الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«أوَ لا تحبون أن تبيتوا في خريف من خرائف الجنة؟» - والخريف: الحديقة - وأخرجه الطبراني أيضاً عن أبي هريرة - بنحوه: قال الهيثمي: وشيخه بكر بن سهل الدِمياطي؛ قال الذهبي: مقارب الحديث؛ وقال النِّسائي: ضعيف، وفيه ابن لهيعة أيضاً. انتهى.
إنكار عمر على معاذ بن جبل تأخيره الخروج
أخرج ابن راهَوَيْهِ، والبيهقي عن أبي زُرعة بن عمر بن جرير قال: بعث عمر بن الخطاب جيشاً وفيهم معاذ بن جبل رضي الله عنهما، فلما ساروا رأى معاذاً، فقال: ما حبسك؟ قال: أردت أن أصلِّي الجمعة ثم أخرج. فقال عمر: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الغَدْوة والرَّوْحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها؟» كذا في كنز العمال.
العتاب على من تخلَّف عن سبيل الله وقصَّر فيه
قصة كعب بن مالك الأنصاري
أخرج البخاري عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلّفت في غزوة بدر ولم يعاتِب أحداً تخلّف عنها؛ إِنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عِيَ قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإِسلام، وما أحبّ أن لي بها مشهد بدر؛ وإن كانت بدر أذكَرَ في الناس منها. وكان من خبري: أني لم أكن قطُّ
أقوى ولا أيسر حين تخلَّفت عنه في تلك الغزوة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قطّ حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّ شديد، واستقبل سفراً بعيد ومفازاً وعدوّاً كثيراً، فجلَّى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد. والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان -. قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظنّ أنْ سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله.
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهّز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه. فطفقت أغدو لكي أتجهَّز معهم فأرجع ولم أقضِ شيئاً، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادَى بي حتى اشتد بالناس الجدّ، فأصبح رسول الله والمسلمون معه، لم أقضِ من جَهازي شيئاً، فقلت: أتجهز بعد يوم أو يومين، ثم ألحقهم؛ فغدوت بعد أن فَصَلوا لأتجهّز، فرجعت ولم أقضِ شيئاً. ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقضِ شيئاً. فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، - وليتني فعلت - فلم يقدَّر لي ذلك. فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم، أحزنني أني لا أرى إِلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء. ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك. فقال - وهو جالس في القوم بتبوك -:«ما فعل كعب؟» فقال رجل من بني سِلمة؛ يا رسول الله، حبسه بُراده ونَظَرُه في عِطْفيه، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إِلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه توجه قافلاً حضرني همِّي، وطفقت أتذكَّر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غداً؟ واستعنتُ على ذلك بكل ذي رأيٍ من أهلي. فلما قيل: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظلَّ قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أنِّي لن أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه. وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً، فكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاءه المخلَّفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له - وكانوا بضعةً وثمانين رجلاً - فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكَل سرائرهم إلى الله عز وجل. فجئته، فلما سلّمت عليه تَبَسَّم تَبَسُّمِ المُغْضَب، ثم قال:«تعالَ» . فجئت أمشي حتى جلست بين يديه. فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعتَ ظَهْرك؟» فقلت: بلى، إني - والله - لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيتُ أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيتُ جدلاً، ولكني - والله - لقد علمتُ لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضَى به عني ليوشِكَنَّ الله أنْ سخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، ووالله ما كنت قطُّ أقوى ولا أيسر مني حين تخلّفت عنك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمّا هذا فقد صدق، فقم حتى يقضيَ الله فيك» . فقمت. فثار رجال من بني سَلِمة فاتَّبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا؟ ولقد عَجزَت أن لا تكون اعتذرتَ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلّفون، وقد كان كافيكَ ذنبَكَ إستغفارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. فوالله ما زالوا يؤنّبونني حتى هممت أن أرجع فأكذِّب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان. قالا مثل ما قلت، وقيل لهما: مثل ما قيل لك. فقلت: من هما؟ قالوا: مُرارة بن الربيع
العَمْري، وهِلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيهما أُسوة، فمضيت حين ذكروهما لي.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيُّها الثلاثة من بين من تخلّف
عنه، فاجْتنبَنَا الناس وتغيّروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرضُ، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشَبَّ القوم وأجلَدهم؛ فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلّمُ عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، وأقول في نفسي: هل حرَّك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا؟ ثم أصلِّي قريباً منه فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليّ، وإِذا التفتّ نحوه أعرض عني. حتى إذا طال عليّ ذلك من جَفْوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة - وهو ابن عمِّي وأحبُّ الناس إليّ - فسلَّمت عليه، فوالله ما رد عليّ السلام؛ فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله هل تعلمني أحبّ الله ورسوله؟ فسكت. فعدت له فنَشَدته، فسكت. فعدت له فنَشَدته، فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي وتولّيت حتى تسوَّرتُ الجدار.
