المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه - حياة الصحابة - جـ ٢

[محمد يوسف الكاندهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌باب الجهاد

- ‌قصة تبوك وما أنفق الصحابة في ذلك من والأموال

- ‌إستئذان الجدّ بن قيس عن الغزو وما قاله عليه السلام له وما نزل فيه من القرآن

- ‌إنفاق الصحابة رضي الله عنهم المال في غزوة تبوك

- ‌إهتمامه صلى الله عليه وسلم ببَعْث أسامة رضي الله عنه في مرض وفاته

- ‌وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ودخول الصحابة المدينة

- ‌مشايعة أبي بكر جيش أسامة

- ‌قول أبي بكر عند وفاته لعمر رضي الله عنهما

- ‌مشاورة أبي بكر أكابر الصحابة في غزو الروم وخطبته في ذلك

- ‌خطبة عمر ومتابعته في إمضاء رأي أبي بكر في الجهاد

- ‌تبشير علي أبا بكر وسروره بما قال علي وخطبته في استنفار الصحابة

- ‌كتاب أبي بكر رضي الله عنه إلى أهل اليمن للجهاد في سبيل الله

- ‌رغيب عثمان بن عفان رضي الله عنه على الجهاد

- ‌تحريض علي رضي الله عنه يوم صفِّين

- ‌خطبة علي على تثاقلهم في النَّفْر

- ‌ترغيب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه على الجهاد خطبة سعد يوم القادسية

