الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زيد في سبع مائة إلى الشام. فلمَّا نزل بذي خُشُب قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب حول المدينة. فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا بكر رُدّ: هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله غيره لو جرّت الكلابُ بأرجلِ أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ردَدْتُ جيشاً وجَّهه رسول الله ولا حللتُ لواءً عقده رسول الله. فوجَّه أسامة، فجعل لا يمرُّ بقبيل يريدون الإرتداد إِلا قالوا: لولا أنَّ لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقَوا الروم، فلقَوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين، فثبتوا على الإِسلام. كذا في البداية. وأخرجه أيضاً الصابوني في المائتين كما في الكنز، وابن عساكر كما في المختصر عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه. قال ابن كثير: عبَّاد بن كثير - أي قي إسناده - هذا أظنه البرمكي لرواية الفِرْيابي عنه، وهو متقارب الحديث، فأما البَصْري الثَّقَفي فمتروك الحديث. انتهى. وقال في كنز العمال: وسنده - أي حديث أبي هريرة - حسن. انتهى.
قول أبي بكر عند وفاته لعمر رضي الله عنهما
وأخرج ابن جرير الطبري من طريق سيف: أنَّ أبا بكر مرض بعد مخرج خالد إلى الشام مرضته التي مات فيها بأشهر. فقدم المثنَّى رضي الله عنه وقد أشْفى وعقد لعمر رضي الله عنه فأخبره الخبر. فقال؛ عليّ بعمر. فجاء فقال له: إسمع يا عمر ما أقول لك ثم إعمل به، إنِّي لأرجو أن أموت من يومي هذا - وذلك يوم الإِثنين -، فإن أنا متُّ فلا تمسينّ حتى تندب الناس مع
المثنَّى، وإن تأخّرتُ إلى الليل فلا تصبحنّ حتى تندب الناس مع المثنَّى، ولا يشغلنَّكم مصيبة وإن عظمت عن أمر دينكم ووصية ربكم، وقد رأيتني مُتَوفَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما صنعتُ ولم يُصعب الخلق بمثله، وبالله لو أنّي أَني عن أمر الله وأمر رسوله لخَذَلنا ولعاقَبَنا، فاضطرمت المدينة ناراً. انتهى.
إهتمام أبي بكر الصديق رضي الله عنه لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة مشاورة أبي بكر المهاجرين والأنصار في القتال وخطبته في هذا الشأن
أخرج الخطيب في رواة مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم إشرأبَّ النفاق بالمدينة، وارتد العرب وارتدت العجم، وأبرقت وتواعدوا نهاوند، وقالوا: قد مات هذا الرجل الذي كانت العرب تُنصر به. فجمع أبو بكر رضي الله عنه المهاجرين والأنصار وقال: إنَّ هذه العرب قد منعوا شاتهم وبعيرهم ورجعوا عن دينهم، وإِنَّ هذه العجم قد تواعدوا نهاوند ليجمعوا لقتالكم، وزعموا أنَّ هذا الرجل الذي كنتم تُنصرون به قد مات، فأشيروا عليّ فما أنا إلا رجلٌ منك، وإنِّي أثقلكم حِملاً لهذه البليّة فأَطرقوا طويلاً، ثم تكلّم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أرى - والله - يا خليفة رسول الله أن تقبل من العرب الصلاة وتدع لهم الزكاة، فإنَّهم حديثو عهد بجاهلية لم يُعدَّهم الإِسلام، فإمَّا أن يردَّهم الله عنه إِلى خير، وإما أن يعزّ الله الإِسلام فنقوى على قتالهم، فما لبقية المهاجرين والأنصار يَدان للعرب والعجم قاطبة. فالتفت إلى عثمان رضي الله عنه فقال مثل ذلك، وقال علي رضي الله عنه مثل ذلك، وتابعهم المهاجرون. ثم التفت إِلى الأنصار فتابعوهم. فلما رأى ذلك صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد: فإنَّ الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم والحقُّ قُلٌّ شريد، والإِسلام غريبٌ طريد، قد رَثَّ حبلُه، وقلّ أهلُه، فجمعهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعلهم الأمة الباقية الوُسْطى، والله لا أبرح أقوم بأمر الله وأجاهد في سبيل الله حتى ينجز الله لنا ويفي لنا عهده، فيقتل من قُتل منَّا شهيداً في الجنة، ويبقى من بقي منا خليفة الله في أرضه ووارث عباده. قضى الله الحقَّ؛ فإن الله تعالى قال - وليس لقوله خُلْف -:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} (النور: 55) والله لو منعوني عِقالاً ممّا كانوا يُعطون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل معهم الشجر والمَدَر والجن والإِنس لجاهدتهم حتى تلحق روحي بالله إنَّ الله لم يفرِّق بين الصلاة والزكاة ثم جمعهما. فكبَّر عمر وقال: والله قد علمت - والله حين عزم الله لأبي بكر على قتالهم - أنَّه الحق. كذا في كنز العمال.
