الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: المطالب المنحرفة الداعية للتبرج والسفور وبدايته
لا شك أن المطالب المنحرفة الداعية إلى التبرج، والسفور، والفساد تنحصر في أمرين:
الأمر الأول: في تاريخ هاتين النظريتين:
الحرية والمساواة، وآثارهما التدميرية في العالم الإسلامي.
ليُعلم أن النداء بتحرير المرأة تحت هاتين النظريتين: حرية المرأة، ومساواة المرأة بالرجل، إنما ولدتا على أرض أوربة النصرانية في فرنسا، التي كانت ترى أن المرأة مصدر المعاصي، ومكمن السيئات والفجور، فهي جنس نجس يجتنب، ويحبط الأعمال، حتى ولو كانت أُمَّاً أو أختاً.
هكذا نشر رهبان النصارى في أوربا هذا الموقف المعادي المتوتر من المرأة، بينما كانوا - أي أولاء الرهبان- مكمن القذارة في الجسد والروح، ومجمع الجرائم الأخلاقية، ورجال الاختطاف للأطفال، لتربيتهم في الكنائس، وإخراجهم رهباناً حاقدين، حتى تكاثر عدد الرهبان، وكوَّنوا جمعاً مهولاً أمام الحكومات والرعايا.
ومن هذه المواقف الكهنوتية الغالية الجافية، صار الناس في توتر وكبت شديدين، حتى تولدت من ردود الفعل لديهم، هاتان النظريتان: المناداة بتحرير المرأة باسم: حرية المرأة، وباسم: المساواة بين المرأة والرجل، وشعارهما: رفض كل شيءٍ له صلة
بالكنيسة، وبرجال الدين الكنسي، وتضاعفت ردود الفعل، ونادوا بأن الدين والعلم لا يتفقان، وأن العقل والدين نقيضان، وبالغوا في النداءات للحرية المتطرفة الرامية إلى الإباحية والتحلل من أي قيد أو ضابط فطري أو ديني يَمس الحرية، حتى طغت هذه المناداة بحرية المرأة، إلى المناداة بمساواتها بالرجل بإلغاء جميع الفوارق بينهما وتحطيمها، دينية كانت أم اجتماعية، فكل رجل، وكل امرأة، حرٌّ يفعل ما يشاء، ويترك ما يشاء، لا سلطان عليه لدين، ولا أدب، ولا خلق، ولا سلطة، حتى وصلت أوربة ومن ورائها الأمريكتان وغيرهما من بلاد الكفر إلى هذه الإباحية، والتهتك، والإخلال بناموس الحياة، وصاروا مصدر الوباء الأخلاقي للعالم.
إن المطالبات المنحرفة لتحرير المرأة بهذا المفهوم الإلحادي تحت هاتين النظريتين المولدتين في الغرب الكافر، هي العدوى التي نقلها المستغربون إلى العالم الإسلامي، فماذا عن تاريخ هذه البداية المشؤومة، التي قلَبَت جُلَّ العالم الإسلامي من جماعة مسلمة يُحجِّبون نساءهم، ويحمونهن، ويقومون على شؤونهن، ويقمن هنَّ بما افترضه للَّه عليهن، إلى هذه الحال البائسة من التبرج والانحلال والإباحية؟!
تقدّم غير مرة أن نساء المؤمنين كن محجبات، غير سافرات الوجوه، ولا حاسرات الأبدان، ولا كاشفات عن زينة، منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري.
وأنه على مشارف انحلال الدولة الإسلامية في آخر النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وتوزعها إلى دول، دبَّ الاستعمار الغربي الكافر لبلاد المسلمين، وأخذوا يرمون في وجوههم بالشبه، والعمل على تحويل الرعايا من صبغة الإسلام إلى صبغة الكفر والانحلال.