- ‌خطبة عاصم بن عمرو يوم القادسية

- ‌رغبة عمر في السير في سبيل الله وقوله: إن الجهاد أفضل من الحج

- ‌رغبة ابن عمر رضي الله عنهما في الجهاد

- ‌قول عمر في فضيلة من يخرج ويحرس في سبيل الله

- ‌قصة عمر ومعاذ في الخروج مع أبي بكر

- ‌ترجيح عمر للمهاجرين الأولين على رؤساء القوم في المجلس

- ‌قول سهيل بن عمرو للرؤساء الذين قدَّم عمر المهاجرين عليهم

- ‌رغبة خالد بن الوليد في الجهاد وطلبه القتل في سبيل الله

- ‌رغبة بلال في الخروج في سبيل الله

- ‌إنكار المقداد على القعود عن الجهاد لآية النَفْر

- ‌صة أبي طلحة في ذلك

- ‌قصة أبي أيوب في ذلك

- ‌قصة أبي خيثمة في ترك نعيم الدنيا والخروج في سبيل الله

- ‌حزن الصحابة رضي الله عنهم على عدم القدرة على الخروج

- ‌الإِنكار على من أخّر الخروج في سبيل الله

- ‌إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على ابن رواحة

- ‌إنكار عمر على معاذ بن جبل تأخيره الخروج

- ‌العتاب على من تخلَّف عن سبيل الله وقصَّر فيه

- ‌قصة كعب بن مالك الأنصاري

- ‌إنكار عبد الله بن عمرو بن العاص على رجل ترك الجهاد

- ‌الإِنكار على من لم يتم الأربعين في سبيل الله

- ‌الخروج لثلاثة أربعينات في سبيل الله

- ‌الخدمة في الجهاد في سبيل الله خدمة المفطرين للصائمين في سبيل الله

- ‌خدمة الصحابة لرجل يشتغل بالقرآن والصلاة

- ‌الصوم في سبيل الله

- ‌صوم عبد الله بن مخرمة يوم اليمامة

- ‌الصلاة في سبيل الله

- ‌صلاة النبي عليه السلام في عسفان

- ‌قيام الليل في سبيل الله

- ‌تكبير الصحابة وتسبيحهم عند الصعود والنزول

- ‌الدعاء عند الإِشراف على القرية

- ‌الدعاء عند افتتاح الجهاد

- ‌دعاؤه عليه السلام في وقعة أُحد والخندق

- ‌الدعاء عند الجهاد

- ‌الإهتمام بالتعليم في الجهاد

- ‌جلوس الصحابة حِلَقاً في السفر

- ‌ثواب الإِنفاق في الجهاد

- ‌إخلاص النية في الجهاد في سبيل الله

- ‌أقوال عمر في الشهداء

- ‌الحراسة في سبيل الله

- ‌تحمل الأمراض في الجهاد

- ‌جراحة طلحة بن عُبيد الله وعبد الرحمن بن عوف

- ‌جراحة جعفر بن أبي طالب

- ‌صة رافع بن خديج ورجلين من بني عبد الأشهل

- ‌تمني الشهادة والدعاء لها

- ‌قصة ثابت بن الدحداحة

- ‌يوم الرَّجيع قصة قتل عاصم وخبيب وأصحابهما

- ‌يوم مؤتة بكاء ابن رواحة عند الخروج وأبياته في سؤال الشهادة

- ‌تشجيع ابن رواحة الناس على الشهادة

- ‌يوم اليرموك قتل عكرمة بن أبي جهل في أربعمائة من المسلمين

- ‌بقية قصص الصحابة رضي الله عنهم في رغبتهم في القتل في سبيل الله

- ‌إستشهاد البراء بن مالك يوم العقبة بفارس

- ‌ قتال طلحة يوم أُحد

- ‌قتله طلحة العبدري يوم أُحد

- ‌بُكاءُ النبي عليه السلام عندما رآه مقتولا

- ‌شجاعة العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه

- ‌شجاعة أبي دُجانة سِماك بن خَرَشة الأنصاري

- ‌شجاعة قتادة بن النعمان

- ‌شجاعة سَلَمة بن الأكوع

- ‌أبو قتادة على فرس الأخرم

- ‌شجاعة أبي حدرد أبو عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنه

- ‌شجاعة خالد بن الوليد رضي الله

- ‌إقتحامه الحديقة من الجدار وقتاله مع القوم وحده

- ‌الندامة والجزع من الفرار

- ‌جزع المهاجرين والأنصار على الفرار يوم الجسر

- ‌الدلالة على من يعين الخارج في سبيل الله

- ‌البدل في البعث

- ‌تشييع المجاهد في سبيل الله وتوديعه

- ‌تشييع أبي بكر جيش أسامة

- ‌تشييع ابن عمر للغزاة وما قال لهم

- ‌كتابة إسم من خرج في سبيل الله

- ‌الصلاة والطعام عند القدوم

- ‌خروج إمرأة من بني غِفَار معه عليه السلام

- ‌خروج أم حَرَام بنت ملحان خالة أنس

- ‌خدمة الرِّبِّيع بنت مُعَوِّذ وأم عطية وليلى الغفارية في الجهاد

- ‌خروج النساء للخدمة يوم خيبر

- ‌قتال صفية يوم أُحد ويوم الخندق

- ‌إتخاذ أُم سُلَيم خنجراً للقتال يوم حُنَين

- ‌خروح الصبيان وقتالهم في الجهاد

- ‌شهادة عمير

- ‌قول أبي ذر رضي الله عنه في الخلاف

- ‌خطبة عمر والبيعة العامة على يد أبي بكر

- ‌ الناس أبا بكر بَيْعة

