الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشايعة أبي بكر جيش أسامة
ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشجعهم وشيّعهم، وهو ماش وأسامة راكب، وعبدا لرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر رضي الله عنهم، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله، لتركبنّ أو لأنزلنّ، فقال: والله لا تنزل، ووالله لا أركب؛ وما عليّ أن أغبِّر قدميَّ ساعة في سبيل الله، فإنَّ للغازي بكل خطوة يخطوها سبع مائة حسنة تكتب له، وسبع مائة درجة ترفع له، وتُمحى عنه سبع مائة خطيئة حتى إذا انتهى. قال له: إنْ رأيت أن تعينني بعمر بن الخطاب فافعل، فأذن له. كذا في مختصر ابن عساكر، وكنز العمال. وذكره في البداية عن سَيْف عن الحسن مختصراً.
إنكار أبي بكر على المهاجرين والأنصار إذ كلموه في إمساك جيش أسامة
وأخرج ابن عساكر أيضاً عن عروة قال: لما فرغوا من البَيْعة واطمأن الناس، قال أبو بكر لأسامة: (إمضِ لوجهك الذي بعثك له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكلَّمه رجال من المهاجرين والأنصار وقالوا: أمسك أسامة وبَعْثه، فإنَّ نخشى أن تميل علينا العرب إِذا سمعوا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر - وكان أحزمَهم أمراً -: أنا أحبس جيشاً بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اجترأت على أمر عظيم والذي نفسي بيده، لأن تميل عليّ العرب أحبُّ إليَّ من أن أحبس جيشاً بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إمضِ يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به، ثم أغزُ حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين، وعلى أهل مؤتة، فإنَّ الله سيكفي ما تركت، ولكن إنْ رأيتَ أن تأذن لعمر بن الخطاب فأستشيره وأستعين به، فإنه ذو رأي ومناصح للإِسلام، فافعل، ففعل أُسامة. ورجع عامة العرب عن دينهم، وعامة أهل المشرق وغَطَفان وبنو أسد، وعامة أشْجَع،
وتمسك طيّء بالإِسلام.
وقال عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أمسك أُسامة وجيشه، ووجّهْهم إلى من ارتد عن الإِسلام من غَطَفان وسائر العرب. فأبى أبو بكر أن يحبس أسامة وجيشه، وقال: إنكم قد علمتم أنه قد كان من عَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم في المشورة، فيما لم يمضِ من نبيكم فيه سنة، ولم ينزل عليكم به كتاب، وقد أشرتم وسأشير عليكم فانظروا أرشدَ ذلك فأتمروا به، فإن الله لن يجمعكم على ضلالة؛ والذي نفسي بيده، ما أرى من أمر أفضل في نفسي من جهاد مَنْ منع منا عِقالاً كان يأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقاد المسلمون لرأي أبي بكر، ورأوا أنَّه أفضل من رأيهم. فبعث أبو بكر حينئذٍ أسامة بن زيد لوجهه الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصيب في الغزو مصيبة عظيمة، وسلَّمه الله وغنَّمه هو وجيشه وردّهم صالحين. وخرج أبو بكر رضي الله عنه في المهاجرين والأنصار حين خرج أسامة، وهربت الأعراب بذراريهم. فلما بلغ المسلمين هربُ الأعراب بذراريهم، كلّموا أبا بكر وقالوا: إرجع إلى المدينة وإلى الذراري والنساء، وأمِّرْ رجلاً من أصحابك على الجيش وعهد إليه بأمرك، فلم يزل المسلمون بأبي بكر حتى رجع، وأمّر خالد بن الوليد رضي الله عنه على الجيش، فقال له: إذا أسلموا وأعطَوا الصدقة؛ فمن شاء منكم أن يرجع فليرجع؛ ورجع أبو بكر إلى المدينة. كذا في مختصر ابن عساكر. وذكره في الكنز.
وقد ذكره في البداية عن سيف بن عمر عن هشام بن عروة عن أبيه رضي الله عنهما، قال: لما بويع أبو بكر وجمع الأنصار في الأمر الذي افترقوا فيه وقال: ليتمّ بعث
أسامة، وقد ارتدّت العرب إمّا عامة وإمّا خاصة في كل قبيلة، ونجم النفاق واشرأبت اليهودية والنصرانية، والمسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيِّهم صلى الله عليه وسلم وقلّتهم وكثرة عدوّهم. فقال له الناس: إن هؤلاء جلّ المسلمين، والعرب على ما ترى قد انتقضت بك، وليس ينبغي لك أن تفرِّق عنك جماعة المسلمين. فقال:(والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننتُ أنَّ السبع تخطَفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يبقَ في القرى غيري لأنفذته) قال ابن كثير: وقد رُوي هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها. ومن حديث القاسم وعَمْرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب قاطبة واشرأبَّ النفاق، والله لقد نزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها، وصار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كأنهم مِعزى مطيرة في حش في ليلة مطيرة بأرض مُسْبِعة، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بخَطَلِها وعِنانها وفَصْلها. انتهى. وقد أخرجه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها بنحوه. قال الهيثمي رواه الطبراني من طرق، ورجال أحدها ثقات.
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: والله الذي لا إله إلا هو لولا أنَّ أبا بكر رضي الله عنه أستُخلف ما عُبد الله ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة. فقيل له: مَهْ يا أبا هريرة. فقال: إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجَّه أسامة بن