وكانت أول شرارة قُدحت لضرب الأمة الإسلامية هي في سفور نسائهم عن وجوههن، وذلك على أرض الكنانة، في مصر، حين بعث والي مصر محمد علي باشا (1) البعوث إلى فرنسا للتعلم، وكان فيهم واعظ البعوث: رفاعة رافع الطهطاوي، المتوفى سنة 1290 هـ، وبعد عودته إلى مصر، بذر البذرة الأولى للدعوة إلى تحرير المرأة، ثم تتابع على هذا العمل عدد من المفتونين المستغربين، ومن الكفرة النصارى، منهم:
الصليبي النصراني مرقس فهمي الهالك سنة 1374هـ في كتابه: (المرأة في الشرق) الذي هدف فيه إلى نزع الحجاب، وإباحة الاختلاط.
وأحمد لطفي السيد، الهالك سنة 1382هـ، وهو أول من أدخل الفتيات المصريات في الجامعات مختلطات بالطلاب، سافرات الوجوه، لأول مرة في تاريخ مصر، يناصره في هذا عميد الفجور
(1) هل تعلم أن لقب (الباشا) بمعنى: نعل السلطان. انظر: مجلة الدارة لعام 1420، وهذا غير مستغرب على الأعاجم؛ لغلوهم وإسرافهم في الألقاب.
العربي: طه حسين، الهالك سنة 1393هـ.
وقد تولى كِبْرَ هذه الفتنة داعية السفور: قاسم أمين، الهالك سنة 1362 الذي ألّف كتابه:«تحرير المرأة» ، وقد صدرت ضده معارضات العلماء، وحكم بعضهم بردته، بمصر، والشام، والعراق، ثم حصلت له أحوال ألَّف على إثرها كتاب:«المرأة الجديدة» ، أي: تحويل المسلمة إلى أوربية.
وساعد على هذا التوجه من البلاط الأميرة نازلي مصطفى فاضل، وهذه قد تنصرت وارتدت عن الإسلام، كما في كتاب «الملكة نازلي»:(ص 8، 226 - 227) للمحلاوي.
ثم مُنَفِّذ فكرة قاسم أمين داعية السفور: سعد زغلول، الهالك سنة 1346هـ، وشقيقه أحمد فتحي زغلول الهالك سنة 1332هـ.
ثم ظهرت الحركة النسائية بالقاهرة لتحرير المرأة عام 1919م برئاسة هدى شعراوي، الهالكة سنة 1367هـ، وكان أول اجتماع لهن في الكنيسة المرقصية بمصر سنة 1920م، وكانت هدى شعراوي أول مصرية مسلمة رفعت الحجاب -نعوذ باللَّه من الشقاء- في قصة تمتلئ النفوس منها حسرة وأسى، ذلك أن سعد زغلول لما عاد من بريطانيا مُصَنَّعاً بجميع مقومات الإفساد في الإسلام، صُنِع لاستقباله سرادقان: سرادق للرجال، وسرادق للنساء، فلما نزل من الطائرة عَمَدَ إلى سرادق النساء المتحجبات، واستقبلته هدى شعراوي بحجابها لينزعه، فَمدَّ يده -يا ويلهما-، فنزع الحجاب عن وجهها،
فصفق الجميع ونزعن الحجاب.
واليوم الحزين الثاني: أن صفية بنت مصطفى فهمي زوجة سعد زغلول، التي سمّاها بعد زواجه بها: صفية هانم سعد زغلول، على طريقة الأوربيين في نسبة زوجاتهم إليهم، كانت في وسط مظاهرة نسائية في القاهرة أمام قصر النيل، فخلعت الحجاب مع من خلعنه، ودُسْنَه تحت الأقدام، ثم أشعلن به النار؛ ولذا سُمي هذا الميدان باسم:«ميدان التحرير» .