وأخرج ابن عساكر عن صالح بن كَيْسان قال: لما كانت الردّة قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:(الحمد لله الذي هدى فكفى، وأعطى فأغنى، إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم شريداً، والإِسلام غريباً (طريداً) ، قد رث حبلُه، وخَلَق عهدُه، وضلّ أهله عنه، ومَقَتَ الله أهل الكتاب فلم يعطهم خيراً لخير عندهم، ولا يصرف عنهم شراً لشر عندهم، وقد غيّروا كتابهم وألحقوا فيه ما ليس فيه، والعرب الأميون صِفْر من الله لا يعبدونه ولا يدعونه، أجهدُهم عيشاً، وأضلُّهم ديناً، في ظَلَف من الأرض، معه فئة الصحابة؛ فجمعهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعلهم الأمة الوسطى، نصرهم بمن اتبعهم ونصرهم على غيرهم حتى قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم فركب منهم الشيطان مركبه الذي أنزله الله عنه، وأخذ بأيديهم وبغَى هُلْكهم/ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ
عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (آل عمران: 144) ، إِنَّ مَنْ حولكم من العرب منعوا شاتهم وبعيرهم، ولم يكونوا في دينهم؛ - وإن رجعوا إليه - أزهدَ منهم يومهم هذا، ولم تكونوا في دينكم أقوى منكم يومكم هذا على ما فقدتم من بركة نبيكم صلى الله عليه وسلم ولقد وَكَلَكُم إلى الكافي الأول الذي جده ضالاً فهداه، عائلاً فأغناه، وكنتم على شَفَا حُفْرة من النار فأنقذكم منها، والله لا أدع أن أقاتل على أمر الله حتى ينجزَ الله وعده، ويوفيَ لنا عهده؛ ويُقتلَ من قُتل شهيداً من أهل الجنة، ويبقى من بقي منا خليفته وارثَه في أرضه، قضى الله الحق؛ وقوله الذي - لا خُلْف فيه -:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاْرْضِ} ، ثم نزل. قال ابن كثير:
فيه انقطاع بين صالح بن كَيْسان والصدِّيق، لكنه يشهد لنفسه بالصِّحَّة لجزالة ألفاظه وكثرة ما له من الشواهد. كذا في الكنز. وقد ذكره في البداية عن ابن عساكر بنحوه.
إنكار أبي بكر رضي الله عنه على من توقف أو أراد الإِمهال في القتال
وأخرج العدني عن عمر رضي الله عنه قال: لما اجتمع رأي المهاجرين - وأنا فيهم - حين ارتدت العرب، فقلنا: يا خليفة رسول الله، إترك الناس يُصلُّون ولا يُؤدّون الزكاة، فإنَّهم لو قد دخل الإِيمان في قلوبهم وقرّوا بها. فقال أبو بكر رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لأن أقعَ من السماء أحبُّ إليَّ من أن أترك شيئاً قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أقاتل عليه. فقاتل العرب حتى رجعوا إلى الإِسلام، فقال عمر: والذي نفسي بيده، لذلك اليوم خير من آل عمر.
كذا في الكنز.
