الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر؛ إلا أدخله الله الجنة» . قال عمير بن الحُمام رضي الله عنه أخو بني سَلِمة وفي يده تمرات يأكلهنَّ -: بَخٍ، بَخٍ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ قال: ثم قذف التمرات من يده، وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل. وقد ذكر ابن جرير: أن عميراً قاتل وهو يقول:
رَكْضاً إلى الله بغير زادِ
إلا التُقى وعملِ المعادِ
والصبرِ في الله على الجهاد
وكلّ زادٍ عُرضةُ النفاد
غيرُ التقى والبرّ والرشادِ
كذا في البداية.
قصة تبوك وما أنفق الصحابة في ذلك من والأموال
وأخرح ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من الطائف بستة أشهر، ثم أمره الله بغزوة تبوك، وهي التي ذكر الله في ساعة العسرة، وذلك في حرّ شديد، وقد كثر النفاق كثر أصحاب الصُّفَّة - والصُّفَّة بيت كان لأهل الفاقة يجتمعون فيه، فتأتيهم صدقة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين. وإذا حضر غزو عمد المسلمون إليهم فاحتمل الرجلُ الرجلَ أو ما شاء الله بشبعه؛ فجهزوهم وغزَوا معهم واحتسبوا عليهم - فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالنفقة في سبيل الله والحِسبة؛ فأنفقوا إحتساباً. وأنفق رجال غير محتسبين، وحُمل رجال من فقراء المسلمين وبقي أُناس، وأفضل ما تصدّق به يومئذٍ أُحد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. تصدّق بمائتين أوقية، وتصدّق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمائة أوقية، وتصدقّ عامر الأنصاري رضي الله عنه بتسعين وَسْقاً من تمر. وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، إني لا أرى عبد الرحمن إلا قد احْتَوَب ما ترك لأهله شيئاً. فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل
تركت لأهلك شيئاً؟» قال: نعم، أكثر ممّا أنفقت وأطيب. قال:«كم؟» قال: ما وعد الله ورسوله من الرزق والخير. وجاء رجل من الأنصار يقال له أبو عقيل رضي الله عنه بصاع من تمر فتصدّق به. وعمد المنافقون حين رأَوا الصدقات يتغامزون، فإذا كنت صدقة الرجل كثيرة تغامزوا به وقالوا: مرائي. وإذا تصدّق رجل بيسير تمر من طاقته قالوا: هذا أحوج إلى ما جاء به. فلما جاء أبو عقيل بصاع من تمر قال: بِتُّ ليلتي أجرُّ بالجرير على صاعَين، والله ما كان عندي من شيء غيره - وهو يعتذر وهو يستحيي -، فأتيت بأحدهما وتركت الآخر لأهلي. فقال المنافقون: هذا أفقر إلى صاعه من غيره، وهم في ذلك ينتظرون أن يُصيبوا من الصدقات غنيهم وفقيرهم.
فلما أزف خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثروا الإستئذان، وشكَوا الحرّ، وخافوا - زعموا - الفتنة إِن غزَو ويحلفون بالله على الكذب. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن لهم لا يدري ما في أنفسهم، وبنى طائفة منهم مسجد النفاق يرصدون به الفاسق أبا عامر - وهو عند هرقل قد لحق به وكنانة بن عبد ياليل، وعلقمة بن عُلاثة العامري - وسورة «براءة» تنزل في ذلك أرسالاً، ونزلت فيها آية ليست فيها رخصة لقاعد. فلما أنزل الله عز وجل:{انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً} (براءة: 41)، إشتكى الضعيف الناصح لله ولرسوله والمريض والفقير إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا الأمر لا رخصة فيه. وفي المنافقين ذنوب مستورة لم تظهر حتى كان بعد ذلك، وتخلَّف رجال غير مستيقنين ولا ذوي علَّة. ونزلت هذه السورة بالبيان والتفصيل في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تخبر بنبأ من اتَّبعه حتى بلغ تبوك. فبعث منها علقمة بن مُجَزِّر المُدْلجي رضي الله عنه إلى فلسطين، وبعث خالد بن الوليد إلى دُومة الجندل: فقال: أسرعْ لعلَّك أن تجده خارجاً يتقنَّص، فتأخذه؛