وهكذا تتابع أشقياء الكنانة: إحسان عبد القدوس، ومصطفى أمين، ونجيب محفوظ، وطه حسين، ومن النصارى: شبلي شُمَيِّل، وفرح أنطون -نعوذ باللَّه من الشقاء وأهله-، يؤازرهم في هذه المكيدة للإسلام والمسلمين الصحافة، إذ كانت هي أُولَى وسائل نشر هذه الفتنة، حتى أُصْدِرَت مجلة باسم:«مجلة السفور» نحو سنة 1318هـ، وهرول الكُتَّاب الماجنون بمقالاتهم القائمة على المطالبة بما يُسند السفور والفساد، ويهجم على الفضائل والأخلاق من خلال وسائل الإفساد الآتية:
نشر صور النساء الفاضحة، والدمج بين المرأة والرجل في الحوار والمناقشة، والتركيز على المقولة المحدَثَة الوافدة:«المرأة شريكة الرجل» أي: الدعوة إلى المساواة بينهما، وتسفيه قيام الرجل على المرأة، وإغراؤها بنشر الجديد في الأزياء الخليعة ومحلات الكوافير، وبرك السباحة النسائية والمختلطة، والأندية الترفيهية،
والمقاهي، ونشر الحوادث المخلة بالعرض، وتمجيد الممثلات والمغنيات ورائدات الفن والفنون الجميلة .. .
يساند هذا الهجوم المنظم أمران:
الأمر الأول: إسنادهم من الداخل، وضعف مقاومة المصلحين لهم بالقلم واللسان، والسكوت عن فحشهم، ونشر الفاحشة، وإسكات الطرف الآخر، وعدم نشر مقالاتهم، أو تعويقها، وإلصاق تُهم التطرف والرجعية بهم، وإسناد الولايات إلى غير أهلها من المسلمين الأمناء الأقوياء.
هكذا صارت البداية المشؤومة للسفور في هذه الأمة بنزع الحجاب عن الوجه، وهي مبسوطة في كتاب: المؤامرة على المرأة المسلمة للأستاذ أحمد فرج، وفي كتاب:«عودة الحجاب ج/1» للشيخ محمد بن أحمد إسماعيل، ثم أخذت تدب في العالم الإسلامي في ظرف سنوات قلائل، كالنار الموقدة في الهشيم، حتى صدرت القوانين الملزمة بالسفور، ففي تركيا أصدر الملحد أتاتورك -الهالك سنة 1356هـ-قانوناً بنزع الحجاب سنة 1920م، وفي سنة 1348هـ صدر قانون مدني على غرار قانون (نوشاتيل) المدني السويسري، فحرم تعدد الزوجات وغير ذلك، وفي مدة قصيرة جعل من المرأة التركية شقيقة المرأة السويسرية، فأصبحت المرأة التركية ترتدي أثواب السهرة العارية الكتفين والظهر، كما أنها لا تحجم عن ارتداء المايوه
…
عياذاً باللَّه تعالى، وفي إيران أصدر الرافضي رضا
بهلوي قانوناً بنزع الحجاب سنة 1926م، وفي أفغانستان أصدر محمد أمان قراراً بإلغاء الحجاب، وفي ألبانيا أصدر أحمد زوغو قانوناً بإلغاء الحجاب، وفي تونس أصدر أبو رقيبة الهالك سنة 1421هـ قانوناً بمنع الحجاب، وتجريم تعدد الزوجات، ومن فعل فيعاقب بالسجن سنة، وغرامة مالية!!
كما أصدرت قرارات عدوانية على الشريعة، منها: إطلاق الحرية للمرأة إذا تخطت العشرين من عمرها أن تتزوج بدون موافقة والديها، ومعاقبة من يتزوج ثانية بالحلال، وتبرئ من يخادن عَشْراً بالحرام!!
وفي مجلة العربي نشر استطلاع عن تونس وفيه صورة للوحات الدعاية المنصوبة في الشوارع، ففي كل ميدان لوحتان: إحداهما تمثل أسرة ترتدي الزي المحتشم مشطوبة بإشارة (×)، والأخرى تمثل أسرة متفرنجة، ومكتوب تحتها:«كوني مثل هؤلاء» .