قال: وبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نَبَطيٌ من أنباط أهل الشام ممّن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلّني على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إِذا جاءني دفع إليّ كتاباً من ملك غسان (في سَرَقة من حرير) فإذا فيه:
فقلت لما قرأتها وهذا أيضاً من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرته بها.
(فأقمنا على ذلك) ، حتى إذا مضَت أربعون ليلة من الخمسين، إِذا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل إمرأتك. فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟ قال: «لا، بل إعتزلها ولا تقربها» ، وأرسل إلى
صاحبيّ بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: إلحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال كعب: فجاءت إمرأة هلال بن أُمية إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله إنَّ هلال بن أُمية شيخ ضائع، ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال:«لا، ولكن لا يقربْك» . قالت: إنه - والله - ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إِلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمرأتك كما استأذن هلال بن أُميّة أن تخدمه. فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يُدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب؟.
قال: فلبثت بعد ذلك عشر ليالٍ حتى كملت لن خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا. فلما صليت الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت - سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سَلْع يقول بأعلى صوته: يا كعب أبشر، فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء فرج. وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلَّى صلاة الفجر. فذهب الناس يبشِّروننا، وذهب قَبِل صاحبيَّ مبشرون، وركض رجل إليّ فرساً، وسعى ساعٍ من أسلَم فأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه، ووالله ما أملك غيرهما يومئذٍ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئونني بالتوبة يقولون: لتهنِكَ توبة الله عليك. قال كعب: حتى دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حولَه الناس؛ فقام إليّ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنّأني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيرُه؛ ولا أنساها لطلحة. قال كعب: فلما سلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
يبرق وجهه من السرور - «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك» قال قلت: أمِنْ عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: «لا، بل من عند الله» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر؛ وكنا نعرف ذلك منه. فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صَدَقةً إلى الله وإِلى رسوله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، وقلت: يا رسول الله إنَّ الله إنما نجّاني بالصدق، وإِن من توبتي،
ألا أُحدِّث إلا صدقاً ما بقيت؛ فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذباً، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِىّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاْنصَارِ} - إلى قوله - {وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 117 - 119) ، فوالله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد أن هداني للإِسلام أعظم من نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته، فأهلِك كما هلَك الذين كذبوا؛ فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد؛ قال الله تعالى:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (التوبة: 95/ 96) .
قال كعب: وكنا خُلِّفنا - أيها الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه. فبذلك قال الله تعالى:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الارْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لَاّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (التوبة: 118) ، ليس الذي ذكر الله مما خُلِّفنا من الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن
حلف له، واعتذر إليه، فقبل منهم. وهكذا رواه مسلم، وابن إسحاق. رواه الإِمام أحمد بزيادات يسيرة. كذا في الإِصابة. وأخرجه أيضاً أبو داود، والنِّسائي بنحوه مفرقاً مختصراً. وروى الترمذي قطعة من أوله، ثم قال: وذكر الحدث. كذا في الترغيب. وأخرجه البيهقي بطوله.
التهديد على من أقام في الأهل والمال وترك الجهاد تحقيق أبي أيوب في مراد آية {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}
أخرج البيهقي عن أبي عمران رضي الله عنه قال: كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عُقبة بن عامر، وعلى أهل الشام رجل - يريد فَضالة بن عبيد رضي الله عنهما، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، فصففنا لهم، فحمل رجل من المسلمين على الروم حتى دخل فيهم ثم خرج علينا، فصاح الناس إِليه فقالوا: سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة. فقام أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، إِنكم لتأوِّلون هذه الآية على هذا التأويل، إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، إِنَّا لما أعزّ الله دينه وكَثُر ناصروه فقلنا - فيما بيننا بعضنا لبعض سراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أموالنا قد ضاعت، فلو أقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها. فأنزل
الله عز وجل يردّ علينا ما هممنا به - فقال: {وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة: 195) ، فكانت التهلكة في الإِقامة التي أردنا أن نقيم في أموالنا نصلحها. فأمرنا بالغزو فما زال أبو أيوب رضي الله عنه غازياً في سبيل الله حتى قبضه الله عز وجل.
وأخرجه أيضاً البيهقي من وجه آخر عن أبي عمران رضي الله عنه قال: غزونا المدينة - يريد القُسطنطينية -، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة. فحمل رجل على العدوّ. فقال الناس: مَهْ مَهْ لا إله إلا الله يلقي بيده إلى لتهلكة. فقال أبو أيوب رضي الله عنه: إنما أُنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار؛ لمّا نصر الله نبيه وأظهر الإِسلام. قلنا: هَلُمَّ نقيم في أموالنا ونصلحها. فأنزل الله تعالى: {وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، فالإِلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحَها وندعَ الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقُسطنطينية.
وأخرج أبو داود، والترمذي، والنِّسائي عنأ بي عمران رضي الله عنه قال: حمل رجل من المهاجرين بالقُسطنطينية على صفِّ العدوّ حتى خرقه؛ ومعنا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه. فقال ناس: ألقَى بيده إلى التهلكة. فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا. صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإِسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار تحبّباً، فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره حتى فشا الإِسلام وكثر