الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحاصل أن كل ما قدمنا من النصوص الدالة على وجوب الحجاب من الكتاب والسنة هي أصول وقوانين كلية، وهذه واقعة عين، وقد علمت ما فيها من الاحتمالات، فهي لا تصلح لمقاومة تلك النصوص، ولا يترك الدليل الكلي في مقابلة واقعة عين مثل هذه» (1).
الشبهة الثانية عشرة: ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كُنَّ نِسَاءُ
الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ، لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ».
قال الأصمعي: التلفع: أن تشتمل بالثوب حتى تجلل به جسدك، وقال الجوهري [في الصحاح]: تلفعت المرأة بمرطها: أي تلفحت به (3)، وكذا قال ابن الأثير، وزاد: وتغطت، قال: واللفاعُ: ثوبٌ يُجلل به الجسد كله (4)، قال الجوهري: وتلفع الرجل بالثوب
(1) مجلة الجامعة السلفية، وتقدم ذكر العدد وتأريخه.
(2)
البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الفجر، برقم 578، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، برقم 645، والرواية الثانية: البخاري، كتاب الأذان، باب سرعة انصراف النساء من الصبح، برقم 872.
(3)
الصحاح، مادة (لفع).
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (لفع).
والشجرُ بالورق إذا اشتمل به (1).
قال الداودي في قوله: «ما يعرفن من الغَلَس» معناه: لا يعرفْن أنساء أم رجال؟ أي لا يظهر للرائي إلا الأشباح خاصَّة.
قيل: لا يُعْرَفُ أعيانهن، فلا يُفَرَّقُ بين خديجة وزينب - قال النووي:«وهذا ضعيف؛ لأن المتلفعة في النهار لا يُعْرف عينُها فلا يبقى في الكلام فائدة» (3).
وقول النووي هذا مع ما تقدم عن أئمة اللغة في تفسير التلفع يؤيد ما ذكرتُه من مبالغة نساء الصحابة رضي الله عنهم في التستر وتغطية وجوههن عن الرجال الأجانب، ويؤيد هذا ما تقدم (4) عن عائشة
(1) الصحاح، مادة (لفع).
(2)
رواه البخاري، في مواقيت الصلاة: باب وقت العصر، وباب القراءة في الفجر، برقم 578 ومسلم، في المساجد: باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، برقم 647.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 438.
(4)
قال العيني: بعد حكاية كلام النووي: «ورُدَّ بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان، فلو كان المراد غيرها لنفى الرؤية بالعلم، وقال بعضهم: «وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا يعرف عينها فيه نظر، لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب، ولو كان بدنها مغطى» انتهى، قلت: هذا غير موجه؛ لأن الرائي من أين يعرف هيئة كل امرأة حين كن مغطيات، والرجل لا يعرف هيئة امرأته إذا كانت بين المغطيات إلا بدليل من الخارج، وقال الباجي:«وهذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن منقبات لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس» ، قوله:«من الغلس» كلمة: «من» ابتدائية، ويجوز أن تكون تعليلية، والغَلس بفتحتين: آخر الليل، ولا مخالفة بين هذا الحديث وبين حديث أبي برزة الذي مضى من أنه كان ينصرف حين يعرف الرجل جليسه؛ لأنه إخبار عن رؤية جليسه، وهذا إخبار عن رؤية النساء من البعد». عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 6/ 74 - 75.
- رضي الله عنها أنها ذكرت نساء الأنصار وفضلهن، وأنهن لما أنزلت سورة النور {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (1) قامت كل امرأة منهن إلى مِرْطها فاعتجرت به، فأصبحن وراء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم معتجراتِ كأن على رؤوسهن الغربان، رواه ابن أبي حاتم - وقد تقدم تفسير الاعتجار وأنه لف الخمار على الرأس مع تغطية الوجه» (2).
قال بدر الدين العيني رحمه الله: «ثم عدم معرفتهن يحتمل أن يكون لبقاء ظلمة من الليل، أو لتغطيتهن بالمروط غاية التغطي، وقيل: معنى «ما يعرفهن أحد» يعني ما يعرف أعيانهن، وهذا بعيد، والأوجه فيه أن يقال:«ما يعرفهن أحد» أي: نساء هم أم رجال، وإنما يظهر للرائي الأشباح خاصة» (3).
وقال في موضع آخر: «قوله: «متلفعات» حال، أي متلحفات
(1) سورة النور، الآية:31.
(2)
الصارم المشهور، ص 85 - 87.
(3)
عمدة القاري، 4/ 90.