وعند الإسماعيلي عن عمر رضي الله عنه قال: لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد من ارتد من الرب، وقالوا: نصلِّي ولا نزكِّي. فأتيت أبا بكر رضي الله عنه، فقلت: يا خليفة رسول الله، تألَّفه الناس وارفِق بهم، فإنَّهم بمنزلة الوحش. فقال: رجوتُ نصرتك، وجئتني بخذلانك جباراً في الجاهلية، خواراً في الإِسلام؟ ماذا عسيت أن أتألّفهم؟ بشعر مفتعل، أو بسحر مفترى؟ هيهات، هيهات مضى النبي صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي، والله لأجاهدنَّهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالاً. قال عمر رضي الله عنه: فوجده في ذلك أمضَى مني وأعزم مني، وأدَّب الناس على أمور هان عليَّ كثير من مؤونتهم حين وُلِّيتُهم. كذا في الكنز.
وأخرج الدِينَوري في المجالسة، وأبو الحسن بن بِشْران في فوائده، والبيهقي في الدلائل، واللألكائي في السُّنَّة عن ضَبَّة بن المحصن العَنَزي قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنت خير من أبي بكر؟ فبكى وقال: والله، لليلةٌ من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر: هل لك أن أحدثك بليلته ويومه؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: أما ليلته: فلمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هارباً من أهل مكة، خرج ليلاً فتبعه أبو بكر - فذكر الحديث في الهجرة كما تقدم (ص 339) ؛ قال: وأما يومه: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب فقال بعضهم: نصلِّي ولا نزكِّي، وقال بعضهم: لا نصلِّي ولا نزكِّي. فأتيته - ولا آلو نصحاً -، فقلت يا خليفة رسول الله تألَّفِ الناسَ - فذكره بنحوه كما في
منتخب كنز العمال.
وعند الإِمام أحمد والشيخين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب قال عمر رضي الله عنه: يا أبا بكر، كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله؟» . قال أبو بكر رضي الله عنه: والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإنَّ الزكاة حق المال. والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنَّه الحق. وأخرجه أيضاً الأربعة إلا ابن ماجه، وبن حِبَّان، والبيهقي كما في الكنز.
إهتمام أبي بكر الصديق رضي الله عنه بإرسال الجيوش في سبيل الله، وترغيبه على الجهاد، ومشاورته للصحابة في جهاد الروم ترغيب أبي بكر على الجهاد في سبيل الله في خطبة له
أخرج ابن عساكر عن القاسم بن محمد - فذكر الحديث، وفيه: وقام أبو بكر رضي الله عنه في الناس خطيباً، فحمد الله وصلَّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنَّ لكل أمر جوامعَ، فمن بلغها فهو حَسْبه، ومن عمل لله عز وجل كفاه
الله. عليكم بالجدِّ والقصد، فإنَّ القصد أبلَغ. ألا إنه لا دين لأحد لا إيمان له، ولا أجر لمن لا حِسْبة له، ولا عمل لمن لا نيَّة له. ألا وإِنَّ في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله، لَمَا ينبغي للمسلم أن يحب أن يُخصَّ به، هي النجاة التي دل الله عليها ونجَّى بها من الخِزْي، وألحق بها الكرامة في الدنيا والآخرة. كذا في المختصر. وذكره في الكنز مثله. وأخرجه ابن جرير الطبري عن القاسم بن محمد بمثله.
كتاب أبي بكر إلى خالد ومن معه من الصحابة للجهاد في سبيل الله
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن إسحاق بن يَسار في قصة خالد بن الوليد رضي الله عنه حين فرغ من اليمامة. قال: فكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد - وهو باليمامة -:
من عبد الله أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد والذين معه من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان: سلام عليكم. فإني أحمد إِليكم الله الذي لا إِله إلا هو. أَما بعد: فالحمد لله الذي أنجز وعده، ونصر عبده، وأعزَّ ولِيَّه، وأذلَّ عدوَّه، وغلب الأحزاب فرداً. فإن الله الذي لا إله إِلا هو قال:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ} (النور: 55) - وكتب الآية كلَّها وقرأ الآية - وعداً منه لا خُلْف له، ومقالاً لا ريب فيه. وفرض الجهاد على المؤمنين، فقال:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} (البقرة: 216) - حتى فرغ