الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء المسلمون الذين سيخرجون مع أسامة رضي الله عنه يودّعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«أنْفِذوا بَعْث أُسامة» . ودخلت أم أيمن رضي الله عنها فقالت: أيْ رسول الله، لو تركتَ أُسامة يقيم في معسكره حتى تَماثل، فإن أُسامة إن خرج على حاله هذه لم ينتفع بنفسه.
فقالت: «أَنفِذُوا بَعْثَ أُسامة» . فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد، ونزل أُسامة يوم الأحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل مَغْمور وهو اليوم الذي لَدُّوه فيه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان وعنده العباس والنساء حوله، فطأطأ عليه أُسامة فقبَّله - ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلّم -، فجعل يرفع يديه إلى السماء، ويصبُّهما على أُسامة. قال أُسامة: فأعرف أنَّه كان يدعو لي. قال أُسامة: فرجعت إلى معسكري. فلما أصبح يوم الإِثنين غدا من معسكره وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مُفيقاً، فجاءه أُسامة، فقال:«أُغْدُ على بركة الله» فودّعه أُسامة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مفيق، وجعل نساؤه يتماشطن سروراً براحته. ودخل أبو بكر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، أصبحت مُفيقاً بحمد الله، واليومُ يوم إبنة خارجة، فأُذنْ لي، فأذن له، فذهب إلى السُّنْح وركب أُسامة إلى معسكره، وصاح في أصحابه باللحوق إلى العسكر، فانتهى إلى معسكره، ونزل وأمر الناس بالرحيل وقد مَتَع النهار.
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ودخول الصحابة المدينة
فبينا أُسمة يريد أن يركب من الجُرف أتاه رسول أُم أيمن رضي الله عنها وهي أُمه - تخبره أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت، فأقبل أُسامة إلى المدينة ومعه عمر، وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت، فتوفي عليه السلام حين زاغت الشمس يوم الإِثنين لإثنتي عشرة ليلةً خَلَت من ربيع الأول. ودخل
المسلمون الذين عسكروا بالجُرْف إلى المدينة، ودخل بُرَيدة بن الحُصَيب رضي الله عنه بلواء أُسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده. فلمَّا بُويع لأبي بكر أمر بُرَيدة أن يذهب باللواء إلى بيت أُسامة ولا يَحُلّه أبداً حتى يغزو بهم أُسامة. قال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أُسامة، ثم خرحت به إلى الشام معقوداً مع أُسامة، ثم رجعت به إلى بيت أُسامة، فما زال معقوداً في بيته حتى توفي.
إصرار أبي بكر رضي الله عنه على بَعْث أسامة إمتثالاً لأمره عليه السلام
فلما بلغ العربَ وفاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد منها عن الإِسلام؛ قال أبو بكر لأسامة: (انفُذ في وجهك الذي وجَّهك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الأول، وخرج بُرَيدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول. فشقَّ ذلك على كبار المهاجرين الأوَّلين، ودخل على أبي بكر، عمر، وعثمان، وأبو عبيدة، وسعد بن أبي وقاص، سعيد بن زيد رضي الله عنهم، فقالوا: يا خليفة رسول الله، إنّ العرب قد انتقضت عليك من كل جانب، وإنَّك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً، إجعلهم عدّة لأهل الردّة ترمي بهم في نحورهم، وأُخرى: لا نأمن على أهل المدينة أن يُغار عليها وفيها الذراري والنساء، ولو تأخرت لغزو الروم حتى يضرب الإِسلام بجِرَانه، ويعود أهل الرّدة إلى ما خرجوا منه أو يُفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذٍ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا.
فلما استوعب أبو بكر كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شيئاً؟ قالوا: لا، قد سمعتَ مقالتنا. فقال: والذي نفسي بيده، لو ظننتُ أنَّ السِباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البَعْث، ولا بد أن يؤوب منه، كيف ورسول الله
صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفِذوا حيش أسامة ولكن خصلة أكلّم بها أسامة، أكلِّمه في عمر يقيم عندنا فإنّه لا غنى بنا عنه؛ والله ما أدري يفعل أسامة أم لا، والله إن أبى لا أكرهه. فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إِنفاذ بعث أسامة.
ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته وكلّمه في أن يترك عمر، ففعل، وجعل يقول له؛ أذنتَ ونفسك طيبة؟ فقال أسامة: نعم. قال: فخرج، وأمر مناديه ينادي: عَزْمةٌ مني أن لا يتخلَّف عن أسامة مِنْ بَعْثه مَنْ كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنِّي لن أُوتي بأحد أبطأ عن الخروج معه إلا ألحقته به ماشياً. وأرسل إلى النَّفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في إِمارة أسامة، فغلَّظ عليهم وأخذهم بالخروج، فلم يتخلَّف إنسان واحد.
وخرج أبو بكر يُشيِّعُ أسامة والمسلمين، فلما ركب من الجُرف في أصحابه وهم ثلاثة آلاف رجل، وفيهم ألف فرس، فسار أبو بكر إلى جنب أسامة ساعة ثم قال: (أستودُع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاك، فانفُذ لأمر لأمر رسول الله، فإني ليست آمرك ولا أنهاك عنه، إنا أن مُنَفِّذ لأمْر أمَر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فخرج سريعاً فوطىء بلاداً هادئة لم يرجعوا عن الإِسلام مثل جُهَينة وغيرها من قُضاعة. فلما نزل وادي القُرى قدَّم عيناً له من بني عُذْرة يدعى حُرَيثاً، فخرج على صدر رحلته أمامه فغزا حتى انتهى إلى أبنى، فنظر إلى ما هناك وارتاد الطريق، ثم رجع سريعاً حتى لقي أسامة على مسيرة ليلتين من أُبْنى، فأخبره أنَّ الناس غارُّون ولا جموع لهم، وأمره أن يسرع السير قبل أن تجتمع الجموع، وأن يشنّها غارة. كذا في مختصر
ابن عساكر. وقد ذكره في كنز العمال عن ابن عساكر من طريق الواقدي عن أسامة رضي الله عنه. وأشار إليه الحافظ في فتح الباري.
إستئذان أسامة للرجوع إلى المدينة وإنكار أبي بكر عليه وقصته مع عمر في هذا
وأخرج بن عساكر أيضاً عن الحسن بن أبي الحسن قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْثاً قبل وفاته على أهل المدينة ومن حولهم، وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأمَّر عليهم أسامة بن زيد رضي الله عنه، فلم يجاوز آخرهم الخندق حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف أسامة بالناس، ثم قال لعمر: إرجع إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه؛ يأذن لي فليرجع الناس، فإنَّ معي وجوههم وحدَّهم، ولا آمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وَثَقَل رسول الله وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون. وقالت الأنصار: فإن أبى إلا أن نمضي فأبلغه عنَّا واطلب إليه أن يولِّي أمرنا رجلاً أقدم سِنّاً من أسامة. فخرج عمر بأمر أسامة، فأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة. فقال أبو بكر: لو اختطفتني الكلاب والذئاب لم أردَّ قضاءً قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن الأنصار أمروني أن أبْلِغك أنهم يطلبون إليك أن تولِّي أمرهم رجلاً أقدم سنّاً من أسامة، فوثب أبو بكر - وكان جالساً - فأخذ بلحية عمرَ وقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب إستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزِعه؟ فخرج عمر إلى الناس؛ فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: أمضوا ثكلتكم أمهاتكم، ما لقيت في سببكم اليوم من خليفة رسول الله.