ولذا قال العلامة الشاعر العراقي محمد بهجت الأثري رحمه الله المتوفى سنة 1416هـ:
أبو رقيبة لا امتدتْ لَه رَقَبَة
…
لم يتقِ اللَّه يوماً لا ولا رَقَبَه
وكان متولي كِبْرَها هو وآخرون، منهم المدعو: الطاهر الحداد المولود سنة 1317هـ الهالك سنة 1353هـ حين ألَّف كتابه: «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» بين عام 1338 - 1348هـ يدعو فيه إلى تحرير المرأة، وقيل: بل هو من تأليف النصراني: الأب سلام، تحمله الطاهر
الحداد، وفي آخره أثار اثني عشر سؤالاً أجاب عليها عدد من المفتين، وقد حكم عليه مفتيا المالكية بالمروق من الدين، وبسببه حُرِمَ من الامتحان في كلية الحقوق حتى مات سنة 1353هـ غير مُشيَّع إلا من أهله، وعدد من أصدقائه، وكان مُولعاً بالغناء، والتردد على المقاهي، والانتماء إلى المذهب الاشتراكي، ثم ركزت الصحافة على نشر ما في الكتاب من الطوام، وما زالوا كذلك حتى تحولت تونس إلى «جسم مريض» بالسفور والحسور، وتجد تفاصيل هذه المعركة الإلحادية على:«الحجاب» ، و» العفة» في كتاب لا يُفرح به في نحو أربعمائة صفحة، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون (1).
وفي العراق تولى كِبْرَ هذه القضية -المناداة بنزع الحجاب- الزهاوي، والرُّصافي، نعوذ باللَّه من حالهما، كما هو مفصَّل في كتاب:«حكايات سياسية في تاريخ العراق الحديث» (ص 91 - 143).
وانظر خبر اليوم الحزين في نزع الحجاب في الجزائر كما في كتاب: «التغريب في الفكر والسياسة والاقتصاد» [ص 33 - 139] في 13 ماي عام 1958م قصة نزع الحجاب، قصة تتقطع منها النفسُ حَسَراتٍ، ذلك أنه سُخِّر خطيب جمعة بالنداء في خطبته إلى نزع الحجاب، ففعل المبتلى، وبعدها قامت فتاة جزائرية فنادت بمكبر الصوت بخلع الحجاب، فخلعت حجابها ورمت به، وتبعها
(1) من سقطات «الأعلام» للزركلي وصفه للطاهر الحداد المذكور بأنه من زعماء الإصلاح، فليُتنبَّهْ!
فتيات -منظمات لهذا الغرض- نزعن الحجاب، فصفق المسَخَّرون، ومثله حصل في مدينة وهران، ومثله حصل في عاصمة الجزائر: والصحافة من وراء هذا إشاعة، وتأييداً.
وفي المغرب الأقصى، وفي الشام بأقسامه الأربعة: لبنان، وسوريا، والأردن، وفلسطين، انتشر السفور والتبرج والتهتك والإباحية على أيدي دعاة البعث تارة، والقومية تارة أخرى، إلا أن المصادر التي تم الوقوف عليها لم تسعف في كيفية حصول ذلك، ولا في تسمية أشقيائها، فلا أدري لماذا أعرض الكُتَّاب ومُسَجِّلو الأحداث آنذاك عن تسجيل البداية المشؤومة في القطر الشامي خاصة، مع أن الانفجار الجنسي والعري، والتهتك والإباحية على حال لا تخفى (1).
وأول كتاب يتحدث عن تحرير المرأة في الشام سنة 1347هـ أي بعد وفاة فاسم أمين بعشرين سنة - هو الكتاب الذي ألفته - أو ألِّف باسم - نظيرة زين الدين، بعنوان:«السفور والحجاب» ، ومما يثير الانتباه أن الذي قرظه هو علي عبد الرازق صاحب كتاب:«الإسلام وأصول الحكم» الكتاب الذي فَجَّر العلمانية في مصر، وردّ عليه علماء مصر.
أما في الهند وباكستان، فكانت حال نساء المؤمنين على خير حال من الحجاب -دِرْعُ الحشمة والحياء- وفي التاريخ نفسه -حدود عام
(1) ثم وجدت ذلك في كتاب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله «ذكريات» (5/ 101 - 112)، (223 - 274)، (6/ 10 - 25)[الواجد بكر أبو زيد رحمه الله].