر تَقدِيره اتَّقُوا.
وتَقدِير الكَلام اتَّقُوا أَنفُسكُم أَن تَدخُلُوا عَلَى النِّساء، والنِّساء أَن يَدخُلنَ عَلَيكُم. ووقَعَ فِي رِوايَة ابن وهب بِلَفظِ: لا تَدخُلُوا عَلَى
(1) سورة الشعراء، الآية:184.
(2)
أضواء البيان، 6/ 592 - 593.