الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عاشراً: إِذَا قَالَ أَهْلُ الْمَنْزِلِ لِلْمُسْتَأْذِنِ: ارْجِعْ، وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ
; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} ، وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَتَمَنَّى إِذَا اسْتَأْذَنَ عَلَى بَعْضِ أَصْدِقَائِهِ أَنْ يَقُولُوا لَهُ: ارْجِعْ، لِيَرْجِعَ، فَيَحْصُلَ لَهُ فَضْلُ الرُّجُوعِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ; لِأَنَّ مَا قَالَ اللَّهُ إِنَّهُ أَزْكَى لَنَا لَا شَكَّ أَنَّ لَنَا فِيهِ خَيْرًا وَأَجْرًا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الحادي عشر: من نظر من نافذة بيت قوم ففقؤوا عينه فهي هَدْرٌ:
(1) البخاري، كتاب الديات، باب من اطلع في بيت قوم ففقؤوا عينه فلا دية له، 9/ 11، برقم 6902، ومسلم، كتاب الآداب، باب تحريم النظر في بيت غيره،3/ 1699، برقم 2158.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ» ، لَفْظُ جُنَاحٍ فِيهِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَهِيَ تَعُمُّ رَفْعَ كُلِّ حَرَجٍ مِنْ إِثْمٍ وَدِيَةٍ وَقِصَاصٍ، كَمَا تَرَى» (1).
ولفظ مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ» (2).
وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ التَّصْرِيحُ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَؤُوا عَيْنَهُ، وَكَوْنُ ذَلِكَ حَلَالًا لَهُمْ مُسْتَلْزِمٌ أَنَّهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ إِثْمٍ، وَلَا دِيَةٍ، وَلَا قِصَاصٍ; لِأَنَّ كُلَّ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم لَا مُؤَاخَذَةَ عَلَى فِعْلِهِ الْبَتَّةَ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُؤَاخَذَةِ، كَمَا لَا يَخْفَى.
وَفي لفظ الحديث عند مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رحمه الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ أَنَّ رجلًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ» (3).
وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ دَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي عَيْنِ الْمَذْكُورِ، وَثُبُوتُ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا رَأَيْتَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا تَعَدَّى وَانْتَهَكَ الْحُرْمَةَ، وَنَظَرَ إِلَى بَيْتِ غَيْرِهِ دُونَ اسْتِئْذَانٍ، أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَخْذِ عَيْنِهِ الْخَائِنَةِ، وَأَنَّهَا هَدْرٌ لَا عَقْلَ فِيهَا، وَلَا قَوَدَ، وَلَا إِثْمَ، وَيَزِيدُ مَا
(1) أضواء البيان، 6/ 181.
(2)
مسلم، كتاب الآداب، باب تحريم النظر في بيت غيره، 3/ 1699، برقم 2158.
(3)
مسلم، كتاب الآداب، باب تحريم النظر في بيت غيره، 3/ 1699، برقم 2158.
ذَكَرْنَا تَوْكِيدًا وَإِيضَاحًا مَا جَاءَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ أَنَّهُ هَمَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.
وقد ذكر الإمام الْبُخَارِيُّ رحمه الله تَحْتَ التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، وَهِيَ قَوْلُهُ: بَابُ مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَلَا دِيَةَ لَهُ: حَديث أَنَسٍ رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ أَوْ مَشَاقِصَ، وَجَعَلَ يَخْتِلُهُ لِيَطْعَنَهُ» (1).
وعَنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي جُحرٍ فِي بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْتَظِرُنِي لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنَيْكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِذْنُ مِنْ قِبَلِ الْبَصَرِ» (2)، اهـ مِنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ هُنَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ.
وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ: بَابُ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَفِظْتُهُ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يَحُكُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَقَالَ:«لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ» (3).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِشْقَصٍ أَوْ بِمَشَاقِصَ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ
(1) مسلم، كتاب الآداب، باب تحريم النظر في بيت غيره، 3/ 1699، برقم 2158.
(2)
البخاري، كتاب الديات، باب من اطلع في بيت قوم ففقؤوا عينه فلا دية له،9/ 10،برقم 6901.
(3)
البخاري، برقم 2641، وسبق تخريجه.