- ‌خروج أبي بكر للجهاد وحيداً وقول علي في ذلك

- ‌قول أبي بكر عند وفاته لعبد الرحمن بن عوف

- ‌كتاب أبي بكر رضي الله عنه في إستخلاف عمر ووصيته له وللناس

- ‌جواب أبي بكر لطلحة إذ خالفه في استخلاف عمر

- ‌من يتحمل الخلافة

- ‌صفات الخليفة كما يراها عمر رضي الله عنه

- ‌لين الخليفة وشدته

- ‌حصر من يقع منه الإنتشار في الأمة

- ‌مسألة خراج البحرين

- ‌إستشارة عمر وعثمان عبد الله بن عباس

- ‌خطبة بليغة لعمر في المشاورة

- ‌كتاب عمر إلى سعد في الحرب

- ‌التأمير في السفر

- ‌من يتحمل الإِمارة

- ‌كتاب عمر في تأمير الأمراء

- ‌الإِنكار عن قبول الإِمارة

- ‌وصية أبي بكر لرافع الطائي في أمر الإِمارة

- ‌ما وقع بين أبي بكر ورافع في الإِمارة

- ‌إِيثار الصحابة الغزو على الإِمارة

- ‌إنكار ابن عمر على القضاء بين الناس

- ‌ما وقع بين ابن عمر وأم المؤمنين حفصة بشأن دومة الجندل

- ‌إنكار عمران بن حصين على قبول الإِمارة

- ‌إحترام الخلفاء والأمراء وطاعة أوامرهم

- ‌ما وقع بين عوف

- ‌طاعة الأمير إنما تكون في المعروف

- ‌وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر في احترام الأمير

- ‌قصة إمرأة مجذومة في احترام الأمير

- ‌خطورة عصيان الأمير

- ‌حق الأمير على الرعية

- ‌نصيحة العباس لابنه في هذا الأمر

- ‌عمل عمران بن حصين في الأموال

- ‌شرائط عمر على العمال

- ‌كتاب عمر إِلى عمرو بن العاص في كسر المنبر

- ‌مؤاخذة عمر أمير حمص على بنائه العِلَيَّة

- ‌قصة المرأة المخزومية

- ‌قصة رجلين من الأنصار في هذا الأمر

- ‌عدل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌عدل عمر الفاروق رضي الله عنه

- ‌ما كان يعمله عمر رضي الله عنه في الموسم للعدل بين الناس

- ‌مؤاخذة عمر عامله على البحرين

- ‌قصة جارية وعدل عمر رضي الله عنه

- ‌قصة نبطي مع عبادة بن الصامت

- ‌قصة بكر بن شذَّاخ مع يهودي

- ‌كتاب عمر إلى أمير جيش في منع قتل المشركين

- ‌إجراء عمر من بيت المال على شيخ من أهل الذمة

- ‌عدل علي رضي الله عنه

- ‌خوف الخلفاء رضي الله عنهم

- ‌وصية أبي بكر عند الوفاة في استخلاف عمر ووصيته لعمر

- ‌كتابه رضي الله عنه إِلى عمرو والوليد بن عقبة

- ‌وصية أبي بكر الصديق لشرحبيل بن حسنة رضي الله عنهما

- ‌وصايا عمر رضي الله عنه

- ‌وصية عمر بن الخطاب للعلاء بن الحضرمي رضي الله عنهما

- ‌وصية عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما

- ‌وصايا علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأمرائه

- ‌نصيحة الرعية الإِمام

- ‌كتاب أبي عبيدة ومعاذ إلى عمر وكتابه إليهما

- ‌سيرة الخلفاء والأمراء

- ‌قصة أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌قصة قسْم المال بين المسلمين وما وقع بين عمر وعلي فيه

- ‌قصة رجل عرض ناقة سمينة في الصدقة

- ‌جود أم المؤمنين عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما

- ‌إنفاق ما يحبّ

- ‌قول أبي ذر: إِن في المال ثلاثة شركاء

- ‌قصة عبد الله بن زيد رضي الله عنه

- ‌من أقرض الله تعالى قصة بيع بي الدحداح بستانه بنخلة في الجنة

- ‌الإِنفاق على الإِسلام

- ‌ إنفاق عثمان في جيش العسرة

- ‌الإِنفاق على الفقراء والمساكين وأهل الحاجة

- ‌إنفاق عثمان بن أبي العاص رضي الله

- ‌قصة دُكَين بن سعيد الخثعمي في ذلك

- ‌الصدقات قصة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في ذلك

- ‌إطعام أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌إطعام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌إطعام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

- ‌إطعام جابر بن عبد الله رضي الله عنهما

- ‌ضيافة الأضياف الواردين إلى المدينة الطيبة

- ‌دعوته صلى الله عليه وسلم لأهل الصفَّة

- ‌ضيافة الذين يريدون الإِسلام

- ‌ضيافة أهل الصفة في رمضان

- ‌إكساء الحلل وقسمها

- ‌إطعام المجاهدين

- ‌كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تدوين عمر رضي الله عنه الديوان للعطايا

