الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقة يرسل (2).
العلة الثانية: أن في سنده سعيدَ بن بشير
أبو عبد الرحمن البصري، قال الحافظ:«ضعيف» (3).
العلة الثالثة: أن فيه قتادة
، وهو مدلس، وقد عنعنه، كما أن فيه الوليدَ بنَ مسلم، قال الحافظ:«ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية» (4)، وقد عنعنه.
وعلى فرض صحة الحديث، أو تقويته بشواهده، فقد أجاب عنه العلماء بأجوبة:
الجواب الأول: فمنهم من حمله على أنه كان قبل الأمر بالحجاب: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وَالسَّلَفُ قَدْ تَنَازَعُوا فِي الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَنْ وَافَقَهُ: هِيَ الثِّيَابُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ: هِيَ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، مِثْلُ الْكُحْلِ وَالْخَاتَمِ»، ثم بيّن رحمه الله أن تشريع الحجاب مرَّ بمرحلتين:
(1) المصدر السابق، 3/ 86 - 87.
(2)
تقريب التهذيب، 1/ 212.
(3)
المصدر السابق، 1/ 292.
(4)
المصدر السابق، 2/ 336.
أولاهما: تغطية البدن ما عدا الوجه والكفين.
والأخرى: حجاب جميع البدن بما في ذلك الوجه والكفان.
إلى أن قال شيخ الإسلام رحمه الله: «وَعَكْسُ ذَلِكَ: الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ وَالْقَدَمَانِ، لَيْسَ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ ذَلِكَ لِلْأَجَانِبِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ بِخِلَافِ مَا كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ، بَلْ لَا تُبْدِي إلَّا الثِّيَابَ» (2).
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله في معرض الرد على من أباح النظر إلى الوجه والكفين محتجاً بحديث أسماء رحمه الله: «وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ -إنْ صَحَّ- فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ، فَنَحْمِلُهُ عَلَيْهِ» (3).
وقال القاري في شرح هذا الحديث: «قولها: «وعليها ثياب رِقَاق» - بكسر الراء - جمع رقيق، ولعل هذا كان قبل الحجاب» (4).
(1) مجموع الفتاوى، 22/ 110 - 112 بتصرف.
(2)
المصدر السابق، 22/ 117 - 118.
(3)
المغني، 6/ 559.
(4)
مرقاة المفاتيح، 4/ 438.
وقد ضعف الشنقيطي رحمه الله الحديث، ثم قال:«مَعَ أَنَّهُ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى عُمُومِ الْحِجَابِ، وَمَعَ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُهُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْحِجَابِ» (1).
وقال الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي رحمه الله: «لو قُدِّر أن حديث عائشة صحيح، فهو محمول على أنه كان قبل الأمر بالحجاب، وبناءً على هذا يكون منسوخاً، لا يجوز العمل به» (2).
وقال الشيخ محمد علي الصابوني في روائع البيان: «ويحتمل أنه كان قبل آيات الحجاب، ثم نسخ بها» (3).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: «ثم على تقدير الصحة -أي صحة حديث عائشة رحمه الله -يحمل على ما قبل الحجاب؛ لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم عليه» (4)(5).
(1) أضواء البيان، 6/ 597.
(2)
يا فتاة الإسلام، ص 257.
(3)
روائع البيان، 2/ 157.
(4)
رسالة الحجاب، ص 30.
(5)
واعلم أنَّ هناك جملة من الأحاديث والآثار يفهم منها كشف الوجه واليدين أو اليدين فقط، وعادة العلماء الموجبين للحجاب أن يجيبوا عنها بقولهم:«هذا كان قبل الأمر بالحجاب» ، ومن أمثلة ذلك:
1 -
حديث عائشة هذا الذي نحن بصدده.
2 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها،زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ:«دَخَلَتْ عَلَيَّ خُوَيْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةُ، وَكَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رضي الله عنه قَالَتْ: فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَذَاذَةَ هَيْئَتِهَا، فَقَالَ لِي: يَا عَائِشَةُ، مَا أَبَذَّ هَيْئَةَ خُوَيْلَةَ؟» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْرَأَةٌ لهاَ زَوْجَ لَهَا يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، فَهِيَ كَمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا، فَتَرَكَتْ نَفْسَهَا، وَأَضَاعَتْهَا» الحديث أخرجه أحمد، 43/ 335، برقم 26309، وحسنه محققو المسند، كما جوّد إسناده الألباني في إرواء الغليل، 7/ 78، وانظر: الفتح الرباني، 17/ 304.
3 -
عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا
…
» الحديث، رواه البخاري، كتاب الصوم، بَابُ مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً إِذَا كَانَ أَوْفَقَ لَهُ، برقم 1968، والمؤاخاة كانت في أوائل الهجرة، وانتهت بعد آية التوريث، وآية التوريث نزلت قبل الحجاب.
