الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبغضه اللَّه تعالى، وحرَمه علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الأولى:«مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ:«دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» (1)، فوجب أن نقول في الأخرى:«دعوها فإنها منتنة» ، بل ضعوها حيث وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا قال:«أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ» (2).
فلا يجوز لأي مسلمة بحال أن ترفع ما وضعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أو تعَظِّمَ ما حَقره من أمر الجاهلية، سواء في ذلك: ربا الجاهلية، أو تبرج الجاهلية، أو دعوى الجاهلية، أو حكم الجاهلية، أو ظن الجاهلية، أو حمية الجاهلية، أو سنة الجاهلية.
الثانِي عشر: التبرج: انتكاس، وتخلف، وانحطاط:
من استعراض ما حدث لآدم عليه السلام مع عدوه إبليس نرى أن الحياء من التعري وانكشاف السَّوأة شيء مركوز في طبع الإنسان وفطرته، إذ يقول الله سبحانه:{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} (3).
(1) قطعة من حديث رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه، بَاب قَوْلُهُ:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} ، برقم 4905، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا، برقم 2584.
(2)
مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1218.
(3)
سورة الأعراف، الآية:20.
ويقول عز وجل: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (1).
ويقول سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} (2).
وكل هذه الآيات توحي بأهمية هذه المسألة، وعمقها في الفطرة البشرية، فاللباس، وستر العورة: زينة للإنسان، وستر لعوراته الجسدية، كما أن التقوى لباس، وستر لعوراته النفسية.
والفطرة السليمة تنفر من انكشاف سوءاتهما الجسدية والنفسية، وتحرص على سترها ومواراتها، والذين يحاولون تعرية الجسم من اللباس، وتعرية النفس من التقوى ومن الحياء من اللَّه، ثم من الناس.
والذين يطلقون ألسنتهم، وأقلامهم، وأجهزة التوجيه والإعلام كلها لتأصيل هذه المحاولة - في شتى الصور والأساليب الخبيثة - هم الذين يريدون سلب الإنسان خصائص فطرته، وخصائص إنسانيته، التي بها صار إنسانًا متميزَا عن الحيوان (3).
قال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (4).
(1) سورة الأعراف، الآية:22.
(2)
سورة الأعراف، الآية:27.
(3)
اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية، ص 16 - 17.
(4)
سورة الأسراء، الآية:70.
إن العري فطرة حيوانية، ولم تزل الحيوانات في انكشاف منذ خلقت، لم يتغير حالها يومًا، بعكس الإنسان الذي يصح أن نَصِفَهُ بأنه «حيوان مستور» ، وهذه الفطرة الحيوانية لا يميل الإنسان إليها إلا وهو يرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان.
إن رؤية العُرْي والتكشف جمالًا هو انتكاس في الذوق البشري قطعَاً، ومؤشر واضح يبين انتشار التخلف في المجتمع البشري.
وحتى هؤلاء الذين يتشدقون بالتقدم المزعوم، يقولون:
إن الإنسان بدأ حياته على طريقة الحيوان عاريَاً من كل ستر إلا شعره، ثم رأى أن يستر جسمه بأوراق الشجر، ثم بجلود الحيوانات، ثم جعل يترقى في مدارج الحضارة حتى اكتشف الإبرة، وابتدع وسيلة الحياكة، فاستكمل ستر جسمه.
وهكذا كانت نزعة التستر وليدة التقدم المدني، فكل زيادة في هذا التقدم كانت مؤدية إلى زيادة في توكيد الحشمة، وكل خلل في كمال الستر عنوان التخلف والرجعية.
وآية ذلك أن المتخلفين في أواسط أفريقيا عراة، حين تشرق حضارة الإسلام في هذه المناطق، يكون أول مظاهر هذه الحضارة اكتساء العراة، وانتشالهم من وهدة التخلف، والتسامي بهم إلى مستوى (الحضارة) بمفهومها الإسلامي الذي يستهدف استنقاذ خصائص الإنسان وإبرازها.