- ‌رجوع عمر إلى رأي أبي بكر وعلي رضي الله عنهم في القَسْم

- ‌قَسْم علي بن أبي طالب رضي الله عنه المال

- ‌كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري في ذلك

- ‌رأي عمر رضي الله عنه في حق المسلمين في المال

- ‌قسم طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه المال

- ‌قسم الزبير بن العوام رضي الله عنه المال

- ‌قسم أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وحذيفة رضي الله عنهم

- ‌الإحتياط عن الإِنفاق على نفسه وذوي القربى من بيت المال

- ‌ما وقع بين عمر وابنته حفصة في شأن مال المسلمين

- ‌قصة قَسْم المسك والعنبر الذي جاء من البحرين

- ‌قصة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في هذا الأمر

- ‌قصة أخرى له صلى الله عليه وسلم مع جبريل في ذلك

- ‌رد عمر بن الخطاب رضي الله عنه المال

- ‌قصته مع أبي موسى الأشعري في ذلك

- ‌رد حكيم بن حزام رضي الله عنه

- ‌قصته مع عمر رضي الله عنهما في ذلك

- ‌رد عامر بن ربيعة رضي الله عنه القطيعة

- ‌رد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما المال

- ‌قصة عائشة مع إمرأة مسكينة

- ‌قصة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك

- ‌قوله عليه السلام لمّا قدم أبو عبيدة بمال من البحرين

- ‌رواية الحسن البصري في قصة فروة كسرى وسواريه

- ‌رواية بن عباس في بكائه على بسط الدنيا

- ‌سؤاله لأم سَلَمة على بسط المال وجوابها له

- ‌حديث البخاري في خوف خباب

- ‌عيادة سعد بن أبي وقاص لسلمان وما وقع بينهما

- ‌سبب جزع سلمان رضي الله عنه عند الموت

- ‌خوف أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة القرشي رضي الله

- ‌خوف أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وبكاؤه على بسط الدنيا

- ‌زهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن الدنيا

- ‌فراشه عليه السلام

- ‌حديث سلمى إمرأة أبي رافع في أكله عليه السلام

- ‌زهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌حديث عائشة في أن أبا بكر لم يترك شيئا

- ‌زهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌زهده رضي الله عنه في الأكل

- ‌قصته مع ابنه عبد الله وابنته حفصة في ذلك

- ‌قصته مع عتبة بن فرقد في ذلك

- ‌زهد عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌بيعة سيفه لشراء الإِزار

- ‌زهد مصعب بن عمير رضي الله عنه

- ‌ما أصاب مصعباً من البلاء بعد الإِسلام

- ‌زهد عثمان بن مظعون رضي الله عنه

- ‌زهد سلمان الفارسي رضي الله عنه

- ‌زهد أبي ذر الغفاري رضي الله عنه

- ‌زهد أبي الدرداء رضي الله عنه حديثه رضي الله عنه

- ‌ما وقع بينه وبين عمر رضي الله عنهما

- ‌زهد معاذ بن عفراء رضي الله عنه

- ‌زهد اللجلاج الغطفاني رضي الله عنه

- ‌زهد عبد الله بن عمر رضي الله عنه عيشه رضي الله عنه

- ‌زهده بعد وفاة النبي عليه السلام

- ‌وصيته عليه السلام لأم المؤمنين عائشة

- ‌إنكار عمر على ابنه عبد الله حين رأى عنده اللحم

- ‌كتاب عمر إلى أبي الدرداء لما ابتنى بدمشق قنطرة

- ‌وصية أبي بكر لسلمان عند الوفاة

- ‌ما وقع بين أبي ذر وأبي الدرداء في بناء بيت

الفصل: ‌زهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

‌زهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه

رغبة بعض الصحابة بزيادة رزق عمر ورفضه ذلك

وأخرج الطبري عن سالم بن عبد الله قال: لما ولي عمر رضي الله عنه قعد على رزق أبي بكر رضي الله عنه الذي كانوا فرضوا له، فكان بذلك فاشتدت حاجته، فاجتمع نفر من المهاجرين منهم: عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير رضي الله عنهم. فقال الزبير؛ لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه، فقال علي؛ وددنا قَبل ذلك، فانطلقوا بنا، فقال عثمان: إنّه عمر فهلُّموا فلنستبرىء ما عنده من وراء، نأتي حفصة فنسأله ونستكتمها. فدخلوا عليها وأمروها أن تخبر بالخبر عن نفر ولا تسمِّي له أحداً إلا أن يقبل، وخرجوا من عندها.