4 -
ما رواه البيهقي في قصة توبة أبي لبابة، وقال:«حديث صحيح» ، وفيه قول أم سلمة رضي الله عنها:«أفلا أبشره يا رسول اللَّه بذلك؟ قال: «بلى إن شئتِ» ، قالت: فقمتُ على باب حجرتي، فقلت - وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب - يا أبا لبابة أبشر فقد تاب اللَّه عليك».
5 -
وعن أَنَسٍ، رضي الله عنه، قَالَ:«لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ بِجَعْبَةٍ مِنَ النَّبْلِ فَيَقُولُ انْثُرْهَا لأَبِي طَلْحَةَ، قَالَ وَيُشْرِفُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ، وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تُنْقُزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ» ، رواه البخاري في المغازي، باب إذا همت طائفتان منكم أن تفشلا واللَّه وليهما، برقم 4064، وفي الجهاد، باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال، وباب المجن ومن يتترس بترس صاحبه، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب أبي طلحة، ومسلم، في الجهاد، باب غزوة النساء مع الرجال، برقم 1811.
مجوب عليه بحَجَفَةْ: أي ساتر له، قاطع بينه وبين الناس، مترس عليه بترس، تنقزان: أي تثبان، والمقصود تحملان القرب، وتقفزان بها وثباً.
الجواب الثاني: ومن العلماء من ذهب إلى وجوب تأويل حديث عائشة رحمه الله إن صَحَّ:
إذا ثبت لدينا دليل واحد يفيد تحريم كشف الوجه والكفين؛ ثم
فرضنا جدلًا ثبوت حديث عائشة رحمه الله الذي يبيح كشفهما؛ وافترضنا أيضا تكافؤ الدليلين من حيث الثبوت؛ وعلمنا أن الأصل في الدليل الشرعي الإعمال لا الإهمال؛ وأن الواجبَ - عند التعارض - أن لا يصار إلى ترجيح أحد الدليلين إلا عند تعذر الجمع بينهما؛ لأن إعمال الدليلين معاً أولى من إلغاء أحدهما؛ إذن يتعين محاولة الجمع بينهما، وهذا ما فعله فريق من العلماء:
قال ابن رسلان في حديث عائشة رحمه الله: «والحديث مقيد بالحاجة إلى رؤية الوجه والكفين كالخطبة ونحوها (1)،
ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لا سيما عند كثرة الفساق» (2).
وقال الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي: «لو ثبت أن حديث عائشة صحيح - مع العلم بأنه لم يثبت - فحينئذٍ كشف المرأة وجهها لرجل أجنبي مقيد ذلك بالحاجة، والضرورة، لا مطلقا» (3).
ومقصودهم - واللَّه أعلم - أن المرأة إذا بلغت لم يحلَّ أن يظهر من بدنها شيء؛ لأنها كلها عورة، إلا أن تحتاج، أو تضطر لكشف
(1) ومثلها: النظر للمداواة، وللشهادة لها أو عليها، والنظر للمعاملة من بيع أو رهن أو إجارة، أو تعليم، ويشترط لجواز ذلك فقْدُ جنس، ومحرم صالح، وتعذره من وراء حجاب، ووجود مانع خلوة، ويشترط في النظر للتزويج أن يكون بعد العزم على التزوج، ورجاء الإجابة.
(2)
نقله عنه الشوكاني في نيل الأوطار، 6/ 13.
(3)
يا فتاة الإسلام، ص 258 بهذا السياق.
وجهها وكفيها، فيحلُّ لها ذلك حينئذ بقدره»، أو: «أن المرأة إذا بلغت حلَّ لها أن تُظهر وجهها وكفيها ما لم تُخَفْ الفتنةُ
بهما، فإن خيفت الفتنة فعليها ستر ذلك».
فإذا قيل: بل يتعين الترجيح؛ لأن التكلف في الجمع بينهما غير خافٍ على من تأمله.
وقد تقدم أن سند الحديث ضعيف، أما من حيث متنه وألفاظهُ فهو معارض للأدلة المتوافرة على وجوب الحجاب، سواء في ذلك عموم آيات الحجاب، أو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وتقريره، فهل يسوغ أن يؤخذ بظاهرِ حديثٍ هذا حاله، فيكون مخصصًا لكل ما ورد من عموم ألفاظ القرآن، وما صح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفية، وتقريره
(1) رسالة الحجاب للشيخ محمد بن صالح العثيمين، ص 28.
لفعل سودة رضي الله عنهما؟
أضف إلى ذلك مخالفة لفظه: «لا يصلح أن يُرى منها» لحديث جرير بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: «سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن نظر الفُجاءة فأمرني أن أصرف بصري» (1).
وقد كان إسلام جرير رضي الله عنه في رمضان سنة عشر من
الهجرة (2).
