الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والآخر: إيماني، وهو خصلة تمنع المؤمن من ارتكاب المعاَصي خوفًا من اللَّه تعالى، وهذا القسم من الحياء فضيلة يكتسبها المؤمن، ويتحلّى بها، وهي أمُّ كل الفضائل الأخرى.
فلذلك وجب على المسلمين أن يُعوِّدُوا بناتهم على الحياء، والتخلّق بهذا الخلق الذي اختاره اللَّه تعالى لدينه القويم؛ لأن عدم الحياء علامة لزوال الإيمان، ولا يخفى ما يتولد عن ذلك من العواقب الوخيمة (1).
وقد أحسن القائل حين قال:
إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي
…
وَلَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ
فَلَا وَاللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ
…
وَلَا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ (2)
:
سابعاً: الحجاب يناسب الغيرة:
إن الحجاب يتناسب مع الغيرة التي جبل عليها الإنسان السويُّ، والغيرة غريزة تستمد قوتها من الروح، والتحرر عن القيود غريزة تستمد قوتها من الشهوة، فهذه تغري بالسفور، وتلك تبعث على الاحتجاب.
إن المدنية الغربية انحازت إلى الطبيعة الأولى، وقررت أن لا تحرم المنتسبين إليها التمتع بسفور النساء، واختلاط الجنسين،
(1) حجاب المرأة العفة والأمانة والحياء، للسيد عبد الله جمال الدين أفندي، ص 15.
(2)
لم ينسب هذا الشعر في كثير من الكتب التي أوردتهما، وهما في ديوان أبي تمام،
1/ 756، وفي ديوان بشار بن برد، 1/ 23، وفي روضة العقلاء لابن حبان، ص 57 نسبا إلى رجل من خزاعة، ومثله في الإشراف في منازل الأشراف لابن أبي الدنيا، 1/ 306.
وضحَّتْ بالطبيعة الثانية في سبيل ذلك، فالرجل الغربي يخالط نساء الناس، ويجالسهن متهتكات، مقابل التنازل عن غيرته على زوجته وأخته وبنته، فيخالطهن غيره، ويجالسهن.
إن القضاء على الغيرة بلغ عند مدنية الغرب إلى أن اعتبرتها من النقائص، بالرغم من أن الإنسان يشعر بفطرته أنها فضيلة، وتواضع كتابها وشعراؤها على تغيير هذه الفطرة.
ومن الدليل على كون السفوريين يتكلفون إسكات صوت الغيرة في قلوبهم، وإماتتها مقابل ما يتمتعون به من الاختلاط بنساء غير نسائهم، أن مقلدتهم من المسلمين لا يسمحون بالدخول على نسائهم إلا لمن يسمح لهم بالدخول على نسائه، فلو قصدوا بالسفور الذي يدعون له إلى تحرير المرأة من أسر الاحتجاب كما يدعونه، لما حافظوا على شرط المعاوضة في سفور نسائهم عند أي رجل من معارفهم (1).
والإسلام يعدُّ الغيرة من صميم أخلاق الإيمان، فمن لا غيرة له لا إيمان له، ولهذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أغير الخلق على الأمة:
* فعن الْمُغِيرَةِ بن شُعبةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: «لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ (2) فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ
(1) عودة الحجاب، 3/ 113.
(2)
ضربه بالسيف غير مصفح: إذا ضربه بحدِّه، وضربه صَفْحًا: إذا ضربه بعرضه.
- صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ! وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَنَ» (1).
* وعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ» (2).
وإن من ضروب الغيرة المحمودة: أنفةَ المحبِّ وحميته أن يشاركه في محبوبه غيره، ومن هنا كانت الغيرة نوعاً من أنواع الأثرة، لابد منه لحياطة الشرف، وصيانة العرض، وكانت أيضاً مثار الحمية والحفيظة فيمن لا حمية له، ولا حفيظة.
وضد الغيور الدَّيُّوث، وهو الذي يقر الخبث في أهله، أو يشتغل بالقيادة، وقال العلماء أيضًا: الديوث «هو الذي لا يَغَارُ على أهله» (3)، وفي المحكم:«والدَّيُّوثُ: الّذِي يُدْخِلُ الرِّجالَ على حُرْمَتِه بَحَيْثُ يَراهُم» (4)، وقد ورد الوعيد الشديد في حقه:
(1) رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا شخص أغير من الله» ، 9/ 123، برقم 7416، ومختصراً في الحدود، باب من رأى مع امرأته رجلاً فقتله، 8/ 173، برقم 6846، ورواه معلقاً في النكاح، باب الغيرة، 7/ 35، قبل الرقم 5220، ومسلم، كتاب اللعان،2/ 1136، برقم 1499.
(2)
رواه البخاري، كتاب النكاح، باب الغيرة، 7/ 35، برقم 5223، ومسلم، في التوبة، باب غيرة الله تعالى، وتحريم الفواحش، 4/ 2114، برقم 2761، واللفظ له، والترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء في الغيرة، 3/ 471، برقم 1168.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 147، مادة (ديث).
(4)
المحكم والمحيط الأعظم، 9/ 392.