فلقيت عمر في ذلك فعرفت الغضب في وجهه، وقال: من هؤلاء؟ قالت: لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم رأيك، فقال: لو علمت من هم لسؤت وجوههم، أنت بيني وبينهم، أنشدك بالله: ما أفضل ما أقتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك من الملبس؟ قالت؛ ثوبين مُمَشَّقين كان يلبسهما للوفد ويخطب فيهما للجمع. قال: فأيُّ الطعام ناله عندك أرفع؟ قالت: خبزنا خبزة شعير فصببنا عليها وهي حارة أسفل عُكَّة لنا، فجعلناها هشَّة دسمة، فأكل منها وتطعَّم منها إستطابة لها. قال: فأيُّ مبسط كان يبسطه عندك كان أوطأ؟ قالت: كساء لنا ثخين كنا نربِّعه في الصيف فنجعله تحتنا، فإذا كان الشتاء بسطنا نصفه وتدثَّرنا بنصفه. قال: يا حفصة، فأبلغيهم عني أن رسول الله قَدَّر فوضع الفُضول مواضعها وتبلغ بالتزجية، وإني قدرت فوالله وضعنَّ الفُضول مواضعها لأتبلغنَّ بالتزجية، وإنما مثلي ومثل صاحبيَّ كثلاثة سلكوا طريقاً، فمضى الأول وقد تزود زاداً فبلغ ثم اتَّبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه، ثم اتَّبعه الثالث فإن لزم

ص: 556

طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما وكان معهما، وإن سلك غير طريقهما لم يجامعهما. وأخرجه أيضاً ابن عساكر عن سالم بن عبد الله فذكر نحوه، كما في منتخب الكنز.

حديث الحسن البصري في ذكر زهد عمر في جامع البصرة

وأخرج ابن عساكر عن الحسن البصري قال: أتيت مجلساً في جامع البصرة، فإذا أنا بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون زهد أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما وما فتح الله عليهما من الإِسلام وحسن سيرتهما، فدنَوت من القوم، فإذا فيهم الأحنف بن قيس التميمي رضي الله عنه (جالس) معهم، فسمعته يقول: أخرَجنا عمر بن الخطاب في سرية إلى العراق ففتح الله علينا العراق وبلد فارس، فأصبنا فيها من بياض فارس، وخراسان، فجعلناه معنا واكتسينا منها. فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه وجعل لا يكلمنا، فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا إبنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو جالس في المسجد، فشكونا إليه ما نزل بنا من الجفاء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ فقال عبد الله: إن أمير المؤمنين رأى عليكم لباساً لم يرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسه ولا الخليفة من بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فأتينا منازلنا فنزعنا ما كان علينا وأتيناه في البِزة التي كان يعهدنا فيها، فقام يسلم علينا على رجل رجل، ويعانق منَّا رجلاً رجلاً؛ حتى كأنه لم يرنا قبل ذلك، فقدَّمنا إليه الغنائم فقسمها بيننا بالسوية، فعُرض عليه في الغنائم سلال من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر، فذاقه عمر فوجده طيبَ الطعم طيبَ الريح، فأقبل علينا بوجهه وقال: والله يا معشر المهاجرين والأنصار ليقتلن منكم الابن أباه والأخ أخاه على هذا الطعام ثم أمر به فحُمل إلى أولاد من قُتلوا بين يديّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار.