كما أنه مخالف لحال أمهات المؤمنين ونسائهم، وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَمِلَ عملا ليسَ عليه أمرُنا فهو رَدٌّ» (3).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: «وأيضًا فإن أسماء رحمه الله كان لها حين هجرة النبي صلى الله عليه وسلم سبع وعشرون سنة، فهي كبيرة السن، فيبعد أن تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق تصف منها ما سوى الوجه والكفين، فلابد على تقدير الصحة من أن يحمل على ما قبل الحجاب؛ لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم عليه» (4).
(1) مسلم، كتاب الآداب، باب الاستئذان، برقم 2159.
(2)
أي قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر.
(3)
مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم 1718، بلفظه، وقد اتفق الشيخان على إخراجه بلفظ:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ» ، انظر: البخاري، برقم 2697.
(4)
رسالة الحجاب، ص 30.
وإذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يهتم بستر المرأة المسلمة منذ أوائل مراحل الدعوة بمكة، وأمر ابنته زينب بتخمير نحرها، فهل يخفى ذلك على المسلمات، بما فيهن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، وهي التي كان يتردد صلى الله عليه وسلم، على بيت أبيها صباح مساء. روى البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «لم أعقل أبوي إلا وهما يَدينان الدين، ولم يمرَّ عليهما يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشياً
…
الحديث. انظر: البخاري، برقم 2297.
وعن الحارث بن الحارث الغامدي، قال:«قلت لأبي ونحن بمنى: «ما هذه الجماعة؟» ، قال:«هؤلاء القوم قد اجتمعوا على صابئ لهم» ، قال: فنزلنا - وفي رواية: فتشرفنا - فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد اللَّه والإيمان به، وهم يردون عليه قوله، ويؤذونه، حتى انتصف النهار، وتصدّع عنه الناس، وأقبلت امرأة قد بدا نحرها تبكي، تحمل قدحًا فيه ماء، ومنديلاً، فتناوله منها، وشرب، وتوضأ، ثم رفع رأسه»، فقال:«يا بنية! خمّري عليك نحركِ، ولا تخافي على أبيك غلبةً ولا ذلاًّ» ، قلت:«من هذه؟» قالوا: «هذه زينب ابنته» . قال الألباني: «أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، وابن عساكر في تاريخ دمشق» .
من حجاب المرأة المسلمة ص 35 - 36.
وقال الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي رحمه الله: «
…
وعن محمد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة رحمه الله: «ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ قالت: تصلي في الخمار والدرع السابغ إذا غيَّب ظهور قدميها» (1).
وفي رواية لأبي داود عن أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار، وليس لها إزار؟ قال:«إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها» (2).
(1) رواه مالك في الموطأ، كتاب صلاة الجمعة، باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار، 1/ 142، موقوفاً على أم سلمة. وهو عند أبي داود، كتاب الصلاة، باب في كم تصلي المرأة، برقم 639.
(2)
سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب في كم تصلي المرأة، برقم 640، والدارقطني،
2/ 414، والحاكم، 1/ 250، وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي، 2/ 233، ضعفه الألباني مرفوعاً وموقوفاً كما في ضعيف سنن أبي داود، برقم 99، وتقدم تخريجه.
فإذا عدَّ القدمين عورة، وأذن لها في الإسبال كي لا تنكشف القدمان، وأمر بعدم الضرب بالأرجل حتى لا يسمع صوت الخلاخل، أو تظهر الزينة الخفية، فإن أمره بتغطية الوجه الذي هو مجمع الحُسْن والفتنة أولى.
فهذا من باب «التنبيه بالأدنى على ما فوقه، وما هو أولى منه بالحكم» ، وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة، ويرخص كشف ما هو أعظم منه فتنة؛ فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة اللَّه وشرعه.
وأخيرًا: «فإن هذا الحديث لو سلَّمنا صلاحيته للاحتجاج فهو حجة على أهل السفور؛ وذلك لأن هذا نص يقضي بأن المرأة إذا بلغت المحيض لا يجوز لها أن تكشف غير الوجه والكفين أمام أحدٍ كائنًا من كان، أباً أو أخاً أو ابناً، أو عماً، أو غيرهم، ومعلوم أن اللَّه قد أذن للمرأة في إبداء الزينة أمام المحارم، ومنع عنه أمام الأجانب، فما هي الزينة التي تبديها أمام المحارم، ولا تبديها أمام الأجانب؟ وبتعبير آخر: لما جاز لها كشف وجهها وكفيها أمام الأجانب، ولم يجز لها كشف شيء من أعضائها سوى الوجه والكفين أمام المحارم، فأي فرق يبقى بين المحارم والأجانب؟ مع أن القرآن ينص على الفرق بينهما في صراحة باتة، فتفكَّر!، ولو قيل: إن هذا نص يجري فيه التخصيص من نصوص أخرى، قلنا: فما لناحيةِ الحجابِ والسفور لا يجري فيها التخصيص