الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْعتي، وحلَّ عنكم عَقْدي، وردَّ عليكم أمركم: فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنَّكم إن أمَّرتم في حياةٍ مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي. فقاموا في ذلك وخَلَّوه تخلية فلم تستقم لهم، فرجعوا إليه فقالوا: رَهْ لنا يا خليفة رسول الله. قال: فلعلكم تختلفون. قالوا: لا. فقال: فعليكم عهد الله على الرضا. قالوا: نعم. قال: فأمهلوني أنظر لله ولدينه ولعباده. فأرسل أبو بكر إلى عثمان فقال: أشر عليَّ برجل، فواا إنك عندي لها لأهل وموضع، فقال: عمر (فقال) : أكتب فكتب حتى انتهى إلى الإِسم فغُشي عليه فأفاق، فقال: أكتب عمر.
جواب أبي بكر لطلحة إذ خالفه في استخلاف عمر
وعند الّلأَلكائي عن عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال: لما حضرت أبا بكر الصديق الوفاةُ دعا عثمان بن عفان رضي الله عنه فأملى عليه عهده، ثم أُغمِي على أبي بكر قبل أن يملي أحداً، فكتب عثمان: عمر بن الخطاب، فأفاق أبو بكر فقال لعثمان: كتبتَ أحداً؟ فقال: ظننتك لمآبك وخشيت الفُرقة فكتبت عمر بن الخطاب. فقال: يرحمك الله أما لو كتبت نفسك لكنت لها أهلاً. فدخل عليه طلحة بن عبيد الله فقال: أنا رسول مَنْ ورائي إليك، يقولون: قد علمت غِلظة عمر علينا في حياتك فكيف بعد وفاتك إذا أفضيت إليه أُمورنا؟ والله سائلك عنه، فانظر ما أنت قائل. فقال: أجلسوني. أبالله تخوِّقوني، قد خاب أمرؤ ظنَّ من أمركم وهماً، إذا سألني الله قلت: إستخلفت على أهلك خيرهم لهم، فأبلْغهم هذا عنِّي.
حديث أم المؤمنين عائشة في هذا الأمر
وعند ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما حضر أبا بكر الوفاة إستخلف عمر، فدخل عليه علي، وطلحة رضي الله عنهما فقالا: من إستخلفت؟ قال: عمر. قالا: فماذا أنت قائل لربك؟ قال: أبالله تُفْرِقاني، لأنا أعلم بالله وبعمر منكما، أقول: إستخلفت عليهم خير أهلك. كذا في الكنز. وأخرجه البيهقي بنحوه عن عائشة رضي الله عنها، وابن جرير بمعناه عن أسماء بنت عُمَيس رضي الله عنها.
حديث زيد بن الحارث في هذا الأمر
وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن الحارث أن أبا بكر رضي الله عنه حين حضرهُ الموتُ أرسل إلى عمر يستخلفه، فقال الناس: تستخلف علينا عمر فظاً غليظاً؟ فلو قد وعلينَا كان أفظّ وأغلظ، فا تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟ فقال أبو بكر: أبربِّي تخوِّفوني؟ أقول: اللهمّ إستخلفت عليهم خير أهلك. كذا في الكنز.
جعل الأمر شورى بين المستصلحين له حديث مقتل عمر وجعله الأمر في النفر الستة وثناء ابن عباس عليه
أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما طعن أبو لؤلؤة
عمر رضي الله عنه طعنه طعنتين، فظن عمر أنَّ له ذنباً في الناس لا يعلمه، فدعا ابن عباس رضي الله عنهما وكان يحبه ويدنيه ويسمع منه - فقال: أحب أن نعلم: عن ملأ من الناس كان هذا؟ فخرج ابن عباس فكان لا يمر بملأ من الناس إلا وهم يبكون، فرجع إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، ما مررتُ على ملأ إلا رأيتهم يبكون، كأنهم فقدوا اليوم أبكار أولادهم. فقال من قتلني؟ فقال: أبو لؤلؤة المجوسي عبد المغيرة بن شعبة. قال ابن عباس: فرأيت البشْر في وجهه، فقال: الحمد لله الذي لم يبتلني أحد يحاجّني بقول لا إله إلا الله. أما إِني قد نهيتكم أن تجلبوا إلينا من العلوج أحداً فعصيتموني.
