الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقْتَ فَتْحِ الْبَابِ لَا يَرَى مَا فِي دَاخِلِ الْبَيْتِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (1).
سابعاً: الْمُسْتَأْذِنُ إِذَا قَالَ لَهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ: مَنْ أَنْتَ
؟، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنَا بَلْ يُفْصِحُ بِاسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ إِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِهِ; لِأَنَّ لَفْظَةَ أَنَا يُعَبِّرُ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَا تَحْصُلُ بِهَا مَعْرِفَةُ الْمُسْتَأْذِنِ، وَقَدْ ثَبَتَ مَعْنَى هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُبُوتًا لَا مَطْعَنَ فِيهِ.
فعن جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: أَنَا أَنَا، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا» (2)، وَتَكْرِيرُهُ صلى الله عليه وسلم لَفْظَةَ (أَنَا) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْضَهَا مِنْ جَابِرٍ; لِأَنَّهَا لَا يُعْرَفُ بِهَا الْمُسْتَأْذِنُ فَهِيَ جَوَابٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم بِمَا لَا يُطَابِقُ سُؤَالَهُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ جَوَابَ الْمُسْتَأْذِنِ بِأَنَا، لَا يَجُوزُ لِكَرَاهَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِذَلِكَ، وَعَدَمِ رِضَاهُ بِهِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
وَلفظ مُسْلِم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَوْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَنَا، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا أَنَا» .
ثامناً: استئذان الرجل على أمه أو ابنته أو أخته البالغين:
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: «اعْلَمْ أَنَّ الْأَظْهَرَ الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَى أُمِّهِ وَأُخْتِهِ، وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ
(1) انظر: أضواء البيان، 6/ 177.
(2)
البخاري، كتاب الاستئذان، باب إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا، 8/ 55، برقم 6250، ومسلم، كتاب الآداب، باب كراهة قول المستأذن أنا إذا قيل من هذا، 3/ 1697، برقم 2155.
الْبَالِغِينَ; لِأَنَّهُ إِنْ دَخَلَ عَلَى مَنْ ذَكَرَ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، فَقَدْ تَقَعُ عَيْنُهُ عَلَى عَوْرَاتِ مَنْ ذُكِرَ، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي (1) فِي شَرْحِهِ لِحَدِيثِ: «إِنَّمَا جُعِلُ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ» (2) مَا نَصُّهُ: «وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُشْرَعُ الِاسْتِئْذَانُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى الْمَحَارِمِ; لِئَلَّا تَكُونَ مُنْكَشِفَةَ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرِدِ عَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا بَلَغَ بَعْضُ وَلَدِهِ الْحُلُمَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنٍ (3)، وَمِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ فَقَالَ: مَا عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهَا تُرِيدُ أَنْ تَرَاهَا (4). وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ نُذَيْرٍ بِالنُّونِ مُصَغَّرًا: سَأَلَ رَجُلٌ حُذَيْفَةَ: أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ فَقَالَ: إِنْ لَمْ تَسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا رَأَيْتَ مَا تَكْرَهُ (5)، وَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أُمِّي فَدَخَلَ، وَاتَّبَعْتُهُ فَدَفَعَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: تَدْخُلُ بِغَيْرِ إِذْنٍ؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: أسْتَأْذِنُ عَلَى أُخْتِي؟ قَالَ: نَعَمْ،
(1) فتح الباري، 11/ 25.
(2)
البخاري، كتاب الاستئذان، باب الاستئذان من أجل البصر، برقم 6241، ومسلم، كاب الآداب، باب حريم النظر في بيت غيره، برقم 2156.
(3)
الأدب المفرد للبخاري، ص 364، برقم 1058، وصحح إسناده العلامة الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 433.
(4)
الأدب المفرد للبخاري، ص 364، برقم 1059، وصحح إسناده العلامة الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 434.
(5)
الأدب المفرد للبخاري، ص 364، برقم 1060. وصحح إسناده العلامة الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 434.
قُلْتُ إِنَّهَا فِي حِجْرِي؟ قَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ (1) وَأَسَانِيدُ هَذِهِ الْآثَارِ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ» (2).
وَهَذِهِ الْآثَارُ عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ تُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى مَنْ ذَكَرْنَا، وَيُفْهَمُ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:«إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ» (3)، فَوُقُوعُ الْبَصَرِ عَلَى عَوْرَاتِ مَنْ ذُكِرَ لَا يَحِلُّ، كَمَا تَرَى، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رحمه الله فِي تَفْسِيرِهِ لِلْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا (4).
«وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ كُرْدُوسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْتَأْذِنُوا عَلَى أُمَّهَاتِكُمْ وَأَخَوَاتِكُمْ. وَقَالَ أَشْعَثُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي أَكُونُ فِي مَنْزِلِي عَلَى الْحَالِ الَّتِي لَا أُحِبُّ أَنْ يَرَانِي أَحَدٌ عَلَيْهَا، لَا وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ، وَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْخُلُ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَنَزَلَتْ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا} الْآيَةَ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يُخْبِرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ثَلَاثُ آيَاتٍ جَحَدَهُنَّ النَّاسُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، قَالَ وَيَقُولُونَ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُكُمْ بَيْتًا، إِلَى أَنْ قَالَ: وَالْإذنُ كُلُّهُ قَدْ جَحَدَهُ النَّاسُ، قَالَ: قُلْتُ:
(1) الأدب المفرد للبخاري، ص 364، برقم 1061.
(2)
فتح الباري، 11/ 25.
(3)
البخاري، برقم 2641، وسبق تخريجه.
(4)
تفسير الطبري، 18/ 78، وابن كثير، 10/ 209.