الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) .
مثله كمثل الكلب. .
أى صفته التي هي مثل الخسة والضعة كصفة الكلب في أخس أحواله وأذلها.
وهى حال دوام اللهث به واتصاله سواء حُمِلَ عليه - أي شُدَّ عليه وهيج وطرِد - أو تُرِكَ غير معترَض له بشيء، وهذا المثل يتضمن وصفهم بالحقارة والضعة.
*
*
ومثلان آخران - رجلان لا يستويان:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) .
هذان المثلان ينفيان عن الأصنام - التي هي معتمد عقيدة الكفر - صفة
الكسب فهم لا يقدرون على شيء. . أي شيء
ويلاحَظ أنه عندما نفى عنها هذه الصفة المهمة. فإنه يثبت لها صفة أخرى
تتم بها الصورة ويتحقق الضعف في أجلى أوضاعه.
ففى المثل الأول حين نفى عن العبد قُدرته على شيء أثبت له الرق. والرق
نفسه عجز، وقد مهَّد لهذه الصفة بذكر العبد مقدماً عليها: (عَبْداً ممْلُوكاً
لأ يَقْدرُ عَلى شَىءٍ) ، وقارن صفته هذه المتناهية في الضعف بمن مَن الله
عليه بجَلائل النِعَم من حرية تجعله حر التصرف محرر الإرادة.
ورزق حسن ينفقه على المحتاجين وهو لا يخاف مالكاً يحجر عليه.
فهو يُنفق منه سراً وجهراً.
ثم ينفى المساواة بينهما من كل الوجوه، وهل تستوى العبودية مع الحرية، والعجز مع القُدرة، والغنى مع الفقر؟
وفي المثل الثاني. . حين نفى عن أحد الرجلين قُدرته على الكسب مطلقاً
أثبت له صفة البكم. ثم قارنَ بينه ويين مَنْ هو طلق اللسان يأمر بالمعروف وهو على صراط مستقيم. . ثم نفى أن يكون بين الرجلين شبه.
ويرى الزمخشري أن القابل للمثلين في الموضعين: مثل مضروب لله تعالى،
فما كان في غاية العجز فهو الأصنام، وما كان في غاية القوة فهو الله.
وقريب منه قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) .
هذا المثل ضربه الله لمن يُثبت آلهة شتى. وما يلزمه على قضية مذهبه من أن
يدعى كل واحد منهم عبوديته. ويتشاكسوا في ذلك ويتغالبوا ويبقى هو
متحيراً ضائعاً لا يدرى أيهم يعبد؟ وعلى ربوبية أيهم يعتمد؟.
وممن يطلب رزقه وممن يلتمس رفده. فهمُّه مشاع وقلبه أوزاع.
فهل يستوى حال هذا الحائر مع حال مَن يُثبت إلهاً واحداً.
فهو قائم بما كلفه به، عارف بما أرضاه وما أسخطه، متفضل عليه في عاجله وآجله.
فههنا اضطراب وقلق وحيرة وتشتت. وضعف وعجز. وذلك مثل الكافر
عقيدة ومعتمد عقيده.
* ومثال آخر - قياس من الواقع:
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) .
هذا المثل مضروب لضعف الأصنام. وقد ساق الله بهذا المثل قياساً
لا ينكرونه، لأنه مضروب لهم من أنفسهم. وحاصله:
قاس حال الأصنام مع خالقها وخالق مادتها. بحال المملوكين مع مالكيهم.
وهم هنا المخاطبون، فالله يقول لهم: هل لكم ممن تملكون من الأرقاء شركاء
فيما رزقناكم وملكته أيمانكم، فأنتم وهم متساوون الملكية والتصرف فيه،
وإذا تصرفتم في شيء منه دون إذنهم خفتم من مساءلتهم لكم على هذا التصرف كما يخاف بعضكم بعضاً - معاشر الأحرار - إذا تصرف واحد منكم فيما يملكه غيره؟
هم لا شك منكرون أن يكون هذا حالهم مع حال مملوكيهم.
وإذا تقرر ذلك فكيف يثبتون لله - سبحانه - شركاء فيما خلق؟
وهذا المثل محتو على تشبيه ضمنى شُبِّه فيه هيئة بهيئة. وهم معه أحد
رجلين: إما أن ينكروا أن يكون لمملوكيهم هذا الحق، فيلزمهم نفيه عن الأصنام وتبطل قضية التعدد المزعومة.
وإما ألا ينكروا - وهذا مستبعد - فيكونوا متناقضين مع الواقع ومع
أنفسهم.