الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
توجيه الزركشي لهاتين الآيتين:
نقل الزركشي سؤالين حول هاتين الآيتين:
الأول: لماذا قدم في الأول نفى قبول الشفاعة على نفى أخذ العدل؟
الثاني: ولماذا عبَّر في الثانية بنفى قبول العدل ونفى نفع الشفاعة مكان عدم
أخذ العدل، ونفى قبول الشفاعة حيث قدم المؤخر وأخر المقدم في الأولى؟
نقل هذين السؤالين - ولم يرتض أن يكون هذا التصرف في التعبير من باب
التوسع في الكلام. وذكر في توجيه ذلك نقولاً وآراء نوجزها فيما يأتي:
أدار الأمر على النفس مكررة في كل موضع مرتين، والنفس الأولى غير الثانية، وكل منهما صالح لأن يرجع الضمير عليه في:
" منها " و: " تنفعها ".
وجعل الضمير في: " لا يُقبل منها شفاعة " راجعاً إلى النفس الأولى التى
هى الشافعة لغيرها.
والغرض من هذا ذكر الشفاعة للمشفوع له. لذلك قدمها
وأخبر أنها غير مقبولة وهذا من شأنه حَمل السامع على ترك الشفاعة لعلمه
بعدم قبولها.
أما: " ولا يؤخذ منها عدل " فالضمير - عنده - يحتمل العود على كل
من النفسين، فإذا قُدَِّر عوده على الأولى " الشافعة " فقد جرت العادة أن
الشافع إذا أراد أن يدفع إلى المشفوع عنده شيئاً ليكون مؤكداً لقبول شفاعته.
فمن أجل هذا قُدِّم ذكر الشفاعة على دفع العدل ".
وهذا كلام غير واضح - كما يبدو - ولعله أراد أن الشافع يتقدم بعرض
شفاعته عند المشفوع عنده أولاً.
ثم يعطيه ما يريد أن يؤكد به قبول شفاعته.
ولكون التقديم على هذا جارياً على الأصل.
ثم قال: " وإن جعلنا الضمير راجعاً إلى المشفوع فيه. فهو أحرى بالتأخير
ليكون الشافع قد أخبره بأن شفاعته قد قُبِلت. فتقديم العدل ليكون ذلك مؤسساً لحصول مقصود الشفاعة وهو ثمرتها للمشفوع فيه ".
وكلامه - هنا - يُفهم منه أن يجوز حصول الأمرين: قبول الشفاعة ودفع
العدل، وليس الأمر كذلك. . لأن المراد من الآية - والله أعلم - أن عدم قبول الشفاعة باعث على تحريك النفس على دفع العدل لتكون الشفاعة مقابل عوض.
يعني أنه يفكر في تقديم العدل بعد فشل الشفاعة من الشافع.
هذا في الآية الأولى. . .
أما الآية الثانية. . فقد جعل الضمير في: " منها عدل " راجعاً إلى النفس
الثانية التي هي صاحبة الجريمة. وتقديم العدل - هنا - للحاجة إلى الشفاعة
عند مَن طلب منه ذلك قال: ". . ولهذا قال في الأولى: " ولا يُقبل منها
شفاعة "، وفي الثانية: " ولا تنفعها شفاعة " لأن الشفاعة إنما تُقبل من
الشافع وإنما تنفع المشفوع له ".
ثم حكى عن بعض مشايخه - لم يذكر اسمه - إن الله نفى قبول الشفاعة
لا نفعها. ونفى أصل العدل الذي هو الفداء، وبدأ بالشفاعة في الأولى لتيسيرها على الطالب أكثر من تحصيل العدل على ما هو معروف في دار الدنيا.
أما في الثانية. . فإنه لا تقرر زيادة التأكيد بدأ بما هو أعظم الذي هو
الخلاص بالعدل وثنى بنفى الشفاعة فقال: " ولا تنفعها شفاعة " ولم يقل:
لا تُقبل منها شفاعة، وإن كان نفى الشفاعة يستلزم نفى قبولها.
لأن الشفاعة تكون نافعة غير مقبولة فنفى الشفاعة أعم.
فلم يكن بين نفى القبول ونفى النفع بالشفاعة تلازم.