ثم قال: أدعوا لي إِخواني. قالوا: ومن؟ قال: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم فأرسل إليهم، ثم وضع رأسه في حِجْري. فلما جاؤوا قلت: هؤلاء قد حضروا، قال: نعم، نظرت في أمر المسلمين فوجدتكم - أيها الستة - رؤوس الناس وقادتهم، ولا يكون هذا الأمر إِلا فيكم، ما استقمتم يستقم أمر الناس، وإن يكن إختلاف يكن فيكم - فما سمعته ذكر الإختلاف والشقاق وإِن يكن؛ ظننت أنَّه كائن، لأنه قلَّما قال شيئاً إلا رأيتُه ثم نزفه الدم، فهمسوا بينهم حتى خشيت أن يبايعوا رجلاً منهم، فقلت: إِن أمير المؤمنين حيّ بعد ولا يكون خليفتان ينظر أحدهما إلى الآخر. فقال: إحملوني فحملناه، فقال: تشاوروا ثلاثاً، ويصلِّي بالناس صُهَيب. قالوا: من نشاور يا أمير المؤمنين؟ قال: شاوروا المهاجرين والأنصار وسَرَاة من هنا من الأجناد.
ثم دعا بشَرْبة من لبن فشرب، فخرج بياض اللبن من الجرحين، فعرف أنَّه الموت، فقال: الآن لو أنَّ لي الدنيا كلَّها لافتديت بها من هول المُطَّلَع، وما ذاك - والحمد لله - أن أكون رأيت إلا خيراً. فقال (ابن عباس) وإن قلت
فجزاك الله خيراً، أليس قد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزَّ الله بك الدين والمسلمين إِذ يخافون بمكة، فلما أسلمت كان إِسلامك عزَّاً، وظهر بك الإِسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهاجرت إلى المدينة فكانت هجرتك فتحاً، ثم لم تَغِب عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال المشركين من يوم كذا ويوم كذا. ثم قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ، فوازرت الخليفة بعده على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربت بمن أقبل على من أدبر حتى دخل الناس في الإِسلام طوعاً وكرهاً. ثم قُبض الخليفة وهو عنك راضٍ. ثم وَلِيت بخير ما وليَ الناس، مصَّرَ الله بك الأمصار، وجبى بك الأموال، ونفى بك العدو، وأدخل الله بك على كل أهل بيت من توسِعتهم في دينهم وتوسِعتهم في أرزاقهم؛ ثم ختم لك بالشهادة؛ فهنيئاً لك.
فقال: والله إنّ المغرور من تَغرونه، ثم قال: أتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة؟ فقال: نعم، فقال: اللهمَّ لك الحمد، ألصِق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر فوضعته من فخذي على ساقي فقال: ألصق خدي بالأرض، فترك لحيته وخدَّه حتى وقع بالأرض، فقال: ويلك وويلَ أمك يا عمر إن لم يغفر الله لك يا عمر ثم قُبض رحمه الله. فلما قُبض أرسلوا إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال: لا آتيكم إن لم تفعلوا ما أمرك به من مشاورة المهاجرين والأنصار وسَراة من هنا من الأجناد. قال لحسن - وذُكر له فعل عمر رضي الله عنه عند موته وخشيته من ربه - فقال: هكذا المؤمن جمع إحساناً وشفقة، والمنافق جمع إساءة وغرَّة، والله ما وجدت فيما مضى ولا فيما بقي عبداً إزداد إساءة إلا إزداد غرَّة. قال الهيثمي: وإسناده حسن.
حديث ابن سعد في دَيْن عمر ودفنه مع صاحبيه واستخلافه النفر الستة
وأخرج بن سعد، وأبو عبيد، وابن أبي شيبة، والبخاري، والنِّسائي وغيرهم عن عمرو بن ميمون - فذكر الحديث في قصة شهادة عمر رضي الله عنه وفيه: فقال لعبد الله بن عمر: أنظر ما عليَّ من الدَّين فأحسبه، فقال: ستة وثمانون ألفاً. فقال: إِن وفَى بها مال آل عمر فأدِّها عني من أموالهم، وإلا فسَلْ بني عدي بن كعب، فإن تفِ أموالهم وإِلا فسَلْ قريشاً، ولا تعْدُهم إلى غيرهم فأدِّها عني. إذهب إلى عائشة أم المؤمنين فسلِّم وقل: يستأذن عمر بن الخطاب - ولا تقل: أمير المؤمنين فإني لست اليوم بأمير المؤمنين - أن يدفن مع (صاحبيه) . فأتاها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فوجدها قاعدة تبكي فسلَّم ثم قال: يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفن مع (صاحبيه) . قالت: قد كنت - والله - أريده لنفسي، ولأوثرنَّه اليوم على نفسي. فلما جاء قال: ما لديك؟ قال: أذنت لك. فقال عمر: ما كان شيء بأهمَّ عندي من ذلك، ثم قال؛ إذا أنا متُّ فاحملوني على سريري، ثم استأذن فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لك فأدخلني وإن لم تأذن فردَّني إلى مقابر المسلمين.
فلا حُمل كأنَّ الناس لم تصبهم مصيبة إلا يومئذٍ، فسلَّم عبد الله بن عمر، فقال: يستأذن عمر بن الخطاب فأذنت له (فدفن رحمه الله حيث أكرمه (الله مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر) . فقالوا له حين حضره الموت: إستخلف،
فقال: لا أجد أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، فأيهم إستخلفوا فهو الخليفة بعدي، فسمَّى علياً، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعداً رضي الله عنهم فإن أصابت الإِمرة سعداً فذاك، وإلا فأيُّهم إستخلف فليستعن به، فإني لم أنزعه عن عجز ولا خيانة، وجعل عبد الله يشاورونه معهم وليس له من الأمر شيء. إجتمعوا قال عبد الرحمن بن عوف: إجعلوا أمركم إلى ثلاثة نفر، فجعل الزبير أمره إلى عليٌّ، وجعل طلحة أمره إلى عثمان، جعل سعد أمره إلى عبد الرحمن. فأتمر أولئك الثلاثة حين جُعل الأمر لهم. فقال عبد الرحمن: أيكم يتبرأ من الأمر، ويجعل الأمر ليّ؟ ولكم الله عليَّ أن لا آلو عن أفضلكم وخيركم للمسلمين. قالا: نعم، فخَلا بعليِّ فقال: إن لك من القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والتقدم، ولي الله عليك لئن أستُخلف لتعدلنَّ ولئن إستخلفتُ عثمان لتسمعنَّ ولتطيعنَّ. قال: نعم. وخلا بعثمان فقال له مثل ذلك، فقال عثمان؛ نعم. ثم قال لعثمان: إبسط يدك يا عثمان، فبسط يده، فبايعه وبايعه عليٌّ والناس.
حديث ابن أبي شيبة وابن سعد في هذا الشأن أيضا
وعند ابن أبي شيبة، وابن سعد عن عمرو أيضاً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حُضر قال: أدعو لي علياً، وطلحة، والزبير، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعداً رضي الله عنهم فلم يكلَّمأحداً منهم إلا علياً، وعثمان. فقال لعلي: يا علي، لعلَّ هؤلاء النفر يعرفون لك قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما آتاك الله من العلم والفقه، فاتَّقِ الله إن وليت هذا الأمر، فلا ترفعنَّ بني فلان على رقاب الناس. وقال لعثمان: يا عثمان، لعلَّ هؤلاء القوم