ص: 557

ثم إنَّ عمر قام منصرفاً فمشى وراءه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثره، فقالوا: ما ترون يا معشر المهاجرين والأنصار إلى زهد هذا الرجل وإلى حِلْيته؟ لقد تقاصرت إِلينا أنفسنا مذ فتح الله على يديه ديار كسرى وقيصر، وطرفي المشرق والمغرب، ووفود العرب والعجم يأتونه فيَرون عليه هذه الجبَّة وقد رقعها إثنتي عشرة رقعة، فلو سأَلتم معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم الكبراء من أهل المواقف والمشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والسابقين من المهاجرين والأنصار - يغير هذه الجبة بثوب ليِّن يُهاب فيه منظره، ويُغدَى عليه بجفنة من الطعام، ويُراح عليه بجفنة يأكله ومن حضره من المهاجرين والأنصار. فقال القوم بأجمعهم: ليس لهذا القول إلا علي بن أبي طالب فإنه أجرأ الناس عليه وصهره على إبنته، أو إبنته حفصة فإنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُوجب لها لموضعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلموا علياً، فقال عليٌّ: لست بفاعل ذلك، ولكن عليكم بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنهن أمهات المؤمنين يجترئن عليه.

قال الأحنف بن قيس: فسألوا عائشة وحفصة رضي الله عنهما وكانتا مجتمعتين. فقالت عائشة: إني سائلة أمير المؤمنين ذلك، وقالت حفصة: ما أراه يفعل وسيبِينُ لك ذلك. فدخلتا على أمير المؤمنين فقرَّبهما وأدناهما، فقالت عائشة: يا أمير المؤمنين، أتأذن أكلمك؟ قال: تكلَّمي يا أمَّ المؤمنين. قالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى لسبيله إلى جنته ورضوانه لم يُرد الدنيا ولم تُرده، وكذلك مضى أبو بكر رضي الله عنه على إثره لسبيله بعد إحياء سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَتَل المكذبين، وأدحض حجة المبطلين بعد عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وإِرضاء رب البرية، فقبضه الله إلى رحمته ورضوانه وألحقه بنبيه صلى الله عليه وسلم بالرفيع الأعلى لم يرد الدنيا ولم ترده. وقد فتح الله على يديك كنز كسرى وقيصر وديارهما، وحُمل إليك أموالهما ودانت لك أطراف

ص: 558

المشرق والمغرب ونرجو من الله المزيد وفي الإِسلام التأييد، ورسل العجم يأتونك ووفود العرب يردون عليك وعليك هذه الجبة قد رقعتها إثنتي عشرة رقعة فلو غيَّرتها بثوب لين يُهاب فيه منظرك، ويُغدى عليك بجفنة من الطعام ويُراح عليك بجفنة تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار.

فبكى عمر عند ذلك بكاءً شديداً، ثم قال: سألتك بالله هل تعلمين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شبع من خبز برَ عشر أيام أو خمسة أو ثلاثة، أو جمع بين عشاء وغداء حتى لحق بالله؟ فقالت: لا، فأقبل على عائشة فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُرِّب إليه طعام على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض، كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض ويأمر بالمائدة فتُرفع؟ قالتا: اللهمَّ نعم. فقال لهما: أنتما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ولكما على المؤمنين حق وعليَّ خاصة؛ ولكن أتيتما ترغِّباني في الدنيا وإِنِّي لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس جبة من الصوف فربما حك جلده من خشونتها، أتعلمان ذلك؟ قالتا اللهمَّ نعم، فقال: هل تعلمين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقد على عباءة على طاقة واحدة وكان مِسْحاً في بيتك يا عائشة، تكون بالنهار بساطاً وبالليل فراشاً، فندخل عليه فنرى أثر الحصير على جنبه؟ ألا يا حفصة أنت حدثتيني أنك ثنيت له ذا ليلة فوجد لينها فرقد فلم يستيقظ إلا بأذان بلال، فقال لك:«يا حفصة ماذا صنعت؟ أَثَنيت المهاد ليلتي حتى ذهب بي النوم إلى الصباح؟ ما لي وللدنيا وما لي شغلتموني بلين الفراش» يا حفصة أما تعلمين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مغفوراً له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، أمسى جائعاً، ورقد ساجداً، ولم يزل راكعاً وساجداً وباكياً ومتضرعاً في آناء الليل والنهار إِلى أن قبضه الله برحمته ورضوانه لا أكل عمر طيباً، ولبس ليِّناً، فله أُسوة بصاحبيه، ولا جمع بين أُدْمين إلا الملح والزيت، ولا أكل لحماً إلا